لبيك رسول الله 2
لبيك رسول الله (2)
عدنان عون
1- ما أشبه اليوم بالأمس:
نعم ما أشبه اليوم بالأمس، وما أشبه حال البشرية اليوم بحالها في جاهليتها الأولى، فقد كانت ــ قبل الإسلام ــ في جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، وصراع رهيب، وبعث الله محمداً (صلى الله عليه وسلم) فكان الرحمة المهداة، فماذا فعل للإنسانية؟
ألم يحرر الإنسان والشعوب من الجاهلية والضلال والتعسف؟
ألم يحرر الأرقاء، وينصف المستضعفين، وينشر العدل والمساواة؟··· ألم يُعِد للبشرية نبضها الإنساني، وسموها الأخلاقي؟
لقد فتح الله جل وعلا به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غُلفاً، وربى أتباعه على قيم الإسلام وأخلاق القرآن، فحملوا للبشرية مشاعل الهداية، وعاش الناس في ظل حضارة الإسلام ودولته عطاءات هذا الدين عدالة ومساواة، إخاءً وتسامحاً، حرية وأمناً··· قد تآلفت على الحق القلوب، وتآخت على المحبة النفوس وتلاقت على الوحدة والألفة الأرواح··
واستطاع (صلى الله عليه وسلم) أن يئد العصبية الجاهلية والتمييز العنصري وأن يقنع الناس أنهم ــ على اختلاف ألسنتهم وألوانهم ــ عيال الله، وكلهم لآدم وآدم من تراب! وما أحوج البشرية اليوم إلى محمد (صلى الله عليه وسلم) يداوي جراحاتها ويحقق لها سعادتها بعد أن عجزت الأيدلوجيات المعاصرة والحضارات المختلفة أن تمنح الإنسان سعادة الروح وطمأنينة النفس·
والإسلام وهو دين الحق والفطرة والقيم والأخلاق والتشريع العادل والسامي، قادر بإذن الله جل وعلا أن يحقق للبشرية ما تصبو إليه·
2 ــ هذا ديننا فلماذا لا تجربه البشرية؟
هذا الإسلام دين الرحمة والعدل والنظام والمساواة والحقوق، فلماذا لا تجربه البشرية منهجاً للحياة، وهي التي جرَّبت كثيراً من الأنظمة والأيدلوجيات التي ما زادتها إلا شقاءً· إن للإسلام تجربة رائدة ورائعة، شهد بعظمة مبادئه، وسمو تشريعاته أهل القانون، وأصحاب الاختصاص والإصلاحيون وكثير من العظماء والمفكرين، ممن درسوا تطور الحياة في ظل حضارات متعددة··· وقال كثيرون منهم:
إن خسارة كبيرة وفادحة أصابت العالم من جراء معاداة الإسلام، ومحاولات إقصائه عن حياة البشر وواقع الحياة·
وقالها صريحة أحد أدباء الغرب ــ على لسان أحد أشخاص مسرحيته: " إنَّ أشأم يوم مرَّ على الإنسانية، هو يوم ( بواتيه) ، حين تقهقرت الحضارة الإسلامية أمام بربرية الغرب" ··· وقال أحمد سوسة ــ بعد أن درس الإسلام واعتنقه ــ : " لو أدرك هذا العالم التائه جوهر المبادئ الإسلامية، لوجد فيها خير كفيل لحل معظم الأدواء البشرية، ولما احتاج إلى عصبة الأمم أو نظائرها، لنشر مبادئ السلم والتعاون، لأن الإسلام يضم بين تعاليمه أنبل مبدأ وأمتن أساس لتوحيد عُرى العلاقات السلمية بين الأمم"·
وقال الاسكتلندي ( ركس أنجرام): " وجدت في الإسلام ضالتي فأسلمت· إني أعتقد أن الإسلام هو الدين الذي يُدْخل السلام والسكينة إلى النفس، ويلهم الإنسان العزاء وراحة البال والسلوى في هذه الحياة"
ويؤكد المفكر الهندي ( بشير أحمد بانيل)، المعنى نفسه فيقول:
"لقد أيقنت أن الإسلام هو المنهج الذي يحقق غاية الوجود الإنساني، فهو يمتاز بالبساطة والواقعية والاستعلاء والحساسية والشمول، وأنه يحترم كافة الأديان، ويوقر جميع الأنبياء"·
إن التعددية التي أقرها الإسلام، واحتضنها مجتمعه الإنساني، لهي أصدق دليل على تسامحه مع الآخرين، وحُسن تعايشه معهم، وما وثيقة الاتفاق بين النبي(صلى الله عليه وسلم) وبين يهود إلا صورة رائعة لتطبيق مبدأ التسامح، ولولا خيانة يهود للعهود والمواثيق لظلوا يتمتعون بحقوق المواطنة في دولة المدينة·
وجدير بالبشرية، وقد عاشت جوانب كثيرة ومضيئة من حضارة الإسلام أن تنصف الإسلام وتعترف بفضله··· يقول (غوستاف لوبون): " ··· وقد أخذ علماء الغرب ينصفون محمداً (صلى الله عليه وسلم)···"·
3 ــ وهذا نبينا (صلى الله عليه وسلم) فلماذا لا نفتخر به؟
كان محمد (صلى الله عليه وسلم) الرحمة المهداة للعالمين ــ والبلسم الشافي لأدواء البشرية، ولم تعرف البشرية ولن تعرف إنساناً غير محمد (صلى الله عليه وسلم)، اكتمل فيه الجمال والكمال الإنساني، فغدا أعظم شخصية إنسانية، تعددت جوانب عبقريتها، وكثرت محاسن عطائها للبشرية، فكانت شخصيته أضوأ من الشمس وأبين من غُرة النهار " وندر ــ كما يقول مونته ــ بين المصلحين من عرفت حياتهم بالتفصيل مثل محمد صلى الله عليه وسلم، وأن ما قام به من إصلاح أخلاق وتطهير مجتمع يمكن أن يُعَدَّ به من أعظم المحسنين للإنسانية"··
هذا نبينا (صلى الله عليه وسلم) الذي استنقذ البشرية من ضلالات الشرك وظلمات الجاهلية، ووضعها على المحجة البيضاء لتكون غرة في جبين الإنسانية، فلماذا لا نحبه ونفتخر به وننتصر له؟ والإيمان به ومحبته والالتزام بهديه فرض لا يجوز التهاون فيه، ولا المساومة عليه!!
وإن من واجب كل مسلم أن يُمكِّن علاقته بالله ورسوله من خلال معرفة صحيحة، ومحبة مخلصة صادقة، تتجلى بهما شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته،، فتزداد القلوب محبة له تزاحم كل ما سواها، حتى يكون الله ورسوله أحبّ إلى المؤمنين مما سواهما، ومن واجب كل مسلم أن يتمثل سنته ويجسد هديه ليكون المؤمنون قدوة للآخرين وحسبي أن أضع بين يدي القارئ أنموذجاً من نوادر هذا الحب الذي ملأ قلوب الصحابة·· يقول الصديق(رضي الله عنه): "عطشنا ــ في طريق الهجرة ــ عطشاً شديداً فجئت النبي (صلى الله عليه وسلم) بمذقة لبن، فشرب (صلى الله عليه وسلم) حتى ارتويت (أنا)···".
إنه ما لم يترجم الحب إلى التزام وطاعة، ويُجَسَّد أخلاقاً وسلوكيات فاضلة لا يكون حباً ولا يكون نصرة لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم)·
4 ــ أزمة الرسوم الشانئة وكيف نستثمرها؟
من حقنا أن ننصر رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وندفع عنه وندافع ولكن كيف نتفاعل مع الأزمة، وكيف نُفَعِّل انتصارنا لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟
بادئ ذي بدء يجب أن ننحي ــ جانباً ــ ردود الأفعال، وأن ننطلق في تحركنا وغضبتنا لله ورسوله على قاعدة الإيمان والاستعلاء عن كل تصرف أو سلوك يسيء إلى ديننا، ويحول وبين مقاصد دعوتنا، ولابد أن نرتقي بمعالجة الأمر إلى مستوى إسلامنا والتزامنا بأخلاق نبينا ( صلى الله عليه وسلم) ·
هذا أولاً وأما ثانياً، فلابد كما أسلفنا أن نُعرِّف الناس بديننا وبنبينا إذ إن معرفة رسوله الكريم سوف تحبب الناس بهما وتقنعهم بالاعتراف بفضله وأثره الممتد في واقع الحياة·
كما أننا لابد أن نؤكد للغرب والعالم أن ازدواجية المعايير، وتناقض المواقف، ستُعري دعاوى القوم عن العولمة وعن الديمقراطية وستجعل العقلاء يتساءلون: هل التشهير والاستهزاء بالأديان عامة وبالإسلام خاصة وكذا بالأنبياء يخدم حوار الحضارات، وتقارب الشعوب؟ ثم لماذا الدفاع عن حرية التعبير وقداستها إذا كانت جراءة على الأديان والأنبياء؟
فإذا تعرَّض ناقد أو باحث أو مؤرخ لنقد ( اليهودية) فذاك خط أحمر وفعل مُجَّرم؟ وما أكثر الأدلة والشواهد، وحسبنا أن نُذكِّر القارئ بما أقدمت عليه إحدى المحاكم الفرنسية أخيراً، فقد نشرت الاتحاد في عددها 2006/3/12 أن المحكمة الفرنسية غرّمت رسام ( كاريكاتير ) فرنسياً بمبلغ (5000 ) فرنك بسبب قيامه بتصوير اليهود وكأنهم تجار عبيد ·
إن الذين يدعون إلى حوار الحضارات، وتقارب الشعوب لابد أن يضعوا أمامهم أولويات لهذه الدعوة ومن أهمها أن يعرف كل طرف ثوابت الآخرين وخصائصهم كيما تُثار المشاعر، وتهان المقدسات·
وأن يتفق الناس على نبذ التطهير العرقي والتعصب الديني وأن نرضى بقبول الآخرين··· فهل يعي الغرب هذه الحقائق وهم ينصِّبون أنفسهم دعاة للعولمة والديمقراطية؟ أم أن الأمر لا يعدو أكثر من بسط نفوذ وسيطرة جديدة بثوب جديد؟!!
والله ولي التوفيق