منح الجنسية الفلسطينية للأجانب
قراءة في وثيقة
د. محمد ياسر عمرو
نحن أمام وثيقة مهمة، بل أكاد أقول من أهم الوثائق الفلسطينية التاريخية، وإن شئت قل هي عدة وثائق في وثيقة، وتكمن أهميتها في كونها تعبر عن نظام إداري وتنظيم سيادي في مطلع القرن الماضي، ألا وهو نظام الجنسية، كما تكمن أهمية هذه الوثائق في كونها تعبر عن جنسية فلسطينية منحت للأغراب الذين طلبوها في فلسطين، بحب وكرامة وتمتع طالبيها بكامل حقوق المواطنة ناهيك عن اسمه ولونه جنسيته ولغته ودينه، في حين يعاني اللاجئون الفلسطينيون وعلى مدى عقود من الزمن وبالتحديد منذ اثنين وستين عاماً حرمانهم جنسياتهم وحصولهم على وثائق سفر لا تخول أصحابها دخول أراضي مصدريها، وآلاف من الفلسطينيين في مخيمات اللجوء يعانون فقد الأوراق الثبوتية والوثيقة ويعيشون في منفاهم دون هوية أو جنسية أو أوراق ثبوتية، ولو طرق السامع أذنيه لرأى الألم والمعاناة بعينيه، ولذرف دمعا ودما على المرأة الحرة الفلسطينية الأبية التي تضع مولودها في المنزل لعدم امتلاك الأوراق الثبوتية، أو الطالب الذي حال فقد أوراقه الثبوتية عن مواصلة سير دراسته، فعاش الآلاف من هذه الفئة حبيسي البعد واللجوء والقهر، وإذا كانت حدود الخيام حطمت أمالهم وتطلعاتهم فإن فقدان وثائقهم وجنسياتهم سجن أرواحهم وقيد إبداعهم ووثق خطاهم، والزمن والتاريخ ينطق ويقول بأنكم جنستم المئات في مطلع القرن الفائت وأنتم دون جنسية ... وهكذا تتنقل مشكلة البدون إلى مخيمات البعد واللجوء...
وعند القراءة المتأملة لهذه الوثائق يلحظ المتفحص ما يلي:
1- صدر نظام الجنسية الفلسطيني سنة 1925 م أيام أن كان الجهل والظلام يخيم على كثير دول المنطقة والعالم، وبعض هذه الدول لم تولد أو ترى النور، وهذه نظرة إدارية متقدمة تسجل لحكومة فلسطين في تلك الفترة.
2- من حيث الشكل صيغة وثيقة التجنس بلغة جيدة، صحيحة، واضحة ومباشرة،كما أن صياغتها قانونية مما لا شك فيه، فمن البدهي أنها مراجعة قانونيا ومصاغة وفق نص وروح القانون .
3- ساوت الوثيقة بلغتها بين المرأة والرجل في كل عباراتها، فعند كل إشارة لطالب التجنيس توضع العبارة للذكر وبعدها مباشرة للأنثى، وهذا وإن كان أمر شكلي فإنه يشير للوعي بمكانة المرأة وتقديرها نفسيا ومادياً.
4- أعطت الوثيقة المتجنس بغض الطرف عن مولده وأصله وجنسيته حقوق الفلسطيني مولداً، فقالت الوثيقة " أصرّح بأنه يحق له/لها/ التمتع بجميع الحقوق السياسية وغيرها وبالسلطات والمزايا التي يتمتع بها كل فلسطيني مولداً في حين نرى كثيراً من الدول تفرق بين المواطن الأصلي والمواطن والمواطن بالتجنيس وتعامله درجة ثانية أو ثالثة، فالوثيقة وصانع القرار الفلسطيني منح المتجنس حقوق الفلسطيني مولداً وكررتها الوثيقة مرتين، كما طالبه بواجبات المواطن الفلسطيني في سبق يمثل العدالة بعينها.
5- تشير الصورة التالية إلى غلاف جواز السفر الفلسطيني في حكومة فلسطين أثناء الانتداب الفلسطيني.
6- والمثال التالي في الوثيقة التالية ما يثبت ويبرهن منح هذه الجنسية لرعايا من غير العرب، فقد يكونوا من الانجليز أو اليهود، وهذا مثال واحد من المئات الذين حصلوا على الجنسية الفلسطينة، ولكم كنت أتمنى أن أجد إحصائية أو وثيقة أو دراسة تشير لأعداد المجنسين أو الحاصلين على الجنسية الفلسطينية .
7- المتجنس يبدو أنه انجليزي أو أوروبي، وتم تجنيسه في 1928 م كما يفهم من رقم الجواز، كما يبدو أن معه مرافقين وهما زوجة وولد.
8- تمت تعبئة البيانات باللغة الانجليزية، وهذا يشير لدور حكومة الانتداب في التجنيس، ويكاد يجزم المرء أن هذا التجنيس رافداً من روافد الهجرة المنظمة والتوطين الصهيوني، وجل الجوازات التي اطلعت عليها تعود لتجنيس أوروبيين وكتبت باللغة الانجليزية، فيما لو كانت الجوازات تعود إلى مواطنين عرب كنا نرى الاسم كتب باللغة العربية .
9- تجدر الإشارة إلى أن جوازات السفر التي كانت تصدر في حكومة الانتداب تختلف عن الجوازات الفلسطينية التي صدرت باسم حكومة عموم فلسطين.
10- جواز حكومة عموم فلسطين كانت بلغتين فقط، اللغة العربية واللغة الانجليزية، أما جواز حكومة فلسطين فأضيفت إليه اللغة العبرية، كما أن جواز حكومة فلسطين لا يكتب بالعربية إلا اسم صاحب الجواز وغالباً بخط مختلف، أما حكومة عموم فلسطين فكتب باللغة العربية .
بقي أن نتساءل متى سيأتي اليوم لسيادة الجواز الفلسطيني على أرضه التاريخية ... وحينها ستمنح الجنسية وفق النظام لمستحقها ..ومتى سيعالج وضع الفلسطينيين فاقدي الأوراق الثبوتية في مخيمات اللجوء... عسى أن يكون ذلك قريبا ...