العَلمانيَّة , تلك الكذبة الكبيرة
16شباط2008
أحمد الفلو
أحمد الفلو*
بعد النمو الاقتصادي المذهل الذي حققته حكومة حزب العدالة في تركيا من خلال التخطيط السليم المترافق مع النزاهة ومحاربة الفساد الذي تراكم عبر عهود سابقة تحكمت فيها الأحزاب العَلمانية التي استمرأ أهلها الرشوة و اللصوصية , و سجّلت المؤشرات والأرقام أرقاماً لم يعهدها المجتمع التركي مطلقاً سواء من حيث نمو دخل الفرد أو من حيث تراجع الجريمة , بعد كل هذا يطلّ علينا مسوخ العَلمانية باعتراضاتهم على الكثير من المفاهيم الراقية والمتقدمة التي لم تشهد لها تركيا مثيلاً من أن دخلت في عصور الظلام العلمانية الأتاتوركية البغيضة .
ويبدو أن مناقشة مشروع السماح بارتداء النساء الزي الوطني التركي في الجامعات قد أثارت حفيظة العلمانيين وأقضَّت مضاجعهم رغم أن القرار معروض على ممثلي الشعب وسوف يتم إقراره بموجب القوانين التي وضعها العلمانيون أنفسهم , ولكن يبدو أن هؤلاء يريدون ديمقراطية على مقاساتهم يأخذون منها ما يشاءون ويتركون منها ما لا يتوافق مع أمزجتهم المفعمة بالميول الصهيونية وبالنكهة الماسونية , لقد استمرّت تلك الكذبة الخبيثة المسمّاة بالعَلمانية سنين طويلة في الانطلاء على جماهيرنا العربية والإسلامية , ولكن عورات العلمانية و زيفها بدأ يتكشَّف عند أول اصطدام لها مع تطلعات الجماهير وعند مفترقات الاختبار الحقيقية للشعارات التي وضعتها هي و إلى الحد الذي أسفرت فيه عن جوهرها المعادي للإسلام أولاً والدكتاتوري المطالب بإلغاء حريات الآخرين ثانياً , ومن المثير للسخرية حقاً أن العلمانيين يُلقون على الإسلاميين تهمة مصادرة الرأي الآخر و فرض الوصاية على المجتمع في الوقت الذي يحاولون هم فرض آرائهم بالقوة على المجتمع , و الأمر ببساطة أنه مثلما أن هناك حرية السفور للمرأة فلماذا يحاول العلمانيون قمع حرية الحجاب ؟؟ و من الواجب أن نوضح تلك الآثار المدمِّرة التي فرضها علينا العلمانيون و أفكارهم المشؤومة على عالمنا العربي والإسلامي بعد حربهم المجنونة ضد الفكر الإسلامي المتسامح والراقي والذي استوعب كلَّ فئات المجتمع عبر تاريخه الطويل وضمّها في حياضه الواسع دون فرقة ولا تمييز , وهذا يفسِّر لنا حقيقة الحملات المحمومة المضادة للإسلام المترافقة مع النعيق العَلماني التركي متمثلة ببروز الدعوات الانفصالية الأمازيغية في المغرب العربي , ونشوء طبقة من المستغربين والمتصهينين الذين يستقوون بإسرائيل والولايات المتحدة وقوى أخرى على شعوبهم كما هي الحال في لبنان و سلطة أوسلو في رام الله و أذناب الصهاينة في العراق و تشاد والصومال , وازدهار حركة بناء المعتقلات والسجون في تونس وملئِها بالمعتقلين السياسيين .
ولهؤلاء العلمانيون معاييرهم الخاصة بالديمقراطية والحريات ربما كان معيارهم الأول هو العداء للإسلام باعتباره عقيدة جماهيرية كما يحدث الآن في تركيا و تونس وما حدث في الجزائر بعد فوز جبهة الإنقاذ بشكل مطلق وحاسم ,أما المعيار الثاني فهو الصداقة الحميمة للصهيونية حيث لا ديمقراطية بوجود حالة العداء لإسرائيل كما هي الحال في ديمقراطية حاكم مصر و سلطة أوسلو حيث تم إحباط أكثر الانتخابات نزاهة في العالم عندما اختار الشعب الفلسطيني ممثليه من حركة حماس الإسلامية, أما المعيار الثالث للديمقراطية بنظر العلمانيين فهو التبعية الفكرية للغرب والثقافة الغربية كما هي في دول الفرانكوفونية أو مجموعة الكومنولث كما في دول افريفيا و باكستان , حيث لا حرية عندهم ما لم تكن مقرونة بالعبودية للغرب أما المعيار الرابع عند العلمانيين فهو عدم الإقرار بالتعددية في المجتمع والتأكيد على إلغاء الآخر المخالف حيث يعتبر هؤلاء أنفسهم أوصياء على إرادة الشعب وخيارات الأمة و يضعون أنفسهم في مكان الحقائق الكونية التي لا مجال لنقاش حول مكانتها , ومن المضحك المبكي أن العلمانيين الفلسطينيين طرحوا مسألة الدولة العلمانية باعتبارها حلاً لقضية فلسطين بحيث يتقاسم المستوطنون الصهاينة أرض فلسطين مع سكانها الأصليين .
و أظن أنه قد آن الأوان لهؤلاء العلمانيين أن يطرحوا على أنفسهم ومن ثم على أرباب الفكر والتطبيق العلماني بعض الأسئلة البسيطة مثل : لماذا يحق للفرنسيين مقاومة الاحتلال النازي ولا يحق للفلسطينيين مقاومة الاستيطان الإسرائيلي ؟ ولماذا يحق للنساء في المجتمع التعري والسفور ولا يحق لهن التستر والحجاب ؟و لماذا يتم إقرار نتائج الانتخابات البرلمانية إذا كان الفائزون بها موالون للغرب بينما يتم التنكر لها وإحباطها إذا كان الفائزون بها من الإسلاميين ؟ ولماذا يعترضون الآن على الحكم في تركيا بعد أن تم القضاء على الرشوة والفساد العلماني الذي كان متفشياً ؟ ولماذا يحارب العلمانيون الديمقراطية بعد أن تم إيجاد فرص عمل شريف للنساء وتم إغلاق باب الدعارة المهين ؟
ولا شك أن العلمانيين في البلاد العربية والإسلامية يشكِّلون طبقة مهزومة فكرياً و مُرتهنة ثقافياً للغرب والصهيونية وهي بالتالي غير قادرة على إنبات جذور لها في المجتمع العربي والإسلامي لأن التربة عندنا لا تناسب هكذا بذور عقيمة والمناخ عندنا لا يُلائم غراسهم المستوردة , و بالتأكيد فإن العلمانية الآن في موقف مهزوم وحرج خاصة بعد محاولتها التصدي للخيارات الشعبية سواء بالتظاهر أو بالتهديد وإن الفكر الإسلامي الأصيل هو الكفيل بضمان أمن المجتمع و وحدة الأمة وحمايتها من الأخطار الداخلية والخارجية وتحقيق نهضتها التنموية كما حصل في تركيا وماليزيا من قفزات حضارية رائعة بعد تنحي لصوص العلمانية عن سدَّة الحكم .
* كاتب فلسطيني