مرّة أخرى: الوحش .. وفارس الكلمةِ الأعزل
سامي رشيد
·أن تلقي بنفسك ، ولاسلاحَ لك سوى الكلمة .. في فم عدوّك المتوحّش ، الذي يدّعي أنه حامٍ للوطن والمواطنين .. أو أن تعرّض جسدك للنهش بأنيابه و مخالبه ، حرصاً منك على مصلحة وطنك وشعبك وأمّتك .. فهذا عمل نوعي مميّز، على مستوى التفكير الإنساني عامّة .. وتختلف فيه التفسيرات إلى حدّ التناقض العجيب !
(1) الحكماء ، وفلاسفة السياسة والأخلاق .. يَعدّون هذا نوعاً من البطولة النادرة ، التي يَصعب أن يقدِم عليها ، سوى أصناف مميّزة من البشر!
(2) الناس العاديون ، يختلفون في تفسير الأمر :
ـ بعضهم يسمّيه تهوّراً !
ـ وبعضهم يراه سذاجة !
ـ وبعضهم يَعدّه بطولة !
(3) عدوّك الوحش ، يرى فيه أشياء عدّة ، تختلف حسب نظرته إلى نفسه ، وإليك ، في الأحوال التي يمرّ بها ، ووفقاً لاختلافات الرؤى لدى عناصره ..!
* في حالات السكر؛ سكر السلطة ، أو سكر الغرور، أو سكر الخمرة .. يرى :
ـ أنك جبان ، لاتملك الشجاعة لمقاومته بالسلاح !
ـ وأنك غبيّ ساذج ، تسلمه نفسك بلا مقاومة ، ليبطش بك ، ويريح نفسه من صوتك الإنساني المزعج .. فيحقّق عليك انتصاراً مجّانياً سهلاً !
* في حالات يقظة البقيّة الباقية من حسّه الإنساني ، المدفون تحت ركام زيفه وحماقته وسقوطه الخلقي .. يرى :
ـ أنك عملاق حقيقي ، وأنه قَزم حقيقي ، يتمنّى أن يملك قسطاً ، ولو يسيراً ، من شجاعتك ونبلك وإنسانيتك ، واحترامك لنفسك .. حتى لو أدّى ذلك إلى خروج السلطة من بين يديه ! لأن إحساس المرء بقيمة إنسانية نبيلة ، تتحرّك في أعماقه .. لا يَعدله الزهو الفارغ بامتلاك السلطة ؛ أيّة سلطة في الدنيا !
ـ أن كلمتك العزلاء ، أقوى من مخالبه وأنيابه ، وأخطر عليه من أيّ سلاح مادّي ، ممّا يتسلّح به هو !
ـ أنك خطر عليه في حياتك..! وإذا قتلك ، كان دمك ـ ميتاً ـ أخطرَعليه مِن كلمتك حياً !
(4) أنت كيف ترى نفسك :
* مادمت تقدِم على عمل بطولي ، تعرّض حياتك فيه لخطر حقيقي .. يصعب عليك أن ترى عملك هذا ، يصبّ في إطار الرياء ، أو المباهاة ، أو ادّعاء البطولة المجّانية الفارغة ، التي تبتغي منها كسبَ إعجاب الناس بك ! أمّا نظراتك إلى آراء الناس ، المختلفة فيك ، وفي الهدف الذي تسعى إليه .. فتنصهر، كلها ، في بؤرة واحدة ، هي: رأيك أنت في نفسك ، وفي قيمة هدفك ، كما تراها أنت ! ونَحسب هذا ، كله ، من طبائع الأشياء ، ومن مألوف الفكر الإنساني ، والسلوك البشري عامّة !
وربّما كان هذا ، متّسقاً مع مدلول قول الشاعر القديم :
إذا هَـمّ ، ألـقى بينَ عينيه هَمّه ونَـكّبَ عن ذِكر العَواقبِ جانِبا !
فمَن صَرف ذهنه عن التفكير، فيما يمكن أن يناله من أخطار، على نفسه وأهله .. يَسهل عليه صرف ذهنه ، عن التفكير فيما يمكن أن يقوله عنه الناس ! هذا إذا كان إنساناً عادياً بسيطاً ، لايجيد حساب نتائج فعله تماماً ، في الحال والمآل ! أمّا من كان يعلم جيداً ، أن للحرّية ثمناً يجب أن يـُدفع ، وأن هذا الثمن ـ مهما كان باهظاً ـ يظلّ أقلّ قيمةً من الحرية نفسها.. فمِن باب أولى ، ألاّ يكترث بأقوال الآخرين.. وهذا هو النوع المميّز من البشر! الذي يقدِم على تضحية العاقل ، الذي يعرف جيداً ماذا يبذل ، وماذا ينال الآخرون مِن بذله ، وماذا ينال هو من تضحيته ، في سبيل الآخرين مِن أبناء وطنه وأمّته ! أمّا الجاهل ، الذي يندفع وراء هدف لايعرف أبعاده بالضبط ، ثمّ يمنَى بخسائر معيّنة ، في نفسه أو أهله أو ماله .. فسرعان ما يخالط نفسَه الندم ، ولوم الذات .. ثم الاستسلام للوحش ، عن قناعة ورضى! وربّما تلا ذلك ، تفانٍ في خدمة الوحش ـ سراً أو علانية ـ تكفيراً عمّا جنته يداه ، تجاه وحشِه الحبيب !