هن المؤنسات الغاليات

لبنى شرف / الأردن

[email protected]

ما زلنا نرى اليوم في مجتمعاتنا الإسلامية من يستبشر و يهش و يبش ، و يحيي الأفراح و الليالي الملاح بولادة الذكر ، و يضيق صدره و ينقبض ، و يصيبه الغم و النكد بولادة الأنثى ، و نراهم يؤثرون أولادهم الذكور على الإناث . أليست هذه الأخلاق من ترسبات الجاهلية ؟ ، كان مع رسول الله –صلى الله عليه و سلم – رجل ، فجاء ابن له فقبله و أجلسه على فخذه ، ثم جاءت بنت له فأجلسها إلى جنبه ، قال :" فهلا عدلت بينهما ؟! " .

 لقد كان عليه الصلاة و السلام يحب أمامة بنت ابنته زينب – رضي الله عنها - ، فعن أبي قتادة قال : خرج علينا النبي – صلى الله عليه و سلم – يحمل أمامة بنت أبي العاص ، و أمها زينب بنت رسول الله –صلى الله عليه و سلم – و هي صبية ، قال : فصلى عليه الصلاة و السلام و هي على عاتقه ... يضعها إذا ركع ، و يعيدها على عاتقه إذا قام ، و كانت أمامة من أحب الناس إلى رسول الله –صلى الله عليه و سلم - . و كان إذا دخلت عليه ابنته فاطمة –رضي الله عنها – قام إليها ، و قبلها ، و أجلسها في مجلسه .

 فلماذا تكرهون البنات ؟ فهن المؤنسات الغاليات ، هن اللواتي يضفين جوا من الرحمة و الحنان على الأسرة ، يقول عليه الصلاة و السلام :" لا تكرهوا البنات ، فإنهن المؤنسات الغاليات " . بل إنهن قد يكن طريقكم أيها الآباء إلى الجنة إن أحسنتم تربيتهن ، فقد قال عليه الصلاة و السلام :" من عال ثلاث بنات ، أو ثلاث أخوات ، أو أختين ، أو ابنتين ، فأدبهن و أحسن إليهن ، و زوجهن ، فله الجنة"، و " من عال ثلاثا من بنات يكفيهن و يرحمهن ، و يرفق بهن ، فهو في الجنة " ، و " من ابتلي من هذه البنات بشيئ فأحسن إليهن ، كن له سترا من النار " .

 و من المؤلم أيضا أننا نرى بعضا من الأمهات هن أول من يظلم بناتهن ، فترى الأم تفرح بولادة الذكر ، و تحزن عندما تلد أنثى ، مع أنها أنثى مثلها !! ، و تؤثر ولدها الذكر على ابنتها الأنثى ، مع أن النبي – عليه الصلاة و السلام – يقول :" من كانت له أنثى فلم يئدها ، و لم يهنها ، و لم يؤثر ملده – يعني الذكر – عليها ، أدخله الله تعالى الجنة " . و تجدها تكلف ابنتها من الأعمال ما لا تطيق ، و تأمرها بخدمة إخوانها الذكور ، ثم بعد ذلك لا تجد هذه البنت المسكينة منهم جزاء و لا تقديرا أو حتى كلمة شكر ، و من لا يشكر الناس لا يشكر الله ، و لربما كانت هذه البنت تفوق إخوانها أدبا و خلقا و علما ، و لربما تكون منزلتها عند الله أعظم بخدمتها لأهلها و إخوانها ...

يا رب أنثى لها عزم ، لها أدب = فاقت رجالا بلا عزم و لا أدب

 ثم بعد هذا نرى بعض الإخوة يتسلطون على أخواتهم و يتجبرون بهن ، فيرى أحدهم أخته تقضي الساعات و هي تنظف و تكنس و تمسح و تجلي الصحون ، ثم يطلب منها أن تضع له طعام العشاء مثلا ، أو أن تصنع له الشاي !! ، أما في قلبه من رحمة أو شفقة على هذه المسكينة ؟ فبدلا من أن يساعدها ، يحملها أعباء إضافية ؟ بل و فوق ذلك ، هي مطالبة بترتيب و تنظيف غرفته و ملابسه ، أما هو فيقضي الساعات الطوال في اللهو و اللعب ، أو أمام التلفاز !! ، يعاملها و كأنها خادمة ، بل حتى و لو كانت خادمة ، فليس له أن يقسو عليها ، أو أن يكلفها ما لا تطيق ، أليست بشرا مثله ؟ بل إنه أقدر منها جسديا و عضليا على القيام بهذه الأعمال المنزلية .

 و من تسلط الإخوان إلى ظلم بعض الأزواج ، فمن الأزواج من لا تنتهي طلباته من زوجته المنهكة من أعمال البيت ، و حتى كوب الماء يطلب من زوجته أن تحضره له ، أما هو فيجلس مستريحا ، و لست أدري ، هل مساعدة الرجل زوجته في شأن من شؤون البيت ، أو خدمته لنفسه ، ينقص من رجولته ؟ لقد كان عليه الصلاة و السلام يخصف نعله ، و يرقع ثوبه ، و يكون في مهنة أهله ، و قد سئلت أمنا عائشة – رضي الله عنها - : ما كان رسول الله – صلى الله عليه و سلم –يعمل في بيته ؟ قالت : كان بشرا من البشر ، يفلي ثوبه ، و يحلب شاته ، و يخدم نفسه . فهل أنت أيها الزوج أفضل من رسول الله ؟ أم ترى منزلتك أعلى عند الله ؟! .

 أيها الزوج المسلم ، إن كل ما تقدمه لزوجتك هو لك صدقة ، و حتى اللقمة التي تضعها في فم زوجتك هي لك صدقة ، فاتقي الله في زوجتك ، و ارفق بها ، و أحسن إليها ، فزوجتك لن تطلب منك أن تكنس أو أن تطبخ ، و لكنك إن فعلت هذا إكراما لها ، فستكرمك بدل المرة ألف مرة ، و ستشعر بامتنان كبير لك ، إنها لا تريد منك إلا الكلمة الطيبة ، و المعاملة الحانية ، و أن ترفق بها ، هي لا تريد أكثر من ذلك ، فلا تشعرها أنها خادمة عندك ، و لا تقس عليها ، بل تلطف معها ، و ضاحكها ، و داعبها ، و لك في رسول الله أسوة حسنة ، فقد كان عليه الصلاة و السلام سهلا ، هينا ، لين العريكة ، و كان يداعب زوجاته – رضي الله عنهن - ، و قد سابق أمنا عائشة – رضي الله عنها – مرتين ، و كانت آخر وصاياه عند وفاته :" الله الله في النساء ، فإنهن عوان لكم ، أخذتموهن بأمانة الله ، و استحللتم فروجهن بكلمة الله " .

 فاتقوا الله أيها الرجال في النساء ، و ارفعوا الظلم عنهن ، آباء كنتم أم إخوة أم أزواجا ، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة .