من ادعى ما ليس فيه كذّبته شهود الحال
إبراهيم حسين أبو صعلوك /اللد
من أبشع ما يمكن للانسان ان يقوم به تجاه نفسه وتجاه غيره هو الظهور بغير حقيقته لانه مكشوف لا محالة وإن طال الزمان أو قصر لان تصرفاته ستعيده في أول غفلة منه الى حقيقته شاء أم أبى ولا فرق في ذلك بين الافراد والمجتمعات والدول ايضا.
لقد بذل سدنة اسرائيل بما في ذلك كهنتها وحاخاماتها وسياسيها خلال العقود الستة الماضية في هذا السياق قصارى جهودهم لاظهارها كدولة ذات قيم تزخر بالعدل والمساواة والحرية وقد استطاعوا اقناع الشعب الاسرائيلي خاصة ويهود العالم عامة بذلك، ثم عمدوا في سبيل المحافظة على هذه القناعة الى تنشئة روح الوطنية، وحب المشروع الصهيوني، والتشبث بأرض الميعاد، لدى الشعب اليهودي لا سيما شريحة الشباب منه.
ولتحقيق ذلك دأب هؤلاء على خلق ما يسمى بالتربية العبرية التي رأى فيها بن غوريون أنها الضمان لمستقبل الحركة الصهيونية حيث صادقت الكنيست عام 1977 تبعا لذلك على ادخال موضوع الوعي اليهودي في جميع مستويات التعليم ومن ثم نشر هذا الوعي عن طريق ارسال البعثات الى الجاليات اليهودية في ارجاء العالم لاطلاع أفرادها على محاسن اسرائيل كدولة ينعم مواطنيها بالحرية والمساواة وقد استغلت في سبيل ذلك جميع الاساليب ومن ضمنها تشويه صورة الاخر ومحو وجوده وأثاره تماما فلا تكاد تجد في منهاج التربية العبرية اسم جبل عربي ناهيك عن أسماء القرى العربية المهجرة بينما تجد على اللافتات المثبتة على جوانب الشوارع اسماء الاماكن القائمة بالرسم العربي وباللفظ العبري، وهكذا تم استقطاب القادمين الجدد من شتى ارجاء المعمورة للوصول الى ارض الميعاد للتمتع بالأمن والأمان والنهل من منابع التربية العبرية ولكن على ما يبدو أن من قال " إن المية بتكذب الغطاس" قد صدق فما لبث القادمين الجدد ان وصلوا الى اسرائيل حتى وجودوا غير الذي وعدوا به وغير ما استهووا اسرائيل لاجله من أمن وأمان وعيش رغد وامكانيات للنهل من ينابيع التربية اليهودية مما حدا بهؤلاء السدنة الى ترهيب هؤلاء القادمين الجدد عن طريق الايحاء لهم بأن العرب بشكل عام وعرب الداخل بشكل خاص يتربصون بهم الدوائر وأخذوا بوصف عرب الداخل خاصة تارة بالقنبلة الموقوته واخرى بالخطر الديمغرافي على اسرائيل لذا نرى ما نراه اليوم من ملاحقة سياسية لقادة الجماهير العربية.
لقد غرق المجتمع الاسرائيلي في هذه الاكاذيب والترهات الى درجة الثمالة والادمان فأصبح لا يرى سواها وانتقلت عدوى الثمالة والادمان إلى من أطلقها من هؤلاء السدنة فصدقوها الى حد أنهم لم يعودوا يشعروا بما يجري حولهم داخل المجتمع الاسرائيلي نفسه.
فتحولت اسرائيل خلال السنوات الاخيرة في نظر الكثير من اليهود أنفسهم الى مجرد مصلحة اقتصادية لتحقيق المكاسب الاقتصادية فقط لا يلبث الكثيرين منهم أن يتركوها حال أتت هذه المصلحة أكلها أو لم تؤتيه في هجرة عكسية الى أوطانهم الاصلية والى الولايات المتحدة واوروبا ومن هنا لم يكن تمسك الكثيرين من اليهود بجوازات سفرهم التابعة لوطنهم الام عبثا ومما يؤكد ذلك ويؤكد فشل التربية العبرية تزايد اعداد الشبان اليهود الذين يتهربون من الخدمة العسكرية سواء الالزامية او الاحتياطية وانخفاض نسبة المواطنين الاسرائيليين الذي رفعوا اعلام اسرائيل على سياراتهم وبيوتهم أثناء احتفال اسرائيل بيوم استقلالها الثاني والستين ليس هذا فحسب بل تحطم اسطورة الحرية والمساوة ليس لان الاقليات التي تعيش في اسرائيل قد اثبتت زيف هذا الادعاء بل لان المجتمع الاسرائيلي فضح هذه الاسطورة المختلقة اصلا فها هم أولياء طالبات يهوديات من اليهود الغربيين " الاشكناز" يرفضون السماح لبناتهم بالدراسة الى جانب بنات اليهود الشرقيين " الاسفارديم" في مدرسة دينية في مستوطنة عمونيئل وها هم الفلاشا يكررون مظاهراتهم في بئر السبع استمرارا لما حدث قبل سنوات في بيتاح تكفا احتجاجا على عدم قبول اليهود تعليم اولادهم الى جانب اولاد الفلاشا على ما يبدو بسبب لون بشرتهم ولا غرابة في ذلك ما دام قاضي محكمة العدل العليا ادموند ليفي يوضح من خلال اقتراحه لتسوية الخلاف في مدرسة عمونيئل بأن تتضمن معايير القبول للمدرسة فقرة تقول "أن لا يعني لون البشرة شيئا". فان كانت المعايير هي اللون والجنس والعرق فلا غرابه في تفشي التدهور الاخلاقي بين اوساط المجتمع الاسرائيلي على مختلف شرائحه ولا غرابة في حدوث ذلك ليس لان هذه المساواة لم تكن موجودة اصلا بل لانها حتى ان وجدت فوجودها مصطنعا ليس الا. وكيف لها ان تتحقق دون ان تكون لها ارضية يمكنها ان تنبت فيها، فارضية المساواة الخصبة هي النزاهة والعفة والنظر الى الاخر على اختلاف لونه وعرقة ودينه نظرة الانسان للانسان. ولما كان هؤلاء السدنة قد تجردوا من هذه الصفات بدليل أنه لا يكاد يمر يوما الا وطالعتنا الاخبار بخبر اختلاس أو فساد بين أوساط هؤلاء السدنة دون فرق بين رجل دين ورجل سياسة لان مرد ذلك كله يعود لافتقار هؤلاء السدنه الى مقومات المساواة لان تصرفاتهم تدل على ذلك وبالتالي انطبق عليهم القول من ادعى ما ليس فيه كذبته شهود الحال.