قضايا الإصلاح في فكر العلامة عبد الحميد بن باديس

قضايا الإصلاح في فكر العلامة

عبد الحميد بن باديس

ملتقى بالجزائر، 18 -19 أبريل 2010 م

د. مولود عويمر

[email protected]

أستاذ بجامعة الجزائر

بمناسبة الذكرى السبعين لوفاة رائد النهضة الجزائرية الحديثة الإمام عبد الحميد بن باديس، المصادف 16 أبريل 2010، نظمت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ملتقى حول " قضايا الإصلاح في فكر العلامة عبد الحميد بن باديس " يومي الأحد والاثنين 02 و03  جمادى الأولى 1431هـ الموافق لـ 18 -19 أبريل 2010 م  بدار الإمام بالجزائر العاصمة، بحضور الشخصيات العلمية والثقافية والسياسية من شتى أنحاء الوطن.

 وبعد تلاوة آيات بينات من القرآن الكريم، والاستماع للنشيد الوطني ونشيد شعب الجزائر مسلم، انطلقت أشغال الملتقى.

إبن باديس الشخص

 ترأس الجلسة الأولى الدكتور مولود عويمر أستاذ بجامعة الجزائر وعضو جمعية العلماء (مكلف بالتراث والبحث العلمي). كانت المحاضرة الافتتاحية للدكتور سعيد شيبان وزير الشؤون الدينية والأوقاف السابق. فقدم شهادة حية لمعاصر عن مدرسة ابن باديس. وتناول الكلمة بعده الأستاذ محمد الهادي الحسني أستاذ بكلية العلوم الإسلامية للحديث عن حياة إبن باديس ومعاناته في سبيل الدين والوطن. وكانت المحاضرة الأخيرة للدكتور لزهر بديدة أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة بوزريعة، الذي قدم معالم كبرى عن عصر إبن باديس. ومثل ذلك  العصر مرحلة اليقظة في تاريخ الفكر والثقافة في الجزائر، ظهرت فيه الصحافة العربية، وتأسست خلاله الحركات السياسية والجمعيات الدينية والثقافية.

معالم في المنهج

وبعد صلاة الظهر، استأنفت الجلسة الثانية برئاسة الدكتور زين الدين قاسمي مدير المعهد الوطني للقراءات. قدم الورقة الأولى الدكتور عمار طالبي نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الذي حلل منهج إبن باديس في تفسير القرآن الكريم. وأكد على أن إبن باديس فسر كل القرآن وتأسف المحاضر عن ضياع الجزء الأكبر منه. فلم ينشر منه إلا جزء قليل. وحرص إبن باديس في تفسيره على شرح المعاني و استلهام العبر والدروس وتوظيف قيمه في إصلاح المجتمع.

شرحت بعده الدكتورة عقيلة حسين أستاذة الدراسات الإسلامية بجامعة الجزائر منهج إبن باديس في دراسة السنة النبوية. فقد تنوعت جهود ابن باديس في العناية بالسنة،حيث ألم بالحديث تأليفا ودراسة وتعليما ونشرا في الصحافة.وكان علمه بالسنة ليس علما ثانويا بل تخصصيا ،ويدل على ذلك ما نشر ووصلنا من مكتوب، فهو ألف في مصطلح الحديث، وشرح موطأ  الإمام مالك ودرسه، وأنشأ صحيفة تحمل اسم السنة النبوية، وألف كتابا في العقيدة على طريقة مدرسة الأثر معتمدا على الآيات والأحاديث. كما شملت آثار ابن باديس تراجم لصحابة وصحابيات وأعلاما من السلف الصالح.

وركز الدكتور سعيد رحماني أستاذ بكلية العلوم الإسلامية في محاضرته على دراسة إبن باديس لمقاصد الشريعة مبينا  كيف سلك إبن باديس المنهج النقدي كطريق للاجتهاد واستنباط الأحكام، وإبراز الكليات وتثمين قيمة الحرية.

رسالة الصحافة في دعوة إبن باديس  

تعرض المحور الثالث لإسهامات إبن باديس في الصحافة. ترأس الجلسة الدكتور عبد المجيد بيرم السكرتير العام لجمعية العلماء. وقدمت محاضرتان. تحدث الأستاذ محمد العلمي السائحي، عضو جمعية العلماء (مكلف بالإعلام) عن توظيف إبن باديس للنشاط الإعلامي لجمعية العلماء بشكل فعال. وتكلم بعده الأستاذ سعيد بودينة الباحث في تاريخ الحركة الإصلاحية الجزائرية عن مجلة "الشهاب" (1925-1939) ورسالتها في دعوة إبن باديس.

الإصلاح التربوي والاجتماعي

استهل الملتقى جلسته الصباحية بثلاث محاضرات تناولت جهود ابن باديس الإصلاحية في مجالات التربية والمجتمع. وقد ترأس هذه الجلسة الدكتور فريد زيدان، أستاذ الفلسفة بجامعة الجزائر. تكلمت أولا الدكتورة أمينة بشي أستاذة الأدب العربي بجامعة الجزائر عن حقوق المرأة في كتابات إبن باديس وعلى رأسها حق التعليم في مختلف مراحله شرط أن يكون ذلك في دائرة الدين والأخلاق والأعراف. وقد فتح إبن باديس مدرسة لتعليم البنات في عام 1930  وضمت في شهورها الأولى 80 فتاة يدرسن مجانا تشجيعا لهن على الإقبال على الدراسة والمواظبة عليها. ورسمت بعد ذلك الأستاذة عفاف زقور أستاذة التاريخ بجامعة بوزريعة صورة المرأة  في فكر إبن باديس. وتحدث أخيرا الدكتور عبد القادر فضيل عضو جمعية العلماء (مكلف بالتربية) عن الإصلاح التربوي عند إبن باديس الذي قام على ثلاثة فضاءات: المسجد، المدرسة والمجتمع.

السياسة في فكر إبن باديس

ترأس الجلسة التالية الدكتور محفوظ سماتي، أستاذ علم الاجتماع  بجامعة الجزائر، وعضو المجلس الإسلامي الأعلى. تحدث الدكتور محمد القورصو أستاذة التاريخ بنفس الجامعة عن الفكر السياسي عند إبن باديس تنظيرا وتنزيلا مركزا على كتاباته السياسية ومشاركته في المؤتمر الإسلامي في عام 1936. أما الأستاذ محمد دراوي أستاذ بجامعة خميس مليانة فقد قارن بين مواقف إبن باديس ومحمد رشيد رضا من مسألة إلغاء الخلافة على يد كمال أتاتورك في عام 1924.

إبن باديس والفكر الإسلامي المعاصر

رصدت الجلسة السادسة والأخيرة مكانة إبن باديس  في الفكر الإسلامي المعاصر. وقد ترأسها الدكتور أحمد وارث، أستاذ الفلسفة بجامعة بوزريعة. تحدثت الدكتورة شافية صديق أستاذة الفكر الإسلامي بكلية العلوم الإسلامية عن  صلة إبن باديس بحركات الإصلاح المعاصرة تأثرا وتأثيرا. وقدم  بعدها الدكتور مولود عويمر (منسق الملتقى)  محاضرة بعنوان: "ماذا قدم إبن باديس للفكر الإسلامي المعاصر؟"، تطرق من خلالها لأهم إسهاماته الفكرية ثم بيّن دوره في حركة الإصلاح والتجديد المعاصرة، وأكد في الأخير على حاجتنا اليوم إلى الاستلهام من تجارب الحركات الإصلاحية التي ظهرت في النصف الأول من القرن العشرين.

تكريم الباحث الأستاذ الدكتور رابح تركي

وبمناسبة هذا الملتقى تم تكريم العالم البحاثة الدكتور رابح تركي، وسلمت له شهادة تقديرية تقديرا لإنتاجه العلمي الرصين وعرفانا لإسهاماته المتعددة في إحياء تراث الحركة الإصلاحية الجزائرية .

والأستاذ الدكتور رابح تركي من مواليد مدينة سطيف (شرق الجزائر) في 15 سبتمبر 1932. درس في الجزائر، ثم سافر إلى تونس أين تحصل على شهادة التحصيل من جامع الزيتونة في عام 1951. ثم سافر إلى مصر لمواصلة دراساته العليا. فتحصل على شهادة دكتوراه في علوم التربية  من جامعة المنصورة عام  1973.

عمل الدكتور رابح تركي أستاذا لعلوم  التربية بجامعة الجزائر من عام 1965 إلى غاية سنة 1990. صدرت له عدة كتب من أهمها: الشيخ عبد الحميد بن باديس فلسفته وجهوده في التربية والتعليم، الشيخ عبد الحميد بن باديس باعث النهضة الإسلامية في الجزائر، التعليم القومي والشخصية الجزائرية، جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التاريخية (1931-1956)..الخ.

توصيات

وفي نهاية الملتقى، تليت التوصيات التي خرج بها المؤتمرون، وهي :

دعوة الجهات المعنية بشؤون التربية والتكوين إلى استلهام المنهج الباديسي في بناء المناهج الدراسية .

دعوة الهيئات المعنية إلى تنسيق الجهود بينهما وبين جمعية العلماء لتوحيد الرؤى والمقاصد والتصورات في المجال الاجتماعي.

اقتراح إنشاء جائزة وطنية علمية باسم العلامة ابن باديس تقدم بمناسبة يوم العلم وتكون تحت الرعاية السامية لفخامة رئيس الجمهورية.

الدعوة إلى عقد ملتقى وطني ودولي  تحت الرعاية السامية لفخامة رئيس الجمهورية ، يبحث في مآثر وأعمال الحركة الإصلاحية.

الحرص على تشجيع البحوث في تراث جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ونشر أعمالها وطبعها وتوزيعها.

تدعيم جمعية العلماء المسلمين ماديا ومعنويا بتمكينها من أداء رسالتها الحضارية والتكفل بمشاغلها.

وبعد تلاوة هذه التوصيات والمصادقة عليها من طرف المشاركين، وزعت الشهادات والهدايا على الأساتذة المحاضرين ورؤساء الجلسات.