قردة الشمبانزي تتعاطف مع صغار الشمبانزي الأيتام
فهل نودعها أيتامنا؟؟
الشيخ خالد مهنا
رئيس الدائرة الإعلامية في الحركة الإسلامية (فلسطين المحتلة)
في دراسة فريدة من نوعها وبحث دقيق متعمق (ذكر فريق من الباحثين الألمان أن قردة الشمبانزي التي تعيش في غابات غرب إفريقيا تتعاطف مع صغار الشمبانزي الأيتام وتتبناها، الأمر الذي يُظهر جلياً مشاعر الإيثار وحب الغير. وكان قد افترض في الأعوام الأخيرة أن إظهار مشاعر الإيثار القوية تجاه أعضاء غرباء لا ينتمون إلى المجموعة هي سمة تنفرد بها المجتمعات البشرية، وهو الافتراض الذي دعمته دراسات تجريبية أجريت على قردة شمبانزي تعيش في الأسر. غير أن فريقاً من الباحثين بقسم علم الرئيسيات في معهد ماكس بلانك لعلوم الإنسان والتطور بمدينة لايبزغ الألمانية كشف حالياً عن 18 حالة قامت فيها مجموعة من قردة الشمبانزي في حديقة «تاي» الوطنية في غرب إفريقيا بتبني صغار أيتام من تلك القردة، حيث تبنت قردة ذكور نصف هؤلاء الأيتام، فيما لوحظ أن واحداً فقط من هؤلاء الذكور هو أب لأحد الصغار. ويستمر هذا التبني من جانب القرد البالغ أعواماً، ويتضمن رعاية شاملة للشمبانزي اليتيم.
وتشير هذه الملاحظات إلى أنه في ظل الظروف البيئية الاجتماعية الملائمة، تقوم حيوانات الشمبانزي برعاية قردة غرباء من غير مجموعاتها، وأن مشاعر الإيثار وحب الغير أكثر انتشاراً بين الحيوانات التي تعيش في البرية، مما أظهرته الدراسات التي أجريت على القردة التي تعيش في الأسر. وكتب العلماء في الموقع الإلكتروني لمجلة «بلوس وان» العلمية أن «تبني أيتام من جانب ذكور بالغين شكل إسهاماً مهماً يعود بالنفع على الصغار، حيث شوهد الذكور - على الأقل - وهم يتقاسمون معهم الطعام ويعملون على خدمتهم ودعمهم أثناء الصراعات الاجتماعية». ونضج اثنان من صغار القردة اللذين تبناهما الذكر المسيطر في مجموعة من قردة الشمبانزي بعد تبنيهما، من دون أن يبدو عليهما تأخر في النمو الجسماني الذي يظهر عادة على القردة اليتيمة. وقال الباحثون إنه لذلك فإن تلك القردة تنتفع كثيراً من هذا الإسهام.
ولوحظ أن كل الذكور البالغين من مجموعة أخرى تبنوا أيتاماً صغاراً قد خطوا خطوة إضافية للأمام من خلال مساعدة الصغار الرضع وحملهم أثناء التنقل أشهراً عدة. ونظراً لأن قردة شمبانزي متنزه «تاي» الوطني تسير ما يقرب من ثمانية كيلومترات يومياً في المتوسط، فإن ذلك يمثل إسهاماً كبيراً يعود بالنفع على الصغار. كما شوهد بعض الذكور وهم يتقاسمون قردة الشمبانزي الصغار في مآويهم ليلاً.
وكتب العلماء الألمان أن «فريدي»، الذكر الثالث في مجموعة «ايست غروب» تبنى فيكتور ابن فانيسا، التي توفيت إثر إصابتها بالجمرة الخبيثة ديسمبر ،2008 وتقاسم معه مأواه كل ليلة، وحمله على ظهره في كل الرحلات الطويلة، وتقاسم معه جوز الكولا الذي كسره، من ديسمبر 2008 إلى يوليو .2009 واختتم الباحثون قولهم بـ «إن تبني الذكور البالغين للأيتام، الذين غالباً ما يكونون من غير ذريتهم، يظهر بوضوح أن قردة الشمبانزي رقيقة الشعور تميل إلى رعاية قردة غرباء لا تنتمي إلى مجموعاتها)
شعور مقزز من نفسي انتابني وأنا أقرأ هذا الخبر،فساءلتها بقسوة ترى لو أننا تعلمنا من قردة الشمبانزي درس كفالة الأيتام وإيوائهم والحنو عليهم،فهل يبقى يتيم واحد يقاسي ألم الحرمان وقسوة العيش؟ ولم نسمح لأنفسنا وقد كرمّ الله الإنسان على سائر المخلوقات أن تسبقنا قردة الشمبانزي نزي بهذا المعنى وهو جزء من تكريم الله لنا؟
أهو الحرص؟أهو البخل؟ا‘و القبض؟ أهو إنعدام الرحمة؟
ماذا سنحمِلُ معنا إلى قُبورِنا من خَيْراتِ هذه الأرضِ؟ لا شيءَ ممّا نتوهّم أنّا كنّا امْتلكنا في هذه الدنيا من باب الحلالِ أو من بابِ المُحَلَّلِ. سنترُكُ وراءَنا كلّ الأشياءِ اللذيذةِ، نتركُ صلصالَ الصَّبايا الشَّمْعِيَّ يُضيءُ أرواحًا خلفَنا "لن تبكي علينا واحدةٌ منهنّ أبدًا حتى من بابِ المُجاملةِ"، ونتركُ الأشعارَ التي قرأنا وتلكَ الأقمارَ التي سرقنا في ليالي الصيفِ، ونترك الكراسيَ "وكلّنا يقينٌ في كونها لن تظلّ شاغرةً ولو لدقيقةٍ واحدةٍ بعدَنا"، ونترك الأموالَ البيضاءَ والسوداءَ وكيمياءَ الخياناتِ الجميلةِ التي سيغفِرُها لنا اللهُ برحمتِه، وسنترك الأصحابَ ونترك الأحزابَ وسيلَ أنباءِ الفضائياتِ وفضائِياتِ الغِناءِ ونترك الدُّعاةَ والهُداةَ والسُّعاةَ والدُّهاةَ، ونترك الأيّامَ خلفَنا ومعها الأحلامَ ونترك السجائرَ والماءَ والنِّساءَ، لن نحملَ معنا، بل لن يحملوا في نَعْشِنا، سوى قُماشةٍ بيضاء وبعضِ الدُّعاءِ لنا بالنجاةِ من النّارِ وندمٍ خفيٍّ فينا وحسرةٍ على عدمِ تمكينِ الآخرين لنا من حقِّنا في الحياةِ. أنا مثلاً سأتركُ جنّات تَرْمي قوسَ ضحكتِها هِلاَلاً له ظِلالٌ وألوانُ قُزَح، وتَغْضَبُ من غِيابي وتتحسَّسُ كِذْبَاتي الصغيراتِ!
ما أجمل أن نمسح دموعهم كل دقيقة
ولقد كانت شريحة واسعة من الأطفال على امتداد الساحة العربية قبل إسبوعين على موعد مع ذكرى اليوم العربي لليتيم الذي يصادف أول جمعة من شهر إبريل من كل عام.
جميل أن يهتم العرب بأيتامهم وخاصة من فئة الأطفال والمشردين وأن يخصصوا لهم يوماً للاحتفاء بهم وللتأكيد على وقوف الجميع إلى جوارهم خاصة بعد أن افتقدوا للحنان وحب الأسرة، لكن الأجمل والأولى أن تكون صلتنا بالأيتام في محنهم دائمة مستمرة وأن نتذكرهم طوال العام على مدار الساعة، لا أن نخصص لهم يوماً في العام لنتذكرهم فيه ونستمع لمآسيهم وأحزانهم وأوجاعهم ،فالواجب أن نظل إلى جوارهم نأخذ بأيديهم ونساعد على تربيتهم وإعدادهم فكرياً وعلمياً وثقافياً واجتماعياً ودينياً وأن نقتطع ولو القليل من وقتنا ومالنا لمساعدة الأيتام ليعيشوا حياتهم وينعموا بطفولتهم.
يعتقد غالبية الأيتام أن حظهم في الدنيا عاثر بحكم المآسي والمعاناة والآلام التي يتكبدها الكثير منهم بفعل قساوة الزمن وإهمال المجتمع والجهات المعنية، ومع ذلك فالقلة القليلة هي من يبتسم لها الحظ ويعود إليها الأمل في الحياة الكريمة وتعود لها طفولتها البريئة وتحلم بالأمان والحنان والتعلم....
السواد الأعظم من أيتامنا وخاصة الأطفال المشردين ربما لم يسمعوا عن شيء اسمه يوم اليتيم العربي ومن سمع عنه فهو غير مهتم أو معني بالطريقة التي سيحييه فيها ، فمنهم من تمر عليه الأعياد والمناسبات مرور الكرام دون أن يلتفت أحد إليه أو يمسح دمعته ،فكيف له أن يحتفل بيوم عابر في السنة، لا يهمه كيف يقضيه وأين يحتفل به في الحدائق والمتنزهات أو في الشوارع والأرصفة في اللعب واللهو والمرح أو في الشقاء والعناء والتعب.
المحظوظون من أيتام بعض الدول العربية وإن كانوا قلة ممن أحيوا يومهم بعد أن سخّر الله لهم قلوباً رحيمة وأيادي بيضاء رائدة وسباقة تسهر على رعايتهم وإيواء الأيتام والمشردين واحتفلوا به على طريقتهم في الحدائق والمتنزهات واللعب والمرح، ومنظمات مجتمع مدني سخّرت نفسها لخدمتهم ورعايتهم وعملت على توفير كل الأدوات التي من شأنها إدخال البهجة والسرور إلى قلوب الأطفال، وحرصت على أن يعيش الأيتام في جو عائلي بعد أن قدمت لهم أفضل الخدمات من إيواء وتعليم في أفضل المدارس ورعاية صحية على أعلى المستويات، لكن ما يحز في النفس أن يحتفل الأيتام وفي القلب جرح وأيتام وأطفال غزة المحاصرة وفلسطين المحتلة في وضع مأساوي فأحزانهم تزداد كل يوم بفعل الحصار الظالم والأيتام في تصاعد بحكم الجرائم الوحشية التي يرتكبها العدو الصهيوني وحالة الحرب والدمار المعلنة ضد شعبنا في فلسطين الحبيبة وخاصة في غزة،نسأل الله أن يفك محنتهم ويرحم شهداءهم ويحفظ أيتامهم وأطفالهم.
هل ستترك القرود أطفالها في مهاب الريح؟
شيء جميل أن يلتفت عالمنا العربي إلى أطفالنا الأيتام في اليوم العربي لليتيم كي نقضي على ظاهرة "أطفال في مهب الريح" ولكن لم لا يكون لمجتمعنا العربي كل أيام السنة متأهباً للقضاء على ظاهرة لا تقل خطورة على أطفالنا وهي ظاهرة المتاجرة بهم بوسائل ممجوجة وفي كل يوم يستقبل الشارع عضواً جديداً من الأطفال لينضم إلى العشرات من أقرانه الذين سبقوه مجبرين إلى شارع الضياع؛ تدفعهم قسوة الحياة وشغف العيش وتنصل الأسر عن القيام بدورها تجاه أطفالها إما لتفككها وإما لعدم قدرتها على توفير المتطلبات الأساسية لهم من مأكل وملبس ومسكن آمن؛ بالإضافة إلى المتطلبات الأخرى من تعليم وصحة وغير ذلك.
أسباب كثيرة يراها الطفل مبرراً لتركه المدرسة وحياة الطفولة والتحاقه بالشارع للبحث عن لقمة عيش يسد بها رمقه ويساعد أسرته التي هي أيضاً بحاجة لمن يوفر لها لقمة العيش ويعينها على مواجهة أعباء الحياة حتى ولو كان طفلها أو طفلتها الذين أجبروا على تحمل مسئولية إعالة أسرهم بدلاً من إعالة أسرهم لهم التي لا تدرك المخاطر التي قد يتعرضون لها وما يمكن أن يصبحوا عليه حين يكون الشارع مدرستهم وموجههم.
وهل سيكتفون بما يحصلون عليه من عملية التسول أو بيع أدوات بسيطة لا يحصلون منها على المال الكثير، أم سيبحثون عن طرق ووسائل أخرى للكسب، وسيجدون من يدلّهم على هذا الطريق فيكون الانحراف والجريمة النهاية المرتقبة لهؤلاء، ويصبح سجن الأحداث أولاً، والسجن المركزي ثانياً المأوى الدائم لهم؟!.
والغريب ألا أحد يدرك خطورة هذه الظاهرة على المجتمع، وليس هناك من يلتفت لهذه المشكلة المتفاقمة، لا من الجهات الرسمية ولا من الجهات غير الرسمية لأخذها على محمل الجد ووضع حلول عملية لها.
رغم الحديث المتواصل عن برامج لتأهيل ورعاية أطفال الشوارع وتفعيل القوانين الخاصة بحقوق الطفل ومكافحة عمالة الأطفال والتسول وقانون حماية الطفل من الاستغلال والاضطهاد والعنف .. والحديث أيضاً عن انشاء العديد من الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني ودور الإيواء وبرامج التثقيف إلا أن الدور لايزال محصوراً والأثر محدوداً للغاية.
فلا يكفي أبداً إقامة الورش والندوات والمؤتمرات لمعالجة المشكلة، وطرح التوصيات والحلول التي لا تجد طريقها إلى التنفيذ وتبقى مجرد حبر على ورق ليس إلا.. في ذات الوقت الذي تنشط فيه عمليات تهريب الأطفال من الجنسين إلى خارج الحدود عبر عصابات منظمة امتهنت هذه التجارة لتحقيق أرباح ومكاسب في ظل عدم وجود قانون يعاقب هؤلاء المهربين الذين يعملون على تهريب الأطفال إما بالاتفاق مع الأسر تحت مبرر توفير عمل لهم في دول الجوار؛ وإما عن طريق التغرير بالأطفال وخطفهم.
عشرات الأطفال من الجنسين يتم إلقاء القبض عليهم وإحباط محاولة تهريبهم عبر منفذ حرض الحدودي، وحكايات هؤلاء الأطفال تفطر القلب، وتكشف مدى رخص مجرد سلعة للإتجار بها، ويتعرض لأبشع أنواع الاستغلال دون أية مراعاة لإنسانيته المغتصبة وكرامته المهدرة.
في الوقت الذي يغض الجميع الطرف عن معاناتهم ومآسيهم ولا يعيرون هذه الظاهرة أدنى اهتمام رغم تزايد أعداد الذين يقعون ضحايا الخطف والتهريب والاستغلال، لا يكاد يمر أسبوع دون أن نرى صوراً وإعلانات عن أطفال وفتيات فقدوا، ونعتبر ذلك أمراً عادياً، ونحمّل الأسرة مسئولية التقصير وعدم اهتمامها بأطفالها، دون أن نكلف أنفسنا عناء السؤال عن الأسباب التي تقف وراء تزايد ظاهرة اختفاء الأطفال بهذا الشكل، وهل هم تاهوا فعلاً بمحض إرادتهم وإهمال أسرهم، أم أن هناك أيادي تعمل بالخفاء هي وراء اختفاء الأطفال..
مجرد سؤال نطرحه أمام الجهات المعنية المسئولة عن حماية أطفالنا ووقف نزيفهم إلى خارج الحدود.
وإذ أثمن غالياً جهود فريق البحث الألماني الذي بذل جهوداً جبارة حتى وصل الي نتائجه المذهلة في عالم قرود الشمبانزي فإني على يقين أنه لو بذلوا نفس الجهد لتوصلوا إلى قناعة أن هذه القرود ستتفوق بمحدودية كفاءتها على الإنسان في مكافحتها وإيوائها لقرود الشوارع وما سمحت لهذه الظاهرة أن تتفشى في عالمها لأن معظم النار من مستصغر الشرر، ومعظم الانحرافات تبدأ صغيرة ثم تكبر شيئاً فشيئاً حتى يستعصى معها العلاج هي لا تحقرن في عالمها المتميز صغيرة لأن الجبال من الحصى.