التوازن والوسطية في الولاء والبراء
بحث
والتعامل مع غير المسلم
طريف السيد عيسى
السويد – أوربرو
مقدمة
يعتبر الولاء والبراء سياجا يحفظ هوية الأمة وثقافتها , ويحفظها من الذوبان والضياع .
إن تثبيت الولاء والبراء لدى المؤمنين له آثاراً إيجابية على المسلمين, لأن ذلك يشكل درعاً واقياً ضد حملات التغريب والغزو الفكري , وحملات تذويب المسلمين في القيم الثقافية الغربية، والتي دهمت المسلمين في بيوتهم عبر وسائل الإعلام المختلفة, كما أن في بيان معايير الإسلام العادلة في التعامل مع غير المسلمين, والإفادة من المنجز الإنساني المشترك, دوراً مهماً في إيجاد منهج إسلامي رشيد يتعاطى مع كافة القضايا والأحداث، لا سيما وأن مبدأ الاحتكاك مع غير المسلمين لم يعد في إمكاننا دفعه أو منعه في عالم حوّلت فيها التقنية الحديثة بمخرجاتها كافة هذا العالم إلى قرية واحدة.
ورغم أهمية ومكانة الولاء والبراء إلا أن المسلم يقف مع نفسه أحياناً محتاراً، ومتسائلاً عن هذا الغلو والتشدد في التعاطي مع قضية الولاء والبراء , ويقول في نفسه وتنطبع في مخيلته كثير من الصور والمواقف , لتلح عليه بعض الأسئلة :
من المسؤول عن هذا الغلو ؟
لماذا هذا الغلو ؟
كيف ندعي أننا نسير على نهج السلف الصالح ثم نحيد عن فهمهم للولاء والبراء ؟
البعض يتهيب الحديث في هذا الموضوع ونقده للغلو الحاصل , علما أن ديننا هو دين التوازن والوسطية والإعتدال في الأمور كلها .
فهناك من يتهرب من المشكلة ويرمي بها على الغير وهؤلاء يصدق فيهم قول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى :
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا.
وهناك من يتهرب من خلال السكوت والصمت وعدم مواجهة الواقع , وبقدر الصمت والسكوت يتراكم الغلو والتشدد لكن ذاكرة التاريخ تشهد عليهم , وذاكرة الزمان لاتنسى صمتهم .
قف يا زمان ولا تعجب فليس بما يقال لك ما يدعو إلى العجب.
إذا قررنا أن الصمت والسكوت , والتغافل والنسيان والتجاهل هما الأفضل , وهما الحل , فإن من حولنا لايسكتون ويرصدون كل كلمة وموقف , وعندما نكون في حالة نوم ورقاد فهم في حالة استعداد لمواجهتنا بأخطاء بعض أبناء
ديننا , وفي النتيجة فجميعنا سندفع الثمن الباهظ .
إن الفجر سيلاحقنا بضوئه، ولطالما أن القضية هي مهمة كل مسلم غيور على دينه , فقررت الحديث عن هذا الأمر والآهات تلاحقني من كل صوب .
لكنما هي آهات أرددها أواه لو تنفع المحزون أهات.
متخذا قوله تعالى قاعدة أنطلق منها :( وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) الأعراف - 164
لقد قامت السموات والأرض على مبدأ الميزان والعدل، فأحكم بناء الكون بهما, يقول الله تعالى :
( وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ).الرحمن7-9
( اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ).الشورى – 17.
لاينكر مسلم موحد أهمية الولاء والبراء ومكانتهما في الإسلام , ونصوص القرآن والسنة تؤكد على أركان الإيمان التي تعتبر محورية في حياة المسلم , ومما لاشك فيه أن موالاة المؤمنين ومحبتهم ونصرتهم وتأييدهم , والبراءة من من الكفر والكافرين , من أوثق عرى الإيمان .
( فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أوثق عرى الإيمان الحب في الله , والبغض في الله
ورغم أهمية الولاء والبراء , لكن هناك من تشدد وتطرف وتعنت في التعاطي مع قضيتي الولاء والبراء , حتى جعل من أبسط الأمور الخلافية محلا لتطبيق الولاء والبراء مع من يختلف معه .
مايهمني الحديث عنه هو الأمور والقضايا التي لاتعتبر نقضا للولاء والبراء , حتى لاتبقى سيفا مسلطا على رقاب المؤمنين من قبل بعض الرؤوس الجهال .
أولا – تعريف العقيدة , والولاء والبراء :
وردت عدة تعريفات للعقيدة , لكنها جميعا تؤدي لمفهوم واحد بالنتيجة , ويمكن تعريف العقيدة على أنها :
1- العقيدة هي: مجموعة من القضايا المسلمة بالعقل والسمع والفطرة يعقد عليها الإنسان قلبه و يثني صدره جازماً بصحتها قاطعاً بوجودها وثبوتها لا يرى خلافها أنه يصح أو يكون أبداً. وذلك كاعتقاد الإنسان بوجود خالقه وعلمه به وقدرته عليه ولقائه به وكاعتقاده بوجوب طاعته فيما بلغه من أوامره ونواهيه من طريق كتبه ورسله وكاعتقاده بغنى ربه تعالى عنه وافتقاره إليه وأنه لا حياة ولا سعادة إلا بلزوم أمره وأنه متى ابتعد عنه لحظة خاف على نفسه من الهلاك.
وكاعتقاده أنه الرب المستحق للعبادة ولا معبود سواه واعتقاده أن الرب سمّى نفسه بأسماء ووصف نفسه بصفات، هذه الأسماء والصفات ينبغي أن تثبت له على الوجه اللائق به سبحانه من غير تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل.
قال تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ )محمد - 19 .
ونلاحظ من خلال التعريف أنه لم يتم التطرق لمصطلح الولاء والبراء .
2- ومما تجدرالإشارة له هو :( وإنّ مما يستغربه الدارس أن يكون مصطلح "العقيدة" قد أخذ مكانة عالية مع أنه لم يرد في قرآن ولا سُنّة، ولم يرِد على أفواه العلماء الأجلاء من أمّتنا في القرون الأولى الخيرية أمثال: أبي حنيفة، والشافعي، ومالك، وأحمد بن حنبل وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، وإنما عرفوا مصطلحات أخرى مثل: مصطلح "الفقه الأكبر"(1) ، و"أصل الدين"(2) ، وقد تكون هذه المصطلحات أكثر إيحاءً وأقرب دلالة إلى روح الشرع الإسلامي من المصطلح السابق "العقيدة"، ومع ذلك فإنه شاع بين المسلمين وترسّخ على مدار العصور، واستمرّ نافذاً إلى العصور الحديثة.) منقول ولم أتمكن من معرفة المصدر .
وطالما أن مصطلح العقيدة أصبح متعارفا عليه وأمرا واقعا فلا يوجد ما يمنع من تداول هذا المصطلح , لكن لايجوز الإنكاروالتشنيع على من يتعامل مع المصطلح الأصلي وهو الإيمان .
3- تعريف الولاء والبراء :
- تعريف الولاء لغة : جاء في لسان العرب أن الولاية بفتح الواو وكسرها تعني النصرة: يقالهم على ولاية: أي مجتمعون في النصرة.
والولي والمولى واحد في كلام العرب، ووليك هو من كان بينك وبينه سبب يجعله يواليك وتواليه أي تحبه وتؤيده وتنصره ويفعل هذا أيضاً معك، والله ولي المؤمنين ومولاهم بهذا المعنى أي محبهم وناصرهم ومؤيدهم كما قال تعالى: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) البقرة-257.
- تعريف الولاء شرعا : إن الولاية الثابتة من كل مسلم لأخيه المسلم تشمل ما يلي: الحب، والنصرة، والتعاط والتراحم والتكافل والتعاون، وكف كل أنواع الأذى والشر عنه، وبعض هذه الأمور الإيجابية يدخل في باب الفرائض والواجبات وبعضها يدخل في باب المستحب والمندوبات.
4- تعريف البراء : قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: (برأ).. التباعد من الشيء، ومزايلته، من ذلك البرء، وهو السلامة من السقم ,وأهم ما يلاحظ هنا: أن معنى البراء على العكس والنقيض من معنى الولاء: هذا بمعنى القرب، وذاك بمعنى البعد.
وقال ابن منظور: قال ابن الأعرابي: برئ إذا تخلّص، وبرئ إذا تنزّه وتباعد، وبرئ إذا أعذر وأنذر.
والبراء شرعا :( فقد قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله : (والولاية ضد العداوة , وأصل الولاية المحبة والقرب وأصل العداوة البغض والبعد وقد قيل أن الولى سمى وليا من موالاته للطاعات اى متابعته لها والأول اصح والولى القريب فيقال هذا يلى هذا أى يقرب منه ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - [ألحقوا الفرائض بأهلها فما ابقت الفرائض فلأولى رجل ذكر- متفق عليه. أى لأقرب رجل إلى الميت) مجموع الفتاوى 160-161/11.
نلاحظ من تعريف الولاء والبراء أنهما يرتبطان بمحبة ومودة وتأييد ونصرة المسلمين , وكره الضلال والإنحراف والكفر الذي عليه غير المسلمين وعدم نصرتهم وتأييدهم , أما بعض التنزيلات الخاطئة المبنية على الوهم والجهل والتنطع فلا يعتد بها ومردودة على أصحابها وخاصة تلك التي تصدر عن جهال لايملكون الحد الأدنى من شروط التأويل والإستنباط والنظر في النصوص والمواقف .
ثانيا – خصائص وأصول الإيمان ( العقيدة ) :
1- خصائص الإيمان ( العقيدة ) :
منقول ولم أتمكن من معرفة المصدر .
هناك أقوال كثيرة لأهل العلم حول خصائص الإيمان ويمكن ذكر تلك الخصائص بالنقاط التالية :
*الاعتماد على الكتاب والسنة وإجماع السلف وأقوالهم دون الأخذ من أحد سواهم.
*هذه العقيدة تقوم على التسليم المطلق لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم لأنها غيب والغيب يقوم على التسليم والتصديق.
*هذه العقيدة موافقة للفطرة القويمة والعقل السليم لأنها تقوم على الاتباع والاقتداء والاهتداء بهدي الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم وما عليه سلف الأمة فهي تستقي من مشرب الفطرة والعقل السليم.
*اتصال سند هذه العقيدة بالرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وأئمة الهدى قولاً وعملاً وعلماً واعتقاداً.
*الوضوح والبيان.تمتاز العقيدة الإسلامية بالوضوح والبيان وخلوها من التعارض والتناقض والغموض والتعقيد وذلك لأنها مستمدة من كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم ولا ينطق عن الهوى.
*البقاء والثبات والاستقرار .هذه من أهم خصائصها فهي ثابتة طيلة هذه القرون وإلى أن تقوم الساعة محفوظة في
ألفاظها ومعانيها تتناقلها الأجيال جيل بعد جيل لم يتطرق إليها التبديل ولا التحريف ولا التلبيس ولا الزيادة
ولا النقص لأنها مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
2- أصول الإيمان (العقيدة) :
منقول ولم أتمكن من معرفة المصدر .
*الإيمان بالله وفي أسماءه وصفاته وإثبات ما أثبته تعالى لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تكييف ولا تمثيل, ونفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل
( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ الشورى-11.
*الإيمان بالملائكة الكرام إجمالاً و على التفصيل فيما صح به الدليل من أسمائهم وصفاتهم وأعمالهم.
*الإيمان بالكتب المنزلة وأن القرآن ناسخ لها وأن كل ما قبله طرأ عليه التحريف وأما القرآن فهو محفوظ بحفظ الله له ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ سورة الحجر- 9.
*الإيمان بالأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام- وأنهم أفضل ممن سواهم من البشر وأن أفضلهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
*الإيمان بانقطاع الوحي بعد محمد صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم النبيين والمرسلين.
*الإيمان باليوم الآخر وما يتقدمه من العلامات والأشراط.
*الإيمان بالقدر خيره وشره وأن الله علم كل شيء وكتبه وشاءه وقدره وخلقه فهو خالق كل شيء وفعال لما يريد.
*التصديق والإيمان بما صح به الدليل من المغيبات كالعرش والكرسي والجنة والنار ونعيم القبر وعذابه والصراط والحوض والميزان وغيرها دون تأويل أو خوض فيما لا يُعلم والوقوف عند النصوص الواردة وفهمها على ضوء فهم سلف الأمة وخيارها.
*الإيمان بشفاعة النبي وشفاعة الأنبياء والملائكة والصالحين وغيرهم يوم القيامة لمن رضي الله عنهم وأذن في الشفاعة لهم حسب ما ورد في الأدلة.
* رؤية المؤمنين لربهم في الجنة حق ومن أنكرها أو أولها فهو ضال مبتدع.
*كرامات الأولياء حق وليس كل أمر خارق للعادة كرامة بل قد يكون ذلك استدراجاً وقد يكون من تأثير الجن والشياطين والضابط والمرجع هو الكتاب والسنة وموافقتهما.
*لا يجوز صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله فهو وحده المستحق للعبادة فلا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته فمن صرف شيئاً من أنواع العبادة والاستغاثة والاستعانة والنذر والذبح والتوكل والخوف والرجاء لغير الله فقد أشرك.
*لا يعلم الغيب إلا الله وحده ويطلع الله بعض رسله على شيء من الغيب ومن ادعى علم الغيب فقد كفر.
*لا يقطع لأحد بالجنة أو النار إلا من ثبت النص بحقه.
*القرآن الكريم هو كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود وهو معجز ومحفوظ.
*الهداية والضلال بيد الله فمن هداه فبفضله ومن أضله فبعدله .
*الله خالق العباد وأفعالهم فالله خالق كل شيء والعباد فاعلون لها على الحقيقة.
*الصحابة كلهم عدول وهم أفضل هذه الأمة .
ونلاحظ أنه لم يرد ذكر الولاء والبراء لا في خصائص الإيمان ولا في أصول الإيمان , كما أننا لو تتبعنا أركان الإيمان التي وردت فيها نصوص ثابتة فلا نجد أي ذكر للولاء والبراء .
كل ذلك يجعلنا نطرح السؤال التالي من أجل العلم والمعرفة وكي يتم وضع كل شئ في مكانه الطبيعي وبعيدا عن الغلو والتنطع والإفراط والتفريط :
لماذا يصر البعض على طرح قضيتي الولاء والبراء باعتبارهما أصل من أصول الإيمان , أو ركن من أركان
العقيدة ؟
ونحن أمة الدليل والإثبات , فمن قال أن الولاء والبراء أصل من أصول الإيمان , أو ركن من أركان العقيدة , فنطلب منه الدليل بنصوص قطعية واضحة تقول أن الولاء والبراء ركن من أركان العقيدة أو أصل من اصول الإيمان , أما أقوال أهل العلم وفهمهم فنحترمها وجهدهم مشكور لاشك , لكن الدليل هو ماجاء في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , وأقوال العلماء هي فهمهم لتلك النصوص .
( يقول الإمام مالك رحمه الله تعالى : كل يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذا القبر , وأشار لقبر النبي صلى الله عليه وسلم).
(آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ). البقرة - 285.
(وفي الحديث المشهورالذي رواه مسلم حيث يحدث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال جبريل عليه السلام : فأخبرني عن الإيمان. قال :النبي صلى الله عليم وسلم: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره).
فالذي يصر على جعل الولاء والبراء أصل من أصول الإيمان فهو شخص صاحب فكر أحادي ولا علاقة له بالدليل , ومثله كمثل تلك الذبابة التي تحاول الخروج من نافذة مغلقة، وظلت الذبابة تحاول مراراً وتكراراً أن تخرج من ذلك المخرج، ظلت تحوم وتدور، تُحلق يميناً تارة ويساراً تارة أخرى ولكن بلا فائدة ولا جدوى، وفي نهاية الأمر نفذت طاقتها وماتت.
إن قضيتي الولاء والبراء معادلة سهلة ، فهي وَسطٌ وسَمْاحة ورحمة . لا يشك في هذه النتيجة مسلم ، ولا غير مسلم إذا كان منصفاً .
ثالثا – معالم التوازن والوسطية في الولاء والبراء :
1- الإسلام لا يُجبر أحدٌ من غير المسلمين على الدخول في الإسلام . : (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) البقرة - 256.
2- لغير المسلم الحق في التنقل والسكن في بلاد المسلمين ضمن الشروط والضوابط التي تضعها الدول في ذلك المجال , ويستثنى بعض المناطق المنهي عن تنقلهم وسكنهم فيها .
3- حفظ العهد الذي بين المسلمين وغيرهم ، إذا وَفَّوْا هُمْ بعهدهم وذمّتهم .
(إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) التوبة - 4.
(وعن أبي رافع رضي الله عنه (وكان قبطيًّا) ، قال : بعثتني قريشٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أُلقيَ في قلبي الإسلام ، فقلت : يا رسول الله ، إني والله لا أرجع إليهم أبداً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لا أخيس بالعهد ، ولا أحبس البُرُد . ولكن ارجع ، فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن ، فارجع. قال : فذهبتُ ، ثم أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، فأسلمتُ . )
(يقول ابن حزم في (مراتب الإجماع) : واتفقوا أن الوفاء بالعهود التي نصَّ القرآنُ على جوازها ووجوبها ، وذُكرت بصفاتها وأسمائها ، وذُكرت في السنة كذلك ، وأجمعت الأمّة على وجوبها أو جوازها ، فإن الوفاء بها فرض, وإعطاؤها جائز ).
4- دماء غير المسلم معصومة ماداموا يوفون بعهدهم وذمتهم , وما داموا غير محاربين للمسلمين .
(وفي صحيح البخاري . عن عبد الله بن عمرو بن العاص .قال صلى الله عليه وسلم : من قَتَل معاهَدًا لم يرَحْ رائحةَ الجنة ، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً )
(وفي السنن الكبرى للإمام البيهقي . عن عمرو بن الحمق الخزاعي . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أيُّما رجلٍ أمِنَ رجلاً على دمه ثم قتله ، فأنا من القاتل بريء ، وإن كان المقتولُ كافراً).
5- وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بأهل الكتاب خيرا , وصيانة أموالهم وأعراضهم , وحفظ كرامتهم .
( ففي صحيح مسلم . عن أبي ذر رضي الله عنه .قال صلى الله عليه وسلم : إنكم ستفحتون أرضاً يُذكر فيها القيراط ، فاستوصوا بأهلها خيراً ، فإنّ لهم ذِمّةً ورحماً ) .
6- الإختلاف في الدين لايلغي الزواج من الكتابية , كما لايلغي وصل ذوي القربى .
قال الله تعالى : (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)لقمان15
( وفي صحيح البخاري .عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قُلْتُ: وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ)
(ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُ ۖ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ حِلٌّۭ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّۭ لَّهُمْ ۖ وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِىٓ أَخْدَانٍۢ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِٱلْإِيمَٰنِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُۥ وَهُوَ فِى ٱلْءَاخِرَةِ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ) المائدة - 5
7- الإسلام أمرنا بالبر والإحسان والعَدْلَ لكل مْنْ لم يقاتل المسلمين أو يُظاهر على قتالهم .
قال الله تعالى : (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) الممتحنة 8-9.
8- البراءة من غير المسلم لاتكون بسبب اللون أو اللغة أو الجنس أو الثقافة , بل تكون بسبب إنحرافهم عن الصراط
المستقيم , وبسبب كفرهم بالله تعالى , فالبراءة تكون من أعمالهم وليس من أشخاصهم .
9- الثناء والشكر والمدح لغير المسلم في بعض صفاتهم وسلوكهم , من صدق وأمانة , ودقة في العمل , وحفاظا على الوقت والمواعيد , والعدل في المعاملة , أو في التطور المادي ,ووقوف البعض مع قضايانا العادلة , فكل ذلك لايعتبر قدحا في الولاء والبراء.
يقول تعالى : (ومِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍۢ يُؤَدِّهِۦٓ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍۢ لَّا يُؤَدِّهِۦٓ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًۭا ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا۟ لَيْسَ عَلَيْنَا فِى ٱلْأُمِّيِّۦنَ سَبِيلٌۭ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) آل عمران - 75.
( تذكر كتب السيرة أنه لما اشتد الأذى على الصحابة رضوان الله عليهم في مكة , فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى الحبشة , وقال مادحا ملكها النجاشي الغير مسلم : إن بأرض الحبشة ملكا لايظلم عنده أحد , فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه ).
إنه الإنصاف وإعطاء كل ذي حقه حقه , و تجنبا لأسلوب التشدد والتنطع ضد كل من يصف قوما على ماهم فيه من الصفات الطيبة .
والمشكلة أن بعض من يتشدد في ذلك تجده يقيم في بلاد غير المسلمين , ويعتاش من أموالهم , ويستفيد من قوانينهم , ثم تراه يدعوا لقتلهم وقتالهم صباح مساء فقط لأنهم غير مسلمين , بينما لم يجد شبرا من أرض المسلمين يقيم فيها .
(ففي صحيح مسلم . أن أحد الرجال كان عند عمرو بن العاص فقال الرجل : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : تقوم الساعة والروم أكثر الناس , فقال له عمرو : أبصر ماتقول قال : أقول ماسمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالا أربعا , إنهم لأحلم الناس عند فتنة , وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة , وأوشكهم كرة بعد فرة , وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف , وخامسة حسنة وجميلة وأمنعهم من ظلم الملوك ) .
لاننكر أن الحرب والمكيدة على الإسلام والمسلمين اتسعت رقعتها ,وتنوعت وسائلها وأساليبها , وأن أعداء الإسلام رمونا عن قوس واحدة , لكن لاينكر عاقل ومنصف أن في القوم عقلاء يرفضون تلك الهجمة الشرسة التي توجه ضد الإسلام والمسلمين .
ومطلوب منا شكر هؤلاء العقلاء على مواقفهم ليتشجع غيرهم فيقفوا نفس الموقف , وبذلك نحقق الإختراق في معسكر أعداء الإسلام .
( ومن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم نستلهم الدروس والفهم ؛ ففي غزوة بني قريظة والتي كان سببها خيانة يهود بني قريظة للعهد، وتحالفهم مع جيش قريش في غزوة الخندق رفض رجل يهودي يُقال له عمرو بن سُعدى خيانة العهد مع المسلمين وقال: لا أغدر بمحمد أبداً, وفي ليلة نزول يهود بني قريظة على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه, خرج عمرو بن سعدى، ولقي حرس الرسول صلى الله عليه وسلم وعليه محمد بن مسلمة, فقال محمد بن مسلمة حين عرفه: اللهم لا تحرمني عثرات الكرام، ثم خلّى سبيله، فخرج على وجهه حتى بات في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة تلك الليلة، ثم ذهب فلم يُدرَ أين وجّه من الأرض إلى يومه هذا، فذُكر لرسول الله صلى الله عليه و سلم شأنه فقال : ذلك رجل نجاه الله بوفائه).
فرغم ماجبل عليه اليهود من الغدر والخيانة , لكن بقي فيهم عقلاء , وهؤلاء تعامل معهم الرسول صلى الله عليه وسلم بما يستحقونه من الشكر والثناء , والواجب على المسلمين أن يكونوا أعدل الناس في مواقفهم مع غير المسلمين, فالمحارب لا يُعامل معاملة المعاهد, والمعرض عن الإسلام لا يُعامل معاملة المناوئ, وأصحاب المواقف العادلة من قضايا المسلمين لا يُعاملون معاملة المتطرفين المؤيدين لكل ظلم يطال المسلمين .
وموقف آخر من هديه صلى الله عليه وسلم يؤكد على العدل مع الآخر العاقل الذي لايعادي الإسلام وأهله .
( وهوموقف المطعم بن عدي, وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قد عاد من رحلته المليئة بالجراح والابتلاء من الطائف, فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى المطعم يريد الدخول في جواره فوافق، فذهب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فبات عنده تلك الليلة فلما أصبح خرج معه هو وبنوه ستة أو سبعة متقلدي السيوف جميعاً فدخلوا المسجد، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : طفْ, واحتبوا بحمائل سيوفهم في المطاف فأقبل أبو سفيان إلى مطعم فقال: مجير أم متابع؟ قال: لا بل مجير. قال إذاً لا تُخفر، فجلس معه حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم طوافه.
وتمضي السنوات وتقام دولة الإسلام في المدينة, ويلتحم جيش المسلمين مع جيش كفار قريش في موقعة بدر, ويأسر المسلمون سبعين رجلاً من قريش, ولا ينسى النبي صلى الله عليه وسلم مواقف المطعم بن عدي العادلة فيقول كما في صحيح البخاري: لو كان المطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له, وقد ذكر ابن كثير في تاريخه أن المطعم بن عدي توفي بعد الهجرة بوقت يسير فرثاه الصحابي حسان بن ثابت رضي الله عنه بقصيدة ذكر فيها محاسنه, وإجارته للنبي صلى الله عليه وسلم).
فمن ينسى الفتاة الغربية : راشيل كوري التي دهستها جرافة صهيونية لأنها وقفت بوجه الجرافة لمنعها من هدم بيوت الفلسطينيين في غزة .
ومن ينسى ذلك البطل الغربي : جورج غالاوي , الذي وقف بكل صلابة ضد الغزو الأمريكي للعراق , وضد حصار غزة , وقد قاد حملة تبرعات لصالح أهل غزة المحاصرين , بينما هناك من المسلمين من يساهم في الحصار والتجويع , بل هناك ممن يتشدد في قضية الولاء والبراء فتجده يدعوا على أهل غزة وعلى المجاهدين في فلسطين فقط لأنهم ليسوا على منهجه , ولما لا فذلك من مقتضيات الولاء والبراء حسب منهجهم !!!
10- التعامل في أمور التجارة وتبادل المصالح لايتناقض مع الولاء والبراء .
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة , كما لنا في الصحابة الأسوة والقدوة .
( ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة عند يهودي ).
وأجمع الفقهاء على جواز التعامل مع غير المسلم من حيث الأصل , وخاصة في عصرنا , ومن التطرف أن نخضع ذلك التعامل للولاء والبراء .
بل نجد الفقهاء أجازوا التعامل التجاري مع البلد المحارب (قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى , في اقتضاء الصراط المستقيم 2/15 : وإذا سافر الرَّجل إلى دار الحرب ليشتري منها جاز عندنا، كما دلّ عليه حديث تجارة أبي بكر رضي الله عنه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الشام، وهي حينذاك دار حرب، وغير ذلك من الأحاديث ).
(وقال السرخسي في المبسوط 10/67: وإذا دخل المسلم أو الذميّ دار الحرب تاجرًا بأمان؛ فأصاب هناك مالاً ودورًا ثم ظهر المسلمون على ذلك كله فهو له كله).
لنصل إلى التعاون فلا بد من التفاهم مع الآخروهذا هو المدخل الطبيعي للوصول إلى التعاون، والتعاون قد تحكمه الاعتبارات النفعية دون التفات إلى أي من الاختلافات الدينية ، طالما أن التعاون قائم على قاعدة تبادل المصالح وهو سنة من سنن الخلق.
11- الإسلام كرم الإنسان بغض النظر عن دينه ولونه وعرقه ولغته .
فلا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى , ويجب المحافظة على كرامة الناس وحقوقهم بغض النظر عن معتقداتهم وأعراقهم وألوانهم , فلا يجوز النيل من أي إنسان دون وجه حق بسبب ذلك .
كما لايجوز أخذ الناس بالشبهات دون دليل وتثبت , وإلا تصبح حياة الناس عرضة للإنتهاك لأتفه الأسباب .
يقول الله تعالى ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) الإسراء – 70
(روى البخاري. عن جابر ابن عبد الله: أن جنازة مرت على النبي صلى الله عليه وسلم فقام لها واقفًا، فقيل له: يا رسول الله، إنها جنازة يهودي! فقال:"أليست نفسًا؟).
12- إختلاف الناس في الدين واقع لامحالة بمشيئة الله تعالى , واختلاف الناس في الدين في الأرض واقع بقدر الله .
((وحول هذه القضية يقول فضيلة الدكتور عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي الشريف : إن الإسلام يرى في تعدد الشرائع والملل والثقافات والحضارات سنة من سنن الله تعالى، ونظاماً كونياً لا تبديل له ولا تحويل، فهو سبحانه القائل:
(ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ) هود 118-119 )).
لكن هذا التعدد لاينفي أن الإسلام هو خاتم الرسالات والشرائع ومن حق أتباعه أن ينشروه ويدعون له بالحكمة والموعظة الحسنة ويجادلون غير المسلم بالتي هي أحسن ودون أي إكراه .
13 – لايجوز إكراه الناس حتى يكونوا مسلمين .
فالله تعالى منح الإنسان عقلا يفكر به , وجعل له حرية إختيار دينه دون إكراه , ودون أي مؤثرات , وهو يتحمل نتيجة إختياره .
فليس من حق مسلم مهما بلغ أن يكره الناس على أن يكونوا مسلمين , يقول الله تعالى :
( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) البقرة – 256.
وهناك من يتهرب من استحقاقات هذه الآية قائلا أن لهذه أسباب نزول خاصة ولا يمكن تعميمها , فنقول لهؤلاء : التفسير والتأويل لكتاب الله تعالى نرجع به لأهل العلم المعتبرين والمشهود لهم .فابن كثير يقول في تفسيره :( وإن كانت قد نزلت في قوم من الأنصار، إلا أن حكمها عامٌّ). وما ذكره ابن كثير موافق لقاعدة: العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب.
ويقول تعالى : (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعًا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) يونس – 99.
والآيات تقرر وتؤكد قاعدة عظيمة من قواعد هذا الدين، وهي قاعدة حرية الدين , إذ الأصل أن يختار الناس دينهم بمحض إرادتهم، من غير إكراه مادي أو ضغط معنوي. ومن هنا، فلا يجوز بحال إكراه أحد على اعتناق الإسلام إذ إن الإكراه والإجبار يتنافيان مع منطوق وروح القرآن الكريم .
(قال ابن قدامة في المغني : وإذا أكره على الإسلام من لا يجوز إكراهه كالذمي والمستأمن فأسلم لم يثبت له حكم الإسلام
حتى يوجد منه ما يدل على إسلامه طوعا . ويقول في موضع آخر : ولذلك فإنه إذا عاد إلى دينه بعد زوال الإكراه لم يحكم بردته ، ولا يجوز قتله ولا إكراهه على الإسلام ، ونقل ابن قدامة إجماع أهل العلم على أن الذمي إذا أقام على ما عوهد عليه والمستأمن ، لا يجوز نقض عهده ولا إكراهه على ما لم يلتزمه ) .
14- الإسلام لايعطي الحق لبشر على محاسبة غير المسلم على معتقده .
حساب الناس على ماهم عليه من ضلال وانحراف وكفر ليس من حق بشر , كما ليس محله في الحياة الدنيا , ولو كان من حق بشر لكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أولى الناس بهذا الحساب , لكن الله اختص ذلك به وحده يوم يقوم الناس لرب العالمين , وهو أعدل العادلين .
يقول الله تعالى :(وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون. الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون) الحج 68-69.
ويقول أيضا مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم :( فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرتُ لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير) الشورى- 15.
15- الإسلام يدعوا للعدل والإنصاف مع غير المسلم .
يقول الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) سورة المائدة – 8 .
ولو تتبعنا الآيات 105-113 من سورة النساء والتي نزلت لتبرئ يهودي تم إتهامه بالسرقة ظلما .
هذه الآيات تحكي لنا أعظم مواقف العدل والموضوعية مع غير المسلم , ومع من ؟ مع يهودي , اليهود الذين أطلقوا سهامهم المسمومة والغادرة على الإسلام والمسلمين , ونشروا الأكاذيب وألبوا المشركين وشجعوا المنافقين وأطلقوا الشائعات, وحاولوا تضليل الناس, وطعنوا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم , وشككوا بالوحي , وحاولوا شق صف المسلمين , وحاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم , ورغم كل هذه الجرائم , ورغم أنها وقعت ومازال الإسلام غضا طريا , ومازالت رواسب الجاهلية , رغم كل ذلك نزل قرآن ينصف يهودي اتهم ظلما وعدوانا بالسرقة , وتمت إدانة
مجموعة مؤمنة من الأنصار أولئك الذين أوو ونصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة المهاجرين , ورغم ذلك لم يحابيهم القرآن , بل نزل الحق وأنصف المظلوم الغير مسلم .
القضية ليست مجرد حادثة عابرة , بل إقامة وإرساء لميزان العدل والإنصاف الذي لايميل مع الهوى ولا يقف مع ذوي القربى .
إنه منهج القرآن الذي جاء لينظف كل رواسب الجاهلية والتعصب والإنحياز للقريب , وهو تصحيح لمعاني الإيمان
كان بالإمكان غض الطرف , محاباة للأنصار الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم , لكن الحق أحق أن يتبع , ولابد للعدل أن يأخذ مجراه , دون خفاء ولا تمويه ولا مداهنة , وبعيدا عن كل الإعتبارات الأرضية .
16- البر والسماحة والإحسان لغير المسلم في بعض المناسبات :
بعث الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين ، وهو صلى الله عليه وسلم مثال للكمال البشري في حياته كلها وفي علاقته بالناس كلهم بمختلف أجناسهم وأعمارهم وألوانهم ، مسلمين وغير مسلمين (ففي صحيح مسلم . قال جابر بن عبد الله رضى الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا سهلا ) .
(قال النووي في شرح صحيح مسلم : أي سهل الخلق كريم الشمائل لطيفا ميسرا في الخلق ) .
( وفي السيرة النبوية لابن هشام :ومن له أن ينسى ذلك الموقف العظيم , يوم فتح مكة ,فتجاوز عن مخالفيه ممن ناصبوا له العداء فقد كانت سماحته يوم الفتح غاية ما يمكن أن يصل إليه صفح البشر وعفوهم فكان موقفه ممن كانوا حربا على الدعوة ولم يضعوا سيوفهم بعد عن حربها أن قال لهم : اذهبوا فأنتم الطلقاء ) .
ويمكن أن نمر على أوجه البر والإحسان والمجاملة التي يتم التعامل بموجبها مع غير المسلم وفي نفس الوقت لاتعتبر من نواقض وقوادح الولاء والبراء :
- الدعاء لغير المسلم :
(روى مسلم . قدم الطفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه فقالوا: يا رسول الله إن دوسا قد كفرت وأبت فادع الله عليها ، فقيل : هلكت دوس - ظنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رفع يديه للدعاء عليها - فقال صلى الله عليه وسلم : اللهم اهد دوسا وائت بهم )
(روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضى الله عنه قال : كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي قلت : يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم اهد أم أبي هريرة ، فخرجت مستبشرا بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم
فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف فسمعت أمي خشف قدمي فقالت : مكانك يا أبا هريرة وسمعت خضخضة الماء قال فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثم قالت : يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قال فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته وأنا أبكي من الفرح ).
( وروى البخاري في الأدب المفرد . ما كان من اليهود حيث كانوا يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول لهم يرحمكم الله فلم يحرمهم من الدعوة بالهداية والصلاح ، فكان يقول : يهديكم الله ويصلح بالكم ).
(روى البخاري في الأدب المفرد .قال ابن عباس رضى الله عنه لو قال لي فرعون : بارك الله فيك قلت : وفيك ، وفرعون قد مات ) .
(وجاء في صفة الصفوة لابن الجوزي 1/354: أن عمر بعث عميرا عاملا على حمص فمكث حولا لا يأتيه خبره ولم يبعث له شيئا لبيت مال المسلمين ، فقال عمر لكاتبه : اكتب إلى عمير فوالله ما أراه إلا قد خاننا إذا جاءك كتابي هذا فأقبل وأقبل بما جبيت من فيء المسلمين حين تنظر في كتابي هذا . فأخذ عمير - لما وصله كتاب عمر - جرابه فوضع فيه زاده وقصعته وعلق إداوته وأخذ عنزته ثم أقبل يمشي من حمص حتى قدم المدينة فقدم وقد شحب لونه واغبر وجهه فدخل على عمر فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله قال عمر : ما شأنك ؟ قال : ما تراني صحيح البدن ظاهر الدم ، معي الدنيا أجرها بقرونها ؟ قال عمر : وما معك ؟ وظن عمر أنه جاءه بمال . قال : معي جرابي أجعل فيه زادي ، وقصعتي آكل فيها وأغسل فيها رأسي وثيابي وإداوتي أحمل فيها وضوئي وشرابي ، ومعي عنزتي أتوكأ عليها وأجاهد بها عدوا إن عرض لي ، فوالله ما الدنيا إلا تبع لمتاعي . وسأله عمر عن سيرته في قومه وعن الفيء فأخبره ، فحمد فعله فيهم ثم قال :جددوا لعمير عهدا .
قال عمير : إن ذلك شيء لا أعمله لك ولا لأحد بعدك ، والله ما سلمت بل لم أسلم ، لقد قلت لنصراني : أخزاك الله ، فهذا ما عرضتني له يا عمر ، وإن أشقى أيامي يوم خلفت معك ).
(وجاء في صفوة الصفوة لابن الجوزي 1/356 : أن عمر قال عن عمير : إنه نسيج وحده ، وقال : وددت أن لي رجلا مثل عمير بن سعد استعين به على أعمال المسلمين) .
لقد عظم على عمير قوله لرجل من غير المسلمين : أخزاك الله ، وهو دعاء ، وما ذكر خطأ اقترفه في ولايته على حمص أعظم من هذا ، وفي ذلك دليل على أن هذا الدين ما جاء إلا بالرحمة والهداية وإنقاذ البشر من الضلال إلى الهدى ومن ظلمات الكفر إلى نور الطاعة ، ولا عجب فمن مدرسة النبوة تخرج هذا الصحابي وغيره ، ممن لا يؤذون الناس بل يغمرونهم بعطفهم ورحمتهم وسماحتهم وإحسانهم .
- قبول الهدية منهم والإهداء لهم :
(ففي صحيح البخاري . كان صلى الله عليه وسلم يقبل هدايا مخالفيه من غير المسلمين : فقبل هدية زينب بنت الحارث اليهودية امرأة سلام بن مشكم في خيبر حيث أهدت له شاة مشوية قد وضعت فيها السم ) .
( وأهدى عمر - رضي الله عنه – حلته لأخ له مشرك كما في صحيح البخاري) .
وقد قرر الفقهاء قبول الهدايا من الكفار بجميع أصنافهم حتى أهل الحرب
( قال ابن قدامة في المغني 13/200 : "ويجوز قبول هدية الكفار من أهل الحرب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل هدية المقوقس صاحب مصر ).
- عيادة مرضاهم :
(روى البخاري .عن أنس رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه. فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده. فقال له: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم. فأسلم. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار )
(قال ابن حجر : وفي الحديث جواز استخدام المشرك وعيادته إذا مرض ، وفيه حسن العهد ).
(وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم عاد عمه أبا طالب لما حضرته الوفاه، ودعاه إلى الإسلام).
(وروى ابن أبي شيبة في مصنفه أن أبا الدرداء عاد جاراً له يهودياً).
(وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن عيادة المريض النصراني واتباع جنازته، فقال: لا يتبع جنازته، وأما عيادته فلا بأس بها، فإنه قد يكون في ذلك مصلحة لتأليفه على الإسلام).
- التصدق عليهم:
فيجوز للمسلم أن يتصدق على الجارغير المسلم من غير المحاربين من غير الزكاة ، وقد مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند مقدمه إلى أرض الشام بقوم مجذومين من النصارى فأمر أن يعطوا من الصدقات وأن يجرى عليهم القوت.
( جاء في كتاب الخراج لبي يوسف ص 306: أنه في خلافة أبي بكر رضي الله عنه كتب خالد بن الوليد رضي الله عنه في عقد الذمة لأهل الحيرة بالعراق - وكانوا من النصارى - : وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنياً فافتقر، وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته، وعيل من بيت مال المسلمين هو وعياله) .
( جاء في الموسوعة في سماحة الإسلام 1/446:إن التكافل الاجتماعي في الإسلام لا يرضى أن يذل رجل من أهل الذمة، وهو يحيا في كنف الإسلام فيعيش على الصدقة يتكفف الناس، ولكن الإسلام يحميه ويكرمه، ويوجب على الدولة أن تعوله وتعول عياله).
( روى البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني .عن مجاهد قال كنت عند عبد الله بن عمرو رضي الله عنه وغلامه يسلخ شاة فقال: يا غلام إذا فرغت فابدأ بجارنا اليهودي، فقال رجل من القوم: اليهودي أصلحك الله؟ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بالجار حتى خشينا أو روينا أنه: سيورثه).
- تعزية غير المسلم .
يقول أهل العلم إن تعزية المسلم لغير المسلم جائزة حيث إن الله أمر بالبر بهم والقسط معهم، أما الدعاء بالرحمة والهداية فجائز حال حياتهم، لكن بعد موتهم على الكفر فلا يجوز الدعاء لهم بالرحمة ولا الهداية ، لأن أعمالهم قد انقطعت وقد أفضوا إلى ما قدموا.
( ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز أن يعزّي المسلم الكافر، وكان الثوري يقول : يعزي المسلم الكافر ويقول له : لله السلطان والعظمة. وكان الحسن يقول : إذا عزيت الكافر فقل : لا يصيبك إلا خير.. وكان أبو عبد الله بن بطة يقول : يقال في تعزية الكافر : أعطاك الله على مصيبتك أفضل ما أعطى أحدًا من أهل دينك )
أما الذين لم يجيزوا التعزية فهم لم يمنعوها لكنهم تركوها لتقدير المصلحة ، ، قال الشيخ ابن باز رحمه الله:لا بأس أن يعزيهم في ميتهم إذا رأى المصلحة الشرعية في ذلك، وقال ابن عثيمين رحمه الله : التعزية جائزة إذا كان هناك مصلحة شرعية.
فإن تعزية اليهودي والنصراني وغيرهما في مصيبة تنزل بهم مما اختلف أهل العلم في حكمها، فيرى جوازها بعض أهل العلم، وبعضهم قيدها بالمصلحة الشرعية، كدعوته، أو كف أذاه .. ونحو ذلك. والعلماء الذين ذكروا جواز تعزية الكافر نصوا على أن يتخير المعزي الألفاظ التي ليس فيها محذور شرعي. ومن الألفاظ التي ذكرها العلماء في ذل, أي في تعزية الكافر: أخلف الله عليك ولا نقص عددك, ذكر ذلك النووي وابن قدامة (انظر في ذلك: المجموع شرح المهذب: 5/275) (وانظر المغني لابن قدامة: 2/410). وقال بعضهم يقول له: أعطاك الله على مصيبتك أفضل مما أعطى أحداً من أهل دينك. ولو قال أيضاً: جبر الله مصيبتك أو أحسن لك الخلف بخير وما أشبهه من الكلام الطيب فلا
بأس، ولا يدعو للميت بالرحمة والمغفرة ونحو ذلك مما يُدعى به للمتوفى من المسلمين. ووجه التسامح في باب تعزية غير المسلم في مصابه ، أن ذلك من باب حسن المعاملة، والعدل في تبادل الحقوق التي تقتضيها ضرورة المجاورة والمعاملة الدنيوية ، كما أنه ليس في التعزية - وعلى ما تبين لك - محذور شرعي ولا موافقة على أمر من أمور دينهم ، كما لا يلزم عليها موادة ولا موالاة لهم.
- تهنئتهم بأعيادهم :
مما لايستطيع مسلم نكرانه أن تهنئة غير المسلم بعيده , قضية خلافية , وكل طرف يعزز رأيه بأدلة يستند إليها , وبما أنها قضية خلافية , فيحكمها القاعدة الفقهية الأصولية : لا إنكار في مسائل الخلاف .
كما لايستطيع المانعين والمجيزين أن يعتبر أي منهم أنه هو صاحب الصواب المطلق , كما لايجوز إدارج هذه القضية في دائرة الإيمان , ومن حق المسلم ان يرى أحد الموقفين , لكن لايحق له فرض رأيه على غيره , كما لايجوز أن يشنع على من يختلف معه في تلك المسألة , فهناك من ينظر لمن يرى جواز التهنئة نظرة ريبة وشك حتى في دينه , وهذا مخالف لهدي الإسلام .
وعندما نتحدث عن جواز التهنئة فهي محصورة بغير المحاربين .ولها شروط وضوابط حتى لاتكون القضية سائبة , ومن الشروط : أن تكون النية إظهار محاسن الإسلام , وألا تخالف أصلا من أ صول الدين ,عدم المبالغة في الإطراء ,عدم الحضور في جو المنكرات , وعدم موافقتهم على ماهم عليه من الضلال والإنحراف .
(يقول علامة العصر بلا منازعة وفقيه الشام بلا مدافعة الشيخ مصطفى الزرقا – رحمه الله تعالى – حيث يقول : إن تهنئة الشخص المسلم لمعارفه النصارى بعيد ميلاد السيد المسيح عليه الصلاة والسلام هي في نظري من قبيل المجاملة لهم والمحاسنة في معاشرتهم¡ وأن الإسلام لم ينهانا عن مثل هذه المجاملة أو المحاسنة لهم ...) فتاوى مصطفى الزرقا: ص355- 357
والأصل في الأمور الإباحة، ولم يرد في الكتاب والسنة أو عن أحد من الأئمة المتبعين ما يفيد النهي عن ذلك، بل أفعاله صلى الله عليه وسلم معهم دالة على جواز مثل ذلك ، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم زار يهوديا في مرضه ودعاه إلى الإسلام فأسلم ، مع اختلاف العلماء هل الزيارة هي الأصل والدعوة تابع لها أم العكس، كما أن تهنئة أهل الكتاب نوع
من المودة والبر مما أمرنا به نحوهم ما داموا مسالمين غير محاربين، قال تعالى : (لايَنهاكُم اللهُ عن الذين لم يقاتلوكُمْ في الدين ولم يُخرجوكم من دِيارِكم أن تَبرّوهم وتُقسِطوا إليهم إن الله يُحب المقسطين) الممتحنة -6 ،
وقال تعالى : (عَسَى اللهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيم) الممتحنة -7
فإذا كان النصراني ممن يستغل المناسبات الإسلامية في تهنئة المسلم، فهذا يجب تهنئته في عيده من باب :
(وإذا حُيِّيتم بتحيَّةٍ فحيُّوا بأحسنَ منها أو رُدُّوها) سورة النساء -86 .
ومن يقول أن التهنئة هي تأييد لدين غير المسلم ,هذا توهم لا دليل عليه، ولا عبرة بالتوهم أو الظن البين خطؤه,فالأصل في المسلم أن يكون قوي الإيمان، يختلط بغيره مؤثرا فيهم ليدخلوا في الإسلام، وليس مجرد التهنئة الموسمية هي التي تجعله يلتفت عن دينه، وإلا وجب عزل المسلمين جميعا عن أهل الكتاب وعدم مجاورتهم أو التعامل معهم أو الاختلاط بهم لأن هذا أشد تأثيرا من التهنئة، وهذا مخالف لنصوص الكتاب والسنة الداعية إلى مخالطة أهل الكتب وزيارتهم وأكل طعامهم والإحسان إليهم ، قال تعالى : ( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ ) المائدة- 5 .
وقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام لجنازة يهودي ، ولم يكن ذلك مشاركة منه في عقيدته ، وإنما هو تعظيم وإجلال لأمر الموت ، لا غير .
ومن يقول أن التهنئة تدخل في دائرة الولاء والبراء , فنقول له ليس الأمر كذلك , لأن الآيات التي نهت عن مودة المشركين وموالاتهم إنما قصدت المحاربين للإسلام والمسلمين كما في قوله تعالى:
(يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْخَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتِّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَاتُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْتَعْقِلُونَ) آل عمران - 118.
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَتَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْبِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجونَالرَّسولَ وَإيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُم) الممتحنة -1، فهؤلاء لا يحل لنا موالاتهم أو مناصرتهم أو مودتهم .
أما غير هؤلاء ممن لم تظهر لنا عداوتهم ، فهم على أصل البر والإقساط إليهم كما أمرنا الله عز وجل وكما عاملهم المصفى صلى الله عليه وسلم .
وهناك من يقول أنه لابد من سد الذرائع ومنه التهنئة , فالتشدد في سد الذرائع تماما كالتوسع في فتحها، ولو كان الأمر كذلك لمنع الإسلام مصاهرتهم، كيف وقد أباح الإسلام الزواج من نساء أهل الكتاب، وهذا أشد أنواع المخالطة، وتصور الخائفين قائم , من تأثر الأبناء بعقيدة أمهم، أو تأثيرها على الزوج المسلم نفسه، و في وصاياه لنصارى نجران حرَّج الرسول صلى الله عليه وسلم على الزوج المسلم أن يمنع زوجته النصرانية من الذهاب إلى الكنيسة للتعبد وفق دينها في اليوم الذي تراه هي، وظل هذا تشريع الإسلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، فهلا دعا الإخوة المتخوفون إلى تبديل هذا التشريع الإسلامي سدا للذرائع ؟؟!! .
(( وجاء في فتوى صدرت عن المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث , وهي فتوى مطولة لكنني أنقل منها الخلاصة: فلا مانع إذن أن يهنئهم الفرد المسلم، أو المركز الإسلامي بهذه المناسبة، مشافهة أو بالبطاقات التي لا تشتمل على شعار أو عبارات دينية تتعارض مع مبادئ الإسلام مثل ( الصليب ) فإن الإسلام ينفي فكرة الصليب ذاتها
(وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم)) النساء : 156.
والكلمات المعتادة للتهنئة في مثل هذه المناسبات لا تشتمل على أي إقرار لهم على دينهم، أو رضا بذلك، إنما هي كلمات مجاملة تعارفها الناس).
- ابتداؤهم بالسلام :
وهذه أيضا من القضايا الخلافية ولأهل العلم فيها رأيان , المنع والجواز .
(ذهبت طائفة إلى جواز ابتدائنا لهم بالسلام وكذلك ردنا عليهم، ومنهم ابن عباس وابن مسعود وأبو أمامة وابن محيريز وعمر بن عبد العزيز وسفيان بن عيينه والشعبي والأوزاعي، واختاره القرطبي، ورجح هذا القول السيد رشيد رضا في تفسير المنار، والشيخ الشنقيطي في اضواء البيان . وهو وجه عند الشافعية، لكن باللفظ المفرد كأن يقول: السلام عليك للواحد، والسلام عليكم للجماعة، بخلاف المسلم فإنه يسلم عليه بلفظ الجمع سواء كان مفرداً أو جماعة.)
(وذهبت جماعة إلى أنه يجوز ابتداؤهم به للضرورة والحاجة، أو لسبب معتبر كمصلحة دينية مرجوة، وهو قول عكرمة والنخعي، وعن الأوزاعي أنه قال: إن سلمت فقد سلم الصالحون وإن تركت فقد ترك الصالحون( .
وإذا كان المسلم في دار الكفر بينهم فله أن يسلّم عليهم مبتدئا وراداً، مصانعة لهم ودفعاً للضرر الذي قد يحصل من ترك السلام عليهم، ويمكن أن يستعمل كلاما يفيد التحية ، غير لفظ السلام .
وإذا دخل المسلم إلى مكان فيه خليط من المسلمين وغيرهم، ولو كان المسلم واحداً وغير المسلمين كثر، فمن السنة أن يسلّم عليهم.
(روى البخاري ومسلم والترمذي من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم) .
(وذهب جمع من السلف إلى جواز إلقاء السلام على المخالفين من أهل الكتاب والمشركين،( وقد فعله ابن مسعود وقال : إنه حق الصحبة. وكان أبو أمامة لا يمر بمسلم ولا كافر إلا سلم عليه، فقيل له في ذلك، فقال : أمرنا أن نفشي السلام.وبمثله كان يفعل أبو الدرداء).
( وكتب ابن عباس لرجل من أهل الكتاب (السلام عليك) ، وكان عمر بن عبد العزيز يقول : لا بأس أن نبدأهم بالسلام).
(قال ابن القيم : فإذا تحقق السامع أن الكافر قال له : (السلام عليكم)، فالذي تقتضيه الأدلة الشرعية وقواعد الشريعة أن يقال له : (وعليكم السلام)، فإن هذا من باب العدل والإحسان، وقد قال تعالى :
(وإذا حيتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها).
17- إطلاق لفظ الأخ على غير المسلم :
يعتقد البعض أن هذه المسألة نازلة حديثة لم يتم التطرق لها من قبل أهل العلم سابقا , وما يقول هذا الكلام إلا جاهل لايكلف نفسه عناء البحث .
وردت عدة آيات بلفظ الإخوة :
قال تعالى: (وإلى عاد أخاهم هودا)... (وإلى ثمود أخاهم صالحا)... (وإلى مدين أخاهم شعيبا)... (كذبت قوم لوط المرسلين إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون).
- ( قال الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: قيل أخاهم في القبيلة ,و قيل أخاهم في النسب,و قيل أخوة المجانسةأي الجنس,وقيل هو من قول العربيا أخا تميم , وقال في قوله تعالى(الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا):هي أخوة نسب ومجاورة لا أخوة الدين).
- ((وقال الطبري في:جامع البيان في تأويل آيات القرآن:قال عكرمة: لقي المشركون أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم وقالوا: إنكم أهل كتاب، والنصارى أهل كتاب، ونحن أميون وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم، فأنزل اللّه تعالى: (آلم * غلبت الروم في أدنى الأرض - إلى قوله - ينصر من يشاء) فخرج أبو بكر الصدّيق إلى الكفار فقال: أفرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا ، فلا تفرحوا ولا يقرن اللّه أعينكم، فواللّه ليظهرن اللّه الروم على فارس، أخبرنا بذلك نبينا صلى اللّه عليه وسلم، فقام إليه (أبي بن خلف) فقال: كذبت يا أبا فضيل، فقال له أبو بكر: أنت أكذب يا عدو اللّه.....إلخ)).أخرج الأثر الطبري في تفسيره وتاريخه وأورده
ابن كثير وابن الجوزي والبغوي والألوسي وغيرهم في تفاسيرهم كسبب نزول للآية.
- ((وقال السيوطي في الدر المنثور في التفسير بالمأثور:هي أخوة النسب .( وأخرج أبو الشيخ عن مطلب بن زيادة قال: سألت عبد الله بن أبي ليلى عن اليهودي والنصراني يقال له أخ؟ قال: الأخ في الدار, ألا ترى إلى قول الله تعالى:"وإلى ثمود أخاهم صالحا)).
- (وقال الشوكاني في فتح القدير:المقصود أي واحدا منهم أو صاحبهم أو سماه أخا لكونه ابن آدم مثلهم).
- (وقال ابن حجر في فتح الباري: وسماه أخا لكونه من قبيلتهم لا من جهة أخوة الدين.).
- ((وقال عبد الرؤوف المناوي فيفيض القدير شرح الجامع الصغير للسيوطي:في حديث لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق. قال:وذكر لفظ الأخوة كما قال الراغب (أي الأصفهاني) حيث قال:"....ويستعار في كل مشارك لغيره في قبيلة أو دين أو صنعة أو معاملة أو مودة أو غيرها من المناسبات)).
- ((وقال السرخسي في المبسوط: الأخوة لفظ مشترك قد يراد به الأخوة في الدين قال تعالى :إنما المؤمنون اخوة"). وقد يراد به الاتحاد في القبيلة قال تعالى("وإلى عاد أخاهم هودا"). وقد يراد به الأخوة في النسب))
- (قال الإمام النووي في شرح الأربعين النووية عند شرح حديث: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
- الأولى أن يحمل ذلك على عموم الأخوة ، حتي يشمل الكافر والمسلم، فيحب لأخيه الكافر ما يحب لنفسه من دخوله في الإسلام ، كما يحب لأخيه المسلم دوامه على الإسلام ،ولهذا كان الدعاء بالهداية للكافر مستحباً).
- (( وفي فتوى للدكتور أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي , عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى في المملكة العربية السعودية . أن الأخوة قسمان:
- -أخوة دينية وهي تعم كل من كان مسلماً حتى ولو كان مبتدعاً ما لم تكن بدعته مكفرة
- - أخوة نسبية حتى ولو كان الأخ في النسب كافراً، وإطلاق الأخ على من يعتقد كفره من باب النسب بحكم الأخوة البشرية ليس فيه بأس على سبيل تأنيس المدعو، قال تعالى: ("وإلى عاد أخاهم هوداً) وقال تعالى: ("وإلى ثمود أخاهم صالحاً"). فأطلق الأخوة الإنسانية مع انقطاع الأخوة الدينية، والله أعلم)).
مما تقدم يتبين أنه على المسلم ان يكون على بينة من أمره , فلا يتنكب عن معايير هذا الدين , لأنه سيخلط الأمور , وهذا الخلط يؤدي للجنوح نحو التطرف والغلو والتشدد .
إن اختلاط المفاهيم والمصطلحات وسوء فهم المعاني التي جاء بها الإسلام من أسباب التطرف والغلو الذي تعاني منه المجتمعات اليوم . والبعض ذهب إلى أشد من ذلك فحصروا مفهوم الولاء والبراء على أنفسهم وعلى جماعاتهم فترى أحدهم يقرر أن الولاء لجماعته والبراء من غيرها , فكل من لايؤيدهم فمشكوك في ولائه , وذهب البعض أبعد من ذلك حين أطلق العنان للوهم وبنى عليه الأحكام والمواقف , وهذا كله مخالف لحقيقة الدين .
فلقد قرر علماء المسلمين وأجمع علماء الأمة أن الولاء هو لكل المسلمين وبما فيهم أصحاب المعاصي والبراء من كل الكافرين, والولاء والبراء أمران متعلقان بالقلب والوجدان, والولاء والمودة والمحبة ليس له دخل أبداً في شئون المعاملات الإنسانية مع الكافرين .
ومن غير المقبول أن نزاود على فهم وتقوى وإيمان الصحابة والسلف الصالح , وإلا تعتبر تلك المزاودة هي عملية إختطاف لفهم السلف الذين كانوا أقرب منا عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم , وقد شملهم صلى الله عليه وسلم بقرون الخيرية الثلاثة .
لقد غلا بعضُ المسلمين في الولاء والبراء إفراطاً أو تفريطاً . وأصبح هذا المعتقدُ مَحَلَّ اتّهام ، وأُلْصِقَتْ به كثيرٌ من الفظائع والاعتداءات , بسبب هذا الغلو والتنطع .
وبعد كل هذا التوضيح من قبل سلف هذه الأمة ومن قبل أهل العلم المعتبرين ليعجب الإنسان من هذا الإصرار من قبل بعض الشباب المتطرف يعلمون كل هذا ثم تراهم على ما هم عليه من الغلو والتطرف تجاه المسلمين وغير المسلمين فلا يتحدثوا إلا عن السيف والقتل والخيل والليل والبيداء والقنابل والهدم والخراب والتدمير وسفك الدماء , والتكفير والتفسيق والتبديع , وإخراج المسلمين من الملة ,ويصورون في عقول العوام والجها ل أنه يجب ألا يبقى من الكفار أحد وأن يكونوا وأموالهم وذراريهم غنيمة لهؤلاء الأغرار.
وقال تعالى : (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار( البقرة
لاحل إلابالعودة إلى منهج الوسطية , وهو المنهج الشرعي الذي بعث الله به سائر الرسل عليهم الصلاة والسلام وهو السياج القوي ضد الوقوع في براثن الغلو والإفراط.
إن منهج الوسطية ليس محصورا في جزئية من الجزئيات, ولا في ركن من الأركان ,وإنما هي منهج متكامل شامل لا ينفصل بعضه عن بعض فالإسلام هو الوسطية.
وإن السمات العامة للوسطية تتمثل في الخيرية والاستقامة واليسر ورفع الحرج والبينية والعدل وأن يكون المؤمن مدركا لشأنه عالماً بزمانه ومكانه وأن معاييرها لا تدرك إلا بعد معرفة حدود الإفراط والتفريط.
اللهم فقهنا في ديننا , واجعلنا هداة مهديين غير ضالين ولا مضلين , ولا تجعلنا سببا لفتنة غير المسلمين .
وآخر دعوانا إن الحمد لله رب العالمين .