زواج ضمن الحدود.. أو خارجها؟!
سحر المصري
طرابلس - لبنان
قال لي: "أود معرفة وجهة نظرك في الزواج من جنسيات عربية مختلفة.."
لم يدرِ أنه فتح عليّ باباً دخلتُ منه إلى عالمٍ من التحليلات والأفكار والتساؤلات.. وكانت هذه بضاعتي..
الحدود.. مَن الذي صنعها؟ ومَن الذي أرسى أوتاد الأسوار التي مزّقت جسد الأمّة إلى دويلات فضعفت شوكتها وتوزّعت خيراتها؟ أليس هو المستعمر؟
قال لها ذات ثورة بعد رفضها الاقتران به لأنه من بلد آخر: لن أسمح لسايكس بيكو أن يسرق أحلامي!
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "إنّ ربّكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربيّ على أعجميّ ولا لعجميّ على عربيّ ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر، إلا بالتقوى، أبلّغت؟"
ويقول الله جل وعلا في كتابه الكريم: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"
لا شك أن الزواج هو من أهمّ العلاقات الاجتماعية التي تقرِّب الناس من بعضهم البعض وتزيد فرص التعارف والترابط من خلالها.. وكذلك يزيد الانفتاح وقبول الآخر والثقافة والتواصل الإيجابي.. وهذه ولا شك إيجابية في موضوع الزواج من جنسيات مختلفة..
وقد حدث وتزوج موسى عليه السلام من ابنة شعيب عليه السلام وكان غريباً عن قوم صالح مديّن وكان زواجاً ناجحاً.. وتزوج الحبيب عليه الصلاة والسلام من ماريا القبطية ومن قبائل متفرّقة وكان نِعم الزوج والسكن..
وحين يتواجد الزوجان في بلد بعيد عن البلد الأصل لأحدهما فهذا قد يقرِّبهما من بعضهما البعض بطريقة أفضل مما لو تدخل أهل الطرفين في حياتهما.. فحين تبعد الزوجة مثلاً عن أهلها تتعلّق بزوجها بشكلٍ أقوى وتلتصق به كونه الوحيد الذي يقربها في البلد الغريب الذي انتقلت إليه.. وقد تخفّ درجة النزاعات التي تكون بسبب تدخلات الأهل وفرض آرائهم أو اختلاق مشاكل للزوجين..
وفي حين أنه يوجد العديد من الايجابيات في هذا النوع من الزواج إلا أن السلبيات في هذا الزمن قد تكون أكثر!
بداية.. لكلّ بلد تقاليده وعاداته التي يلتزم بها الناس.. بل أحياناً يكون هناك عادات تختلف من منطقة إلى أُخرى في نفس البلد.. وهذا ما قد يولّد مشاكلاً كثيرة في مستقبل هذا الزواج خصوصاً إن احتكم الزوجان للعرف ولم يحتكما للشرع..
وهناك مشاكل قد تعترض المرأة بالذات إن هي انتقلت للزواج في بلدٍ آخر.. فمثلاً إن كانت من بلدٍ منفتح وتتمتع بحرية في التنقل والتحرّك ثم انتقلت بعد الزواج إلى بلد آخر لا تستطيع فيه الحركة إلا ضمن ضوابط قاسية فهذا من شأنه أن يورث ضغوطاً نفسية عميقة في حياتها وسيؤثّر ذلك بدون شك على طريقة تعاملها مع زوجها..
ومسألة أُخرى قد تشكِّلُ تخوّفاً عند الفتاة وهي أنها ستكون في بلدٍ لا تعرف فيه أحداً إلا زوجها وعائلته.. فماذا لو حصل خلاف بينها وبينهم؟ أو بينها وبين زوجها على وجد أخصّ؟ ثمّ إنّ المرأة أو الرجل قد يُصدمان بأمور في الطرف الآخر بعد الزواج.. فماذا إن كان الزوج قد ادّعى أموراً ليست فيه.. أو أن الزوجة صدمت زوجها بمعطيات لم يكن يعرفها عنها.. ثم أصبح التأقلم حلماً يراودهما والنفور سيد المواقف بينهما؟! إلى مَن ستشكو همّها؟ ومَن سيكون الحكم من أهلها؟ ومَن سيكون مرجعيتها ليعود الزوج إليه؟
ثم في حالات المرض والحمل والوضع.. مَن سيخدمها ويراعيها ويعينها؟!
وإن قدّر الله تعالى وأكرم هذه العائلة بالأولاد فعلى أي التقاليد سيربّونهم؟ عادات الأم أو الأب؟ ومن ناحية أُخرى فهؤلاء الأولاد سيكونون منقطعين عن أهل الطرف الذي هاجر من بلده ولا يزورونهم إلا مرة في السنة ربما.. فصِلة الرحم تكاد تكون مقتصرة على المكالمات الهاتفية التي تقلّ كلما كانت الطبقة فقيرة ولا تستطيع تحمّل تكلفة هذه المهاتفات.. أو ربما يرونهم عبر أسلاك الشبكة العنكبوتية في برامج الاتصال.. ولكن مَن سيتلذّذ بمثل هذا التواصل ويقبل به كعوض عن التواصل المباشِر وجهاً لوجه وعن القبلات المُحِبّة والأحضان الدافئة والعناق الحاني بين الأهل وأولادهم وأحفادهم؟!
ثم ماذا سيحصل إن مات الزوج لا قدّر الله تعالى.. هل ستبقى الزوجة في بلد غريب لوحدها تنتظر مراعاة أقرباء زوجها أم ستعود مع أطفالها ذوي الجنسية المختلفة عن بلدها الأم لتقوم بتجديد الإقامات لهم سنوياً عدا عن أنهم لن يتمتعوا بحقوق المواطنة ولا الاستفادة من الضمان الاجتماعي والطبي والتعليمي وغيرها بسبب منعهم جنسية الأم في بلدها..
تخوّفات كثيرة قد تسيطر على التفكير ولا يكفي "الحب" وحده بأيّ حال من الأحوال تجاوزها.. فلا بد التفكّر ملياً.. ولا بد من التثبت والتوثّق من سلامة الخلق والدين ومن إمكانية التعايش في مجتمع جديد وبعيد..
ولئن كان الارتباط بسبب اغراءات مادية وانبهار لمسمّى وظيفي أو اجتماعي فهنا تكمن المصيبة ولا ينبئ هذا الزواج بخير!
"كلما كان الزوجان من بيئة أقرب فإن هذا يوفر أسباب نجاح الزواج.. الأصل أن يكونا من بيئة واحدة فكرية وثقافية واجتماعية: هذا هو الأساس.. وإن نجحت تجارب أو حالات معينة فيمكن تصنيفها بالإطار الاستثنائي وليس الأصل".. هذا كان جواب أحد الإخوة حين سألته عن هذا الموضوع.. وتبقى وجهة نظر!
الزواج.. القرار الأخطر في الحياة فسعادة المرء تترتّب عليه.. يجب أن يُدرَس مشروعه من كل النواحي دراسة شاملة كاملة وبوعي وتفكر وحكمة.. دون إغفال الاستشارة والاستخارة والدعاء بالتوفيق والسداد..
وإن روعيَت الشريعة في الزواج الذي هو وسيلة وليس غاية بحد ذاته.. فحينها قد تخف المشاكل بشكل كبير.. ولكن أين نضمن هذه النظرة وهذا الانقياد الكامل للقرآن والسنّة.. وتطبيق أحكامه في كل فكرة ولفتة ونظرة وشعور وتفكير وتصرف!
ولئن كان العرف هو مرجعية الكثير من الناس فكيف سنضمن عدم حدوث مشاكل جراء اختلاف العادات والأعراف بين بلد وآخر؟ وأحياناً الاختلاف يكون حتى في الأخذ بأقوال الفقهاء في الشريعة نفسها! وهذه أيضاً مشكلة!
بقي أن أقول.. إن الغربة هي غربة الدّين وليست غربة البلاد والحدود! والزواج هو ترجمة لعلاقة الدِّين بالحياة وليس علاقة الحياة بالعادات والأعراف! وتبقى وجهة نظر!