أقسمت أن أقول
أ.د/
جابر قميحةأخي وصديقي المهندس أشرف يحبني وأحبه ، فقد عشنا صديقين حميمين ومازلنا ، ويحكمنا قوله تعالى " ... وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ... " الحشر 9 ) . وتدور بيننا مساجلات ومحاورات في جلسات أسرية طيبة . وبالأمس بادرني قائلا :
إن مقالك الأخير عن اللغة العربية وقدرتها وعظمتها كان مقالا طيبا نافعا هادئا ، فيا ليتك تستمر في كتابة هذا اللون بعيدا عن مقالاتك السياسية " الحراقة " .
الحراقة ... ماذا تعني ؟ !
مثل مقال : لا لأبناء الرؤساء ، ومقال : يا مبارك هل تنام ، حتى لا تعرض
نفسك لمتاعب سياسية لا تعد غريبة من النظام القائم .
يا أخي الحبيب أشكرك على هذا العطف ، وذاك التعاطف ، ولكني لو أخذت بنصيحتك هذه ما كنت أنا ...أنا ، بل شخصا آخر غيري، فقد عاهدت ربي أن أقول كلمة الحق التى قد تحمل التحدي ... أو التصدي ، قاصد بها وجه الله سبحانه وتعالى . ولعلك قرآت قصيدتي التي أقول فيها :
وأرصـدُ لـلعلا بـإيـمانٍ يَرُوعُ القيْ ويـنـسفُ صولةَ الطا ويـبـنِي للأُلَى ظُلِموا | قلميفـيـسـمو بالعلا شأْنا دَ، والـسجَّان والسجنا غوتِ، إنسًا كان أو جنّا صروحا صُلبة المبْنى |
ولو أردت غير ذلك ما استطعت ، لأنه التزام رسالي وليس إلزاما من أحد . والالتزام هنا إيمان عفوي بما ينطلق إليه المبدع ، فأصبح هذا الالتزام جزءا من نسيجه النفسي والأدبي ، وهذه التلقائية إذا تخلى عنها المبدع الإسلامي يكون نتوءا خارجا على الشخصية السوية التي ينطلق منها في إبداعاته المتعددة .
**********
وآلية الكاتب المبدع الرسالي هي الكلمة ... الكلمة الحرة المنطلقة من النفس السوية في صدق وأمانة . ومن هنا كان أكثر الأفعال استعمالا في القرآن الكريم هو فعل الأمر " قل " ... إذ استعمل 332 مرة . ويكاد هذا الفعل يلخص الخطوط الأساسية في الإسلام والعقيدة والقيم الإنسانية . ومن ذلك على سبيل التمثيل :
قوله تعالى " قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) الملك 23 – 24
وقوله تعالى " قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ " (11) الأنعام
وقوله تعالى " قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " (26) آل عمران
وقوله تعالى " " قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) " الكهف
وقوله تعالى " " قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ " (90) الأنعام
وقوله تعالى ".... قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119 ) آل عمران
وقوله تعالى " قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ " آل عمران (32)
والمعروف تاريخيا أن الكلمة الحرة البانية تعد جهادا راقيا صادقا ، فالمعروف تاريخيا أن من الآيات المكية قوله تعالى :
" فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52) الفرقان .
وثمة إجماع على أن الضمير في به هو الإسلام وقال بعضهم هو القرآن ، ويقول المعنى : جاهد الكفار لا بالسيف ولا بالرمح .... ولكن بالكلمة القرآنية ، والمنطق الإسلامي .
وذلك قبل نزول آية القتال بسنوات وأعني بها قوله تعالى :
" أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ " الحج (39)
**********
فأنا يا أخي الحبيب أجد لزاما أن أقول ، مستمدا في كلماتي روح القرآن العظيم . ومن حقنا أن نفخر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهت إليه كلمات من ألسنة كافرة أو منافقة متظاهرة بالإسلام ، ومع ذلك تحملها ، واتسع صدره لها ، من ذلك ما قاله له أعرابي بفظاظة " أعطني من مال الله ، لا من مالك ولا من مال أبيك " فأعطأه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رضي .
وآخر يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم في عنجهية وشراسة " يا محمد اتق الله "، فيقول أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله ؟! ثم ولى الرجل ، فقال أحد الصحابة : ألا أضرب عنقه يا رسول الله ؟ فرد عليه قائلا : " بل اتركه لعله أن يكون يصلي " . قال الصحابي " وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه !!! " فيقول الصادق المصدوق " أنا لم أومر أن أشق صدور الناس لأكشف عما في قلوبهم ، فلنا الظاهر ، وعلى الله السرائر " .
ورحم الله عمر بن الخطاب كان إذا قال له رجل " يا عمر اتق الله " يقول " ألا فقولوها ... ألا فقولوها ... ؛ فلا خير فيكم إن لم تقولوها ، ولا خير فينا إن لم نستمع لها ".
فلما رزئت الدولة الإسلامية بأمراء مثل ذلك الذي قال : " من قال لي اتق الله ضربت عنقه " كان انهيار الدولة .
وأكرر أنني بحمد الله أنطلق بقولي مستمدا القرآن الكريم والرسول العظيم والسلف الصالح .
**********
اعلم يا أخي الحبيب أن السكوت والمداهنة في الجو السياسي الذي نعيش فيه إنما يمثل خيانة كبرى لله وللحق وللوطن ، وقد كدت أتقايأ حينما قرأت أن السيد أنس الفقي وزير الإعلام جند عددا من المغنيين من أمثال شعبان عبد الرحيم ليغنوا أغنيات في التعبير عن سعادة الشعب بوصول مبارك سالما إلى أرض مصر ، وما ينفقه سيادته على هذه " التفاريح " يكلف الدولة من مال الشعب ملايين الجنيهات ... الشعب الذي يتطاحن إلى درجة القتال والقتل من أجل رغيف الخبز . وأقول ألا لعن الله المنافقين ، المستهينين بالشعب وأمواله .
وكيف أعطي قلمي هدنة وأنا أرى فصيلا من أنقى وأطهر وأرقى أبناء أمتنا مازالوا في السجون وراء الجدران السوداء ، بأحكام عسكرية بسبب تهم معدومة ... لا وجود لها في الواقع . ومازال زوار الفجر من رجال مبارك يقبضون على الأبرياء ، ويقتحمون البيوت في الفجر فينتهكون حرمة كل من في المنزل من رجال ونساء وأطفال ويصادرون الأموال وحلي النساء ، ثم يتركون المسكن خرابا مدمرا ؟
ولماذا لا أقول وأنا أقرأ أن المستشار جودت الملط، رئيس «جهازالمحاسبات»، أكد صحة اتهام النائب المستقل كمال أحمد الحكومة بمخالفة القانون فى قرار توجيه ٢٤.٣ مليار جنية قيمة الفائض الاكتوارى من صندوق التأمينات والمعاشات إلى باب الإيرادات، وقال الملط إن هذا يخالف المادة ٨ من قانون التأمين الاجتماعى ؟!!.
ولماذا لا أقول وأنا أقرأ عن الفضيحة التى كشفها النائب الدكتورحمدي حسن من إن المبلغ الضائع وقيمته 1272 مليار جنيه تجاهله تقرير لجنة الخطة والموازنه ، وهو جريمة في حق الوطن والمواطنين ، وتوضيحا لما يمثله هذا المبلغ في الميزانية يقول أنه :
· يتعدي الناتج الاجمالي كاملا للوطن
· ويبلغ 14 مرة ضعف العجز الموجود والذي تعاني منه الموازنة
· ويبلغ 5 مرات ضعف الايرادات العامة للدولة {البترول – قناة السويس – الشركات والمصانع – الجمارك والضرائب .}
· ويبلغ 4 مرات ضعف التفقات العامة للبلاد { الصحة والتعليم والمياه والصرف والرصف و الطرق و..... }
**********
ولماذا لا أقول وأنا أرى السيطرة الإعلامية في العهد المباركي لمن يحسن التطبيل والتزمير وحمل المباخر والرقص في الأوقات الأصلية والأوقات الضائعة ، فهؤلاءأصبحت لهم السيادة على القنوات الفضائية ، والإذاعة ، والصحف ، المباركية ، المسمات دجلا بالصحف القومية . وهؤلاء جميعا أطلقتُ عليهم تسمية " مدرسة المستنقع " ، ومهمتهم تبرير أخطاء الحكام ، وتشويه سمعة كل من يتمسك بدينه وكرامته ، والإزراء بكل من يدعو إلى الحرية والكرامة والخلق النبيل ، فحدث اختلال شنيع في المعايير والمقاييس : فالدعوة إلى الحرية تهور واندفاع ، والدعوة إلى التحشم رجعية وظلامية ، والتمسك بالدين طائفية تجر إلى الفتن ، والتقاتل الطائفي . ؟
وكيف لا أقول وأنا أرى في دستورنا مادتين تمثلان عارا سياسيا ونفسيا وعقليا هما المادة 176 ، و177 . وأرى لرئيس الجمهورية اختصاصات وسلطات لم تكن لملك أو رئيس في التاريخ كله ؟
وكيف لا أقول وقرارات رئيس الجمهورية تعد قانونا . مما يجعلنا نقول : إن الرئيس أصبح هو الحاكم والدستور والقانون والإرادة والحكيم الأوحد ؟
**********
وما ذكرته يمثل قليلا جدا من مظاهر المأساة التي نعيشها في ظل حكم " الحزن الوطني الديمقراطي " الذي يدعي أنه حزب الأغلبية .
وأخيرا أقول شكرا لك أخي وصديقي الحميم عطفك وعواطفك ، وخوفك علي من زوار الفجر ، فنحن لا نخشى إلا الله الذي أدعو أن أكون ممن قال فيهم " الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) آل عمران .