أوراق الزمن المجهول 2

شمس الدين العجلاني

أوراق الزمن المجهول

نزار قباني وزهراء آق بيق

لم تستطع أن ترى زوجها في عيون النساء

1946 – 1952

( 2 )

شمس الدين العجلاني

[email protected]

منذ عام 1952 م إلى عام 2005 عاشت في الظل ، و على ذكريات أيام قضتها مع زوجها العاشق ، عملت في التدريس ، لم تكن تلتقي مع احد ، و لا تحب ان تتكلم عن حببيها الذي طلقها ، و الذي أضحى شاغل الدنيا و اسمه على كل لسان .. لم يعرف عنها شيئا .؟ لم ترغب بالحديث يوما إلى الصحف و المجلات .؟ و حين جاءها الأجل لم تذكر أي وسيله إعلاميه خبر وفاتها ، و لم تنشر لها أي صوره .؟ كل ما يعرف عنها أنها الزوجة الغيورة التي كانت يوما زوجه اكبر شعراء القرن العشرين . إنها زهراء اق بيق ، الزوجة الأولى للشاعر الراحل نزار قباني .

من هي زهره آق بيق :

صبية ممشوقة القامة , ذات الشعر الغزير الأسود , والبشرة الشمعية النقية الملساء , والعينين العسليتين , سيدة شامية، خجولة، أصيلة، ناعمة! هذه هي زهراء

آق بيق ابنة القاضي والنائب في مجلس النواب السوري في أوائل الخمسينات محمد آق بيق , الذي عرف بنزاهته و حكمته ، و كان يوما ما على ألسنه أهل الشام يقصون القصص عن حكمته ، فيقول عنه الصحفي سعيد الجزائري ( مجلة الصياد اللبنانية – حزيران 1945 ) : ( شخص قصير القامة , من طراز إبراهيم حيدر وبدوي الجبل وعباس الحامض ! يرتدي ثياباً عادية , عادية جداً يلبس مثلها وأحسن منها المحضرون في محاكم الصلح , لا رئيس محكمة الجنايات الأستاذ محمد اقبيق ... يخرج من المحكمة وهو يحمل خمسين إضباره تحت إبطه ويذهب رأساً إلى بيته , وفي الصباح ينتقل من بيته رأساً إلى المحكمة حيث يستعرض القتلة واللصوص وأولاد الحرام والأفاضل الأماثل " أصحاب الكيف " من الحشاشين والخرمانين والدجالين ... وهذا الرجل كما يسميه بعض الأساتذة المحامين أعجوبة تضاف إلى أعاجيب القرن العشرين , فما هي " ماركة الأعصاب " التي يحملها موظف كبير يعيش في عاصمة كبرى كدمشق , ولا يعرف فيها القهاوي والأندية والكباريهات والحلقات والشائعات , ولكنه يعرف الدوسيهات والقوانين ومواد الجزاء ومواد الحقوق , ويكتشف السرقات ويظهر الجنايات ! الذي نكشف الستار عنه الآن , فنقول أنه هو القاضي الذي يعيش لدى الصحفيين في سورية ولبنان ومصر بين الأساطير , وهو الذي برأ موظفاً صغيراً في وزارة الإعاشة ثبت أنه سارق !., وقد جاء في حيثيات البراءة – وقد نشرتها صحف العالم العربي في حينها " أنك سارق صغير برأتك المحكمة , لأن كبار الموظفين الذين يسرقون بالأطنان والقناطير لاتسوقهم الأقدار إلى دوائر العدل وتحقيقات القضاة وأحكام المحاكم (هذا هو محمد آقبيق الذي أعرفه من بعيد ولا يعرفني لا من بعيد ولا من قريب , وهو لا يعرف أحداً من الناس لأنه بعيد عن الناس !.) هذا هو والد زهراء و في هذه البيئة الاجتماعية نشأت ابنته زهراء .

 فكانت على مرتبة عالية من الخلق و الأخلاق ، و يروون عنها قصصا كثيرة في العمل الإنساني و مساعده المحتاجين ، فروت لي إحدى قريباتها ( من عائلة اق بيق ) أن زهراء كانت في زيارة لإحدى صديقاتها في ليلة من ليالي الشتاء القارص ، و كانت ترتدي معطفا جديدا ، فشاهدت فتاة فقيرة في الشارع ، ترتعد من البرد ، فخلعت المعطف و ألبستها إياه ، و عادت إلى المنزل ترتعد من البرد بدون معطف ، كما اشتهرت في حيها انها كانت تقيم الولائم بصوره شبه منتظمة للفقراء في منزلها .

الزواج :

زهراء الصبية السمراء كانت تتردد على منزل توفيق قباني , بحكم القرابة مع عائلة نزار , وكانت تتبادل نظرات الإعجاب مع الشاب نزار .. فكان بينهما الحب التقي النقي , وكانت أم المعتز ( والده نزار قباني ) تتمنى أن يتزوج نزار من هذه الصبية الدمشقية التي عاشت في بيئة اجتماعية محافظة .. فكان ذلك , و قيل بل كانت اختياره هو، وتزوجها دون موافقة والدته، وبالرغم عنها. فتقول رنا قباني ابنة الدكتور صباح شقيق نزار : ( كانت اختياره هو وتزوجها دون موافقة والدته، وبالرغم عنها. )

وتمت الخطبة بينهما في دمشق عام 1946 , والزواج في نفس العام في القاهرة حيث كان يعمل دبلوماسيا في السفارة السورية .. وأنجبت الابنة الأولى هدباء عام 1947(هدباء توفيت في نيسان 2009 ) والولد الثاني توفيق عام 1950 ( توفي بمرض القلب وكان عمره آنذاك 22 عاماً ) وفي عام 1952 حصل الطلاق .؟ برغم الحب الكبير القائم بينهما ..؟ وعادت زهراء من القاهرة لدمشق مع ولديها لتعيش في الظل حاملة معها خيبة الأمل والمرارة .. لفقدانها حبها الكبير نزار قباني , عادت لدمشق لتعمل مدرسة في مدرسة عبد القادر الحسيني ، بعد زواج دام سبع سنوات .

الطلاق :

عن زهراء يقول الصحفي الكبير عبد الهادي البكار ( مجلة روز اليوسف 18-5-1998 ) :( تزوج نزار , بعد سنوات من انتسابه إلى السلك الدبلوماسي السوري ، من قريبة له هي (( زهراء آقبيق )) أم ابنه توفيق , وابنته هدباء . وقد جاء زواجه بها في مرحلة البدء بإقلاعه نحو عالم الكفاح الصعب بسيف الشعر ، ونحو آفاق الشهرة . كانت (سيدة بيت) نمت وترعرعت في بيئة اجتماعية محافظة شامية تقليدية . وكانت اتصالات ورسائل (المعجبات) قد بدأت تنهمر على نزار انهمار المطر من شتى أرجاء الوطن العربي في وقت كان فيه نزار , وسيما كغمامة بيضاء , أنيقا رشيقا , قويا رقيقا في آن , لم تكن لدى (( زهراء )) قوة تعينها على تحمل أن يكون (( زوجها )) لها ولغيرها , وكما روى لي نزار , فقد كانت تسارع إلى (( تمزيق )) رسائل المعجبات فيه وبشعره . ولم يكن ثمة مفر من تصادم (الماضي المحجر ) . بالمستقبل الآتي الأكثر تطورا وجمالا فطلقها بالحسنى .) و يتابع البكار قائلا : (روت لي ( حماتي ) الفاضلة السيدة نزهت حرم والد رفيقة عمري هالة المرحوم الدكتور محمد أسعد طلس ,أمين عام وزارة الخارجية السورية عام1949 , مؤخرا أن (أهل زهراء ) توسطوا لدى زوجها الدكتور طلس لإصلاح ذات البين بين نزار وزهراء . إلا أنه سرعان ما توقف عن الاستمرار بالتوسط وبذل (مساعيه الحميدة ) , وكان يقول للسيدة نزهت : ( عودة نزار كزوج , إلى زهراء مستحيلة , فهو من طينة , وهي من طينة أخرى).

اما سهام ترجمان فتقول في كتابها ( يا مال الشام ) : ( تزوج نزار قباني من قريبة له تدعى زهراء أق بيق ، فولدت له توفيق و هدباء و ذلك بعد انتسابه للسلك الدبلوماسي السوري , و خلال بداية انطلاقته الشعرية و إبحاره في عالم الشهرة , لم يكن لدى زهراء القدرة على احتمال رسائل المعجبات به و بشعره فكان هناك صدام بينهما انتهى بالطلاق )
كان الشاعر الشاب يحب زوجته زهراء حبا جما , وكانت ملهمته وشيطان شعره , و كان ديوان (( قالت لي السمراء )) أول باكورة إبداع المبدع , قد أهداه إلى زهراء , وكتب إهداءه بحرف (( ز )) , وكان ذلك قبل زواجه بها بعدة أعوام . وكتب على النسخة الأولى التي قدمها إلى زهراء إهداء قال فيه :( لزهراء .. آفي بي .. فمن يجيء بشعر مثل هذا .. من زهرة الأنبياء .. ؟ ! )

و نزار حذر حبه الأول زهراء ووضع لها خطا أحمرا في علاقتهما و هو الشعر فلا يمكن لأي مخلوق في الدنيا التعدي على الشاعر و شعره ، و يبدو ان زهراء لم تستطع أن ترى زوجها في عيون النساء .. لم تستطع أن تفرق بين نزار الشاعر, ونزار الإنسان .. فحصل الطلاق ، و عاشت بقية حياتها في الظل على ذكرى حبيب ، و سيره حب كانت هي بطلتها ، وبقي نزار أول وآخر رجل في حياة زهراء آق بيق .

توفي نزار قباني في 30 نيسان عام 1998م، وكانت لم تزل زهراء على قيد الحياة ، و تلقت الصدمة بصمت ، صحيح أنها نادرا ما كانت تلتقي أو تسمع صوت نزار يخاطبها ، و لكنها كانت تعيش على ذكرى أيام قضتها معه فتعطيها هذه الذكرى الأمل و القوة في الحياة . و عاشت زهراء عده سنوات بعد رحيل الشاعر، و ماتت بصمت و سر علاقتها بنزار مات معها ، لم يتذكر احد ان يرثيها ، و لم تذكر أي وسيله إعلاميه خبر وفاتها ، فقد عاشت بصمت و ماتت بصمت . اللهم سوى كلمات قليله صدرت عن ابنتها هدباء حين عرض مسلسل نزار قباني عام 2005 على شاشات التلفزيون فقالت هدباء أن أمها تشاهد العمل الدرامي وفي غاية الاستياء منه ويعود هذا الاستياء إلى الأخطاء الكبيرة حول بيتها وحياتها . توفيت زهراء آق بيق عن عمر يناهز الثمانين عاما في دمشق و توارت معها قصة حب كبير جمعها مع شاعر القرن العشرين نزار قباني .

يتبع

منير العجلاني يقدم نزار قباني للعالم