"الاقتصاد" يحكم العالم
"الاقتصاد" يحكم العالم
هايل عبد المولى طشطوش
[email protected]
ما
ان افلت شمس الاتحاد السوفيتي خلف جبال الجليد المتجمدة وانتهى زمان النظام
الاشتراكي كأيدلوجيه اقتصاديه عالميه ذائعة الصيت دان بها عشرات الدول لعشرات
السنين ، حتى ازداد سطوع شمس النظام الرأسمالي وخاصة بعد ان اخذ يتربع على عرش
العالم كايدولوجية اقتصاديه واجتماعيه وحيدة ذات نفوذ قوي وسطوة جبارة ، وأخذت تغزو
دول العالم دوله تلوى الأخرى وخاصة الدول المستقلة عن الاتحاد السوفيتي التي بدأت
تدخل في إطاره بشكل منقطع النظير طمعا وأملا في التخلص من براثن القيود الشديدة
التي كان يفرضها النظام الاشتراكي على الإنسان ومعيشته –من وجهه نظرها على الأقل -.
ان
الأسس التي يقوم عليها النظام "الاقتصادي القديم- الجديد " هي أسس براقة مزركشة
جميله تغري الناظر إليها من الخارج على أنها توفر له العيش الكريم والرغيد من خلال
كميات الأرباح التي يجنيها كل من يتعامل وفق الأسس الراسماليه ،ان أول هذة المبادئ
والأسس هو تحقيق الحد الأقصى من الأرباح باستخدام نظام المنافسة الحرة البعيدة عن
القيود والضوابط المعيقة ، ولا يتم ذلك إلا من خلال حرية السوق وسهوله انسياب
البضائع والإنتاج دون قيود جمركيه وعوائق جغرافيه ، من هنا برزت الحاجة – وفقا لهذا
النظام – الى فتح العالم كله كسوق واحدة يتم فيها سيلان البضائع بسهوله ويسر ، لا
شك ان المستفيد من تحقيق هذة المطالب هو الدول الغنية صاحبه رؤوس الأموال وصاحبه
الصناعات القوية التي تقوى على المنافسة والدول التي تحوي في إطارها أهم أدوات
الاقتصاد العالمي الرأسمالي وهي الشركات المتعددة الجنسية التي بدأت تدخل كلاعب
جديد في العلاقات الدولية ينافس الدول –بل يتغلب عليها – وذلك لان قوة كثير من هذة
الشركات تفوق قوة كثير من الدول وان موازناتها تفوق بعشرات المرات موازنات كثير من
الدول ،بل ان بعضها يفوق عدد عمالها المليون عامل وان البعض الأخر له أكثر من 100
ألف فرع في أنحاء متعددة من العالم ،لذا فقد بدأت مرحله جديدة من السيطرة والهيمنة
على العالم وهي سيطرة اقتصاديه بحته ، ولمزيد من الفائدة لا بد من إلقاء الضوء على
أهم أدوات واذرع السيطرة الاقتصادية الجديدة وهي :
الشركات المتعدية (المتعددة ) الجنسية:
إنها شركات كبرى يتجاوز نشاطها حدود الدول القومية ذات السيادة والجنسيات المختلفة
وتصل أعمالها الى بقاع الأرض كلها ، وكما أسلفنا فقد بلغت قوة بعض هذة الشركات درجه
تجاوزت قوة الكثير من الدول المستقلة ذات السيادة ، إن مما يزيد من قوة هذة الشركات
ويدعم نفوذها أسباب كثيرة يمكن ان نوجزها فيما يلي :
1.الدعم الكبير الذي تتلقاه هذة الشركات من الحكومات الأم على الصعد كافه ،ماليا
وسياسيا واقتصاديا مما دفع بهذة الشركات الى ممارسه ادوار متعددة أهمها التدخل في
خصوصيات الدول المضيفة السياسية والاقتصادية والامنيه والاجتماعيه .
2.ضعف كثير من الدول المضيفة إمام جبروت وقوة هذة الشركات مما يجعلها عرضه
للاستغلال والابتزاز رغبه في تحقيق بعض المكاسب التنموية نتيجة للضغوط الشعبية التي
تتعرض لها الحكومات في كثير من الدول .
3.استغلال الشركات للنزاعات والخلافات المحلية في كثير من الدول لتدخل كوسيط يدعم
طرف على حساب طرف أخر مما يمنحها موطئ قدم ونفوذ في هذة البلاد .
لقد
تزايد الدور النسبي للشركات الكبرى في العلاقات الدولية وأصبحت من اللاعبين
الرئيسيين في السياسة العالمية نتيجة لما تتمتع به من قوة ماليه وسياسيه لذا فقد
بدأت تمارس أدورا مختلفة تتمثل بما يلي :
1.استغلال خيرات وثروات الأمم الضعيفة والدول الفقيرة مقابل عوائد بسيطة بالإضافة
الى تحويلها الى سوق استهلاكية ضخمه لمنتجاتها .
2.التدخل في الشؤون السياسية لكثير من الدول وخاصة الدول النامية والضعيفة وإجبارها
على اتخاذ سياسات وقرارات محددة .
3.التحكم بالتكنولوجيا المتقدمة واستخدامها كوسيلة ضغط على الدول النامية لإجبارها
على اتخاذ قرارات سياسيه تتوافق مع سياسات الدول الأم لهذة الشركات .
4.تعمل هذة الشركات كوكيل عن الدول الأم في دول العالم المختلفة بأمور كثيرة سياسيه
واقتصاديه تخدم مصالح هذة الدول (الكبرى ) الأم لهذه الشركات .
5.أصبحت تمارس أدورا عسكريه مختلفة مثل إثارة النزاعات والحروب واستغلال بؤر التوتر
في المناطق المختلفة من العالم وخاصة شركات صناعه السلاح التي ترى ان استمرار
النزاعات والحروب هو من أولى مصالحها لتبيع اكبر كميه من إنتاجها للأطراف المتحاربة
.
6.تمارس هذة الشركات ادوار سياسيه داخليه في بلادها الأم ، حيث تقوم بدور جماعه
وقوة ضغط بهدف دعم مرشح رئاسي معين وإيصاله إلى سدة الرئاسة على حساب مرشح آخر وبما
يخدم مصالحها المستقبلية .
7.ممارسه ادوار اجتماعيه وإعلانيه- سلبيه- ،حيث تعمل على نشر قيم ومفاهيم وثقافة
الاستهلاك في كثير من الدول من خلال استغلال وسائل الإعلام المحلية المتاحة والتي
أحالت دول العالم النامي الى سوق استهلاكية كبرى متلقيه لا منتجه لصناعات وبضائع
هذة الشركات .
8.إجبار الدول النامية على إتباع سياسات اقتصاديه معينه تخدم مصالح هذة الشركات بل
أنها تتدخل في بنود ميزانيات بعض الدول من خلال تقييد هذة الدول بشروط صعبه ومقعدة
من خلال العقود التي تتم بينها وبين هذة الشركات وفي حال الرفض يتم تطبيق هذة
الشروط القاسية والتي تدفع بهذه الدول الى حافة الانهيار السياسي والاقتصادي .
لقد وفرت التطورات التقنية الحديثة والتقدم العلمي الهائل الارضيه الخصبة للاقتصاد
الرأسمالي ليحكم العالم وبكل سهوله ويسر وخاصة ان وسائل الاتصال والمواصلات الحديثة
تتخذ من الدول الكبرى المتقدمة اقتصاديا مقرا لها ،مما يوفر سهوله الاتصال مع
الأطراف المختلفة وفي بقاع العالم ويؤمن أقامه التحالفات الكبرى بكل سهوله ويسر ،
يضاف الى ذلك ان متغيرات العولمة ساهمت ويسرت لهذة الدول الكبرى ومن خلال الأدوات
المالية العالمية – كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي و ما تفرضه من شروط قاسيه-
سهوله تحكم الدول الكبرى باقتصاد العالم كله .
وسائل الحكم الاقتصادية العالمية :
إن
نهاية القرن الماضي وبداية القرن العشرين هي بداية تفوق الاقتصاد كقوة تحكم العالم
وتتفوق – من خلال الأدوات المختلفة- على القوة العسكرية والسياسية حيث بدأت
هذة القوة تجند كل ما لديها من قوة استعدادا لحكم العالم ، وان مما عزز هذة القوة
ورفع من شانها هو ظهور حقبه (العولمة) ،حيث ان ظروف العولمة قد أتاحت حرية انتقال
رؤوس الأموال مما ساهم –ظاهريا – بتحسين الأوضاع الاقتصادية لكثير من دول العالم
النامية من خلال استقطاب الكثير من المشروعات الاستثمارية التي تخدم وتنشط
اقتصاديات هذة الدول ، ولكن في الحقيقة ان هذة المشاريع ما هي إلا وسائل وأساليب
تخدم مصالح الشركات الكبرى التي لا يعنيها كثيرا ظروف البلد الذي تستثمر فيه ، ان
هيمنة الدول الكبرى الغنية والشركات المتعددة الجنسية على اقتصاد العالم تم من خلال
استخدام طرق ووسائل مختلفة تمثلت بما يلي:
1.تكريس تبعية اقتصاديات الدول النامية لها :
ان
الانفتاح على الاقتصاد العالمي من خلال انضمام كثير من الدول النامية الى منظمه
التجارة العالمية قد كرس تبعية اقتصاديات هذة الدول للاقتصاديات القوية التي تمتاز
بالتقدم الصناعي والتكنولوجي الهائل وجعلها في مهب الريح لأنها اقتصاديات ضعيفة لا
تقوى على المنافسة في ظل حرية السوق التي يحيا في ظلها الاقتصاد العالمي .
2.الإبقاء على الصناعات الوطنية ضعيفة وهزيلة :
ستبقى كذلك لأنها تابعه لاقتصاديات ضعيفة أصلا وخاصة في ظل تدفق السلع والبضائع
العالية الجودة فان قدرة هذة الصناعات على المنافسة معدومة وليس أمامها من حل سوى
الخضوع لقوى السوق الرأسمالية وشروطه القاسية .
3. استنزاف موار الدول الضعيفة وثرواتها :
إنها أداة هامه من الأدوات التي تتحكم بها القوى ألاقتصاديه العالمية باقتصاد
العالم وبالتالي سياسة العالم ، فقد أسلفنا قدرة هذة الشركات على اختراق الدول
الضعيفة وبوسائل مختلفة وممارستها للضغوط المتنوعة على الدول النامية لاستخدامها
كمنجم متكامل للموارد الاوليه الهامة واللازمه لاستمرار صناعتها ، لذا فهي تمارس
عمليه نهب منظمه لخيرات وثروات هذه البلاد دون ان يكون لدى هذة الدول القدرة على
الاعتراض او الرفض .
4. تحويل الدول النامية الى سوق استهلاكية كبرى :
ان
النمط الاستهلاكي هو ما يميز مرحله السيطرة والهيمنة الاقتصادية التي يعيشها العالم
وخاصة الدول النامية منه التي تحولت الى سوق كبرى لتصريف منتجات وبضائع هذة الشركات
والتي في غالبها بضائع غير صالحه للاستهلاك البشري او أنها ليست بالجودة والمواصفات
المطلوبة ،بل ان الغاية منها هو استنزاف الأموال وتحقيق الأرباح .
5. التحكم بالتكنولوجيا والبحث العلمي :
إنها سلاح ضغط فعال تمارس من خلاله الشركات الكبرى والدول الغنية استغلالها للدول
النامية ، فهذه الشركات عندما تقدم على الاستثمار في الدول النامية فإنها لا تجلب
معها الا الصناعات الاستهلاكية او القديمة او المتقادمة تكنولوجيا او كثيفة العمالة
او الملوثة للبيئة ليس إلا ، إما الصناعات المتقدمة علميا وتقنيا والاستراتيجيه
فإنها تبقيها في وطنها إلام وتحتكرها في مقراتها الرئيسية .
ان
وسائل تحكم الاقتصاد بمصير العالم اكبر بكثير مما ذكرنا فقد تعدى ذلك لممارسه ادوار
اجتماعيه وثقافيه وحضاريه على شعوب العالم النامية خصوصا ،لذا فان الدول الغنية
الكبرى والمتقدمة تقنيا والتي تمتلك ناصية القوة الاقتصادية ستبقى هي المتحكم بمصير
العالم لان هذة الحقبة هي حقبه الأرقام وحقبه من يملك ناصيه العلم والمال والتقنية
لأنها مؤهلات حكم العالم اجمع ،لذا فان على الدول النامية اتخاذ خطوات جادة وجريئة
تساعدها على التحكم بمصيرها بنفسها والتخلص من تبعية الدول الغنية ،وسنتطرق للحديث
عن مثل هذة الوسائل في مقاله قادمة إنشاء الله.