بين دين الدكان ودين الإنسان
بين دين الدكان ودين الإنسان
حبنكة والخطيب نموذجا
مهداة إلى روح الشيخ صادق حبنكة
علاء الدين آل رشي
(حبنكة والخطيب ) عائلتان دمشقيتان كريمتان ، لا أشعر بأي حرج في اعتمادهما كأسرتين علميتين أنموذجا لرجل الدين المستقل المؤمن برسالته لا الممتهن لها ، كما كانتا مثالين رائعين في اقتفاء منهج العلماء الربانيين ، إذ تعد العائلتان نموذجا لرباطة الجأش واحترام المبادئ والمواثيق الإسلامية .
قد يعترض قائل فيقول : إن النتاج الفكري للعائلتين قليل وغير منشور كما أن (حبنكة والخطيب) لم يحملا في سلالتهما تميزا فقهيا ، أو علامة فارقة في قراءة النص الديني ، أو استحضار معان مغيبة؛ قديكون هذ صحيحا إلى حدّ ما وليس بالإطلاق ، بل قد يختلف المرء مع بعض دلالة مواقفهما المعرفية ، وقد تتباين دقة المواهب والرسوخ في العلم بين كل من الأسرتين إلا أن أثر هاتين العائلتين كبير جدا كما أن المشترك بينهما أكبر فلا يستطيع أن يمر استقصاء لأسر العلم والفضل والوطنية دون الإتيان على ذكر هاتين العائليتن الكريميتن وغيرهما من العوائل المشهود لها بالفضل والمشيخة العلمية ( كالفرفور، والرفاعي ) .
تصرف العائلتان (حبنكة والخطيب ) كالقادة الكبار فعملا على :
· اكتساب القلوب لا الجيوب.
· اصطياد المشاعر لا الولائم.
وأحرزا تقدما ملحوظا في هذا الطريق.
سلك كل من (حبنكة والخطيب ) منهجا واضحا يتميز بالتسامح والكف عن الملامة ، أو زج الخطاب الديني بما لا يحتمله.
كانت قيادة (حبنكة والخطيب) للعمل الديني تهدف تأسيس خطاب مستقل غير مطواع إلا لمصلحة الشرع أو الناس ، كما نلحظ أنهما تواضعا على جملة من الاختيارات أو الاعتبارات ، كانت بمثابة الخندق التي تحول دون اقتحام بيضة وكرامة الإسلام وهي بمثابة القوانين العملية وليست النظرية والتي منها مثلا :
· يمنع تحويل الدين إلى دكان فالدين ليس حرفة أو مزية وإنما هو تكليف وهداية.
· يحرم المساس بقدسية المنبر وقد حرصا على نظافة المنبر فأبقياه نورا على نور.
وقد كان لقوانين الخطيب وحبنكة الأثر الكبير في ذلك الزخم الشعبي الملحوظ مما أسهم في إ يجاد ذاكرة شعبية قوية عمادها النقل الموثوق الذي يتحدث عن مآثر ورجولة وشهامة هاتين العائلتين ، وريادة في استقلالية ملحوظة .
شكلت مواقف (حبنكة والخطيب) أشعة كرامة في زمن انحدار وانحطاط العمل الديني ، فمن خلال استعراض مواقف حبنكة أو الخطيب ندرك أن العائليتن قد التزمتا منهجا وسطا بعيدا عن الانبطاحية أو المواجهة ، قريبا من الحرص على الوطن والنفع العام وسيبدو الفارق جليا عند عقد أي مقارنة بين عوائل لها قدم ورسوخ وثقة في خدمة الدين كالخطيب وحبنكة ، وبين منتفعين عاشوا في دعة والاسلام ممتهن مهيض الجناح أوعاشوا في يسر والدين ممتحن أو سمنوا والدين رق ونحف .
من حق المرء أن يتساءل ماهو المنهج الملتزم لكل من العائلتين الكريمتين ؟
في تقديري أن السمة العامة لذلك المنهج :
· أنه لم يعرف عن العائلتين أي فكر تكفيري وهما بهذا أصلا نفي النفي وفكر التكفير ، مما حال دون انتشار رصاص الفتن ونار التجهيل ، الأمر الذي قطع مستقبلا نشوء أي جذر في المجتمع السوري للتكفير وقد جنبا بذلك مدرستيهما الكثير من المخاطر والآثار المترتبة من تلك النظرة القاسية .
وقد التزمت الأسرتان مذهب أهل السنة والجماعة الذي يلزم التريث وعدم المسارعة في التكفير والتشهير.
· حرصا على تفهم عادات وتقاليد بلدتهما لذلك لم نشهد منهما إنكارا ملحوظا على الأفعال الاجتماعية إلا تلك البدع المخلة بالدين أو بالاخلاق وقد نجد عندهما مهادنة لبعض السائد من الموروثات بغية عدم شق الصف ورزع الخلاف .
· المتفق عليه في جهود العائليتين هو بناء الإنسان ولذلك جنبا دعوتهما السياسة ولم يخوضاها إلا في أوقات اضطرارية وكانت لصالح الدين وليس لحساب تنظيم أو مصلحة شخصية .
· المسؤولية والالتزام ، آمنت العائلتان أنه بالإمكان أن يحظى الاسلام باحترام وتقدير مادام دعاته على صراطه ماضون وعلى دعوته متكاتفون
رغم هيبة وسمعة هاتين العائلتين إلا أنهما كانتا خفيفتي الظل واللقيا ،ولم يعرف عنهما تجهما أو عبوسا .
لقد صدق (حبنكة والخطيب ) المواقف في بلدهما فلم يقيلا أن يعيشا في صمت أو نفاق وتملق بل تكلما بالتي هي أحسن وصمتا حين يكون الصمت كلاما.
وأهم ركائز الدعوة عند حبنكة والخطيب هي الآتي :
· استقلالية رجل الدين .
· الحذر من الاستدراج إلى مواطن الخلاف .
· الاهتمام بالقضايا الكبرى .
· الحرص على سمعة ونقاء الدين .
· حفظ المسافة بين الدين والسياسة .
· لم يطرح الدين بشكل رجعي أو تبريري أو خطاب شعائري غايته حصر مفرداته في مساجد العبادة والعقيدة والأخلاق بل اسسا لمدراس تدرس وتناقش وتحاور المستجدات ، وكان من أكبر ثمارها: (د.محمد سعيد رمضان البوطي ود. عبد الرحمن حبنكة ، وأ.أحمد معاذ الخطيب) .
جوهر التحدي هو في بقاء الإسلام نقيا من الأهواء أو الاحتواء وهما بهذا يقفان سدا ذريعا في وجه المكبوت في النسيج المجتمعي الذي يعيش على النفاق أو الإكراه ويحولا دون أي شرر يتطاير في أي لحظة متوقعة بعد فلتان لابد منه بعد قهر مستديم
من المدهش حقا أنك تجد احتراما ملحوظا للعائلتين حتى عند التيارات الصوفية والسلفية والحركية فحبنكة والخطيب لم يستدرجا الصف الإسلامي إلى إنهاك ومشقة جراء شقاقات أو اختلافات فرعية وقد نأيا عن أي جدل يثير بلبلة أو تفرقة .
إن عائلة حبنكة والخطيب هما شامة في تاريخ العمل الإسلامي السوري ، والسؤال الذي يلح ما هو دور العائلات العلمية في سوريا هل هو حفظ الامتيازات التاريخية التي تحققت لهم عبر تشرفهم بخدمة الدين أم هي اللهاث وراء المصالح الخاصة وتحويل الدين إلى فم يقبل يد الأقوى.