في عيد الأم: ماذا عن الأم الفلسطينية

راسم عبيدات

 ..... أم جاوز عمرها السبعين عاماً محرومة من زيارة ابنها في سجون الاحتلال منذ سنوات، بحجة وذريعة الخطر الأمني، وأم تنتظر خروج ابنها من السجن منذ عشرين عاماً، وأم قتل جنود الاحتلال ابنها بدم بارد أمام عينيها، وأم استُشهِد ابنها في سبيل الوطن، تستصرخ الفصائل الفلسطينية بدم الشهيد والشهداء، إنهاء ظاهرة الإنقسام والتوحد لما فيه مصلحة الوطن، وأم ترملت في عز شبابها فقسى عليها الزمن والوطن، وأم تُكافح في ظل حصارٍ مستمرٍ من أجل تامين قوت عيالها، بعد أن قطع الحصار الأرزاق والأعناق، وأم ودعت الدنيا دون أن تتكحل عينيها برؤية ابنها المسجون، وأم ترفض أن يتزوج ابنها قبل أن يخرج أخوته من سجون الاحتلال، وأم يفصلها عن أبنائها جدار فصل عنصري، وأم غير قادرة على الوصول إلى المسجد الأقصى للصلاة فيه، وأم يدفعها الجوع والعوز والفقر، للوقوف على أبواب مؤسسات الإغاثة للحصول على ما تسد به رمق أطفالها، بعد أن حولوا شعبنا إلى متسولين على أبواب مؤسسات الإعانة والإغاثة الدولية، وأم تحلم منذ النكبة بالعودة إلى مسقط رأسها في وادي النسناس بحيفا، وأخرى تحلم بأن تُدفن في مسقط رأسها في يافا، وأخرى ضاقت بالغربة ذرعاً، وتتمنى العودة للوطن والموت فيه.

أما الحالة الجماعية للمرأة الفلسطينية في عيد الأم، فهي تخرج في مسيرة هنا أو مظاهرة هناك، من أجل إطلاق سراح الأسرى في السجون (الإسرائيلية)، أو تعتصم أمام مقرات الصليب الأحمر من أجل وقف عزل أسرانا وحرمانهم من العلاج الطبي، أو من أجل وقف نزيف  جرح الوطن الدامي، أو للدفاع عن الأقصى والقدس، أو تتمترس أمام (بلدوزر إسرائيلي) من أجل منعه من اقتلاع أشجارها أو هدم منزلها، أو تتعارك مع جنود الاحتلال أو تنقض عليهم لتخليص معتقلٍ من بين أيديهم، أو تتحدث في مؤتمر صحفي لشرح معاناة زوجها أو ابنها في سجون الاحتلال... إلخ.

وكأن هذا الحال لا يكفي المرأة الفلسطينية، ليكون الاحتلال والزمن والمجتمع عليها، فالتمييز يُمارس بشكل صارخ بحقها، من المعاملة في البيت وانتهاءً بحق التعلم أو العمل أو الأولية في التوظيف أو تقلد الوظائف والمناصب العليا، وإذا ما جرى تعينها في مواقع قيادية، ففي أغلب الأحيان تكون المسألة ديكورية وشكلية، وليس تعبيراً عن قناعة أو رؤيا وإستراتيجية. بل وفي ظل ما تشهده المجتمعات العربية من تدهور اجتماعي، وتنامي دور القوى الأصولية ذات الثقافة الإقصائية والعصبوية والإنغلاق والتشدد، نشهد حالة من التراجع الكبير لجهة حقوق المرأة ومساواتها بالرجل، والتمييز في المجتمع الفلسطيني والعربي ضد المرأة مقروناً بما يُمارس ضدها من عنف بأشكاله وتجلياته المختلفة؛ مادية ومعنوية ورمزية، وهناك من أصبح همهم الأساسي إصدار فتاوى لكيفية إلتهام جسد المرأة، أو معاقبتها على هذا الجسد، حتى وصل الأمر حد أن أفتى بعض هؤلاء "المساطيل" و"المهابيل" وأصحاب ثقافة الدجل والشعوذة بجواز زواج الطفلة من شيخ عجوز، أو بعدم جواز تعليم المرأة أكثر من المرحلة الإعدادية، أو أنه لا يحق المرأة الضحك في المجالس أو رفع صوتها على اعتبار أن صوت المرأة عورة، ناهيك عن عمليات القتل التي تجري على خلفية الشرف، والتي في كثيرٍ من الأحيان تكون قائمة على شبهة وإشاعات، ويوفر القانون والمجتمع الغطاء لمثل هذه العمليات والجرائم، وكيف ستتغير النظرة الدونية تجاه المرأة، وهناك مواريث إجتماعية وثقافية وفتاوى دينية وتحوير لنصوص شريعة، تُستغل من أجل استمرار احتجاز تطور المرأة أو منع نيل جزء من حقوقها، وربما هناك من يُحاجج أو يُجادل بأن الأديان كفلت للمرأة حقوقها، أو أن المذاهب الوضعية أنصفت المرأة على هذا الصعيد، والمسألة ليست في أن توقع سبعة عشر دولة عربية على "إتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد النساء" أو أن يُقر قانون للأحوال الشخصية، يضمن للمرأة حقوقها ومساواتها بالرجل، ولكن المشكلة فيما تجري ممارسته على أرض الواقع؛ حيث نجد أن المصادقة على تلك القوانين والتشريعات، تصطدم بعوائق وموانع للتطبيق والتنفيذ، مستمدة من المواريث والمباني الاجتماعية القائمة، حتى أنك تجد تجليات لهذه النظرة عند القانونيين العرب أنفسهم!!!

في كثير من الأحيان، تشعر أن من يتمسكون بأعراف وتقاليد ورؤى بالية أو عفى عليها الزمن تجاه المرأة، يُضفون عليها صفة القدسية والأبدية، ويعتبرون بأنها حال القرآن الكريم صالحة لكل زمان ومكان، ويرفضون أي شكل من أشكال التغيير، أو تبدل الوضعية في جهة علاقة الرجل بالمرأة من حيث الحقوق والعمل والإنتاج والمناصب وغيرها، وتشعر بأن هؤلاء الناس خارج الزمن، أو ليس لهم علاقة بالعصر الراهن، أو يستخدمون تلك الأعراف والعادات والتقاليد والمواريث الثقافية والاجتماعية، من أجل إضفاء صِبغة قانونية ومجتمعية ودينية على ما  يُمارسونه من عنف بأشكاله وتجلياته المختلفة بحق المرأة، أو لجهة منع تطورها وتغيير وضيعتها في المجتمع، فيما يخص حصولها على المزيد من الحقوق والمكتسبات المجتمعية والحقوقية.

وعلى الرغم من النضال الذي تقوده المرأة الفلسطينية والعربية ضد القهر والعنف الممارس بحقها، ورغم حصول تقدم ملحوظ في أكثر من بلد ودولة عربية، فإن أقسى أنواع العنف هي العنف الأسري، والذي نجد إنعكاساته السلبية والخطيرة على صعيد التفكك والضياع الأُسري، ولكن ما هو أخطر من هذا العنف، هو العنف الذي يُمارسـه الاحتلال الصهيوني بحق شـعبنا الفلسـطيني عامـة وأمهاتنا خاصـة؛ فلا أحد يعرف معنى الإذلال والإهانـة التي تلحق بأمهاتنا على الحواجز العسـكريـة، حيث يتعرضنَ لعمليات تفتيـش مذلـة ومهينـة تنتهك الخصوصيـة والكرامـة، أو خلال ذهابهن لزيارة أبنائهن المعتقلين في سـجون الاحتلال، حيث الذل وانتهاك الخصوصيـة بأبشـع أشـكالـه، حيث تتعرض الأمهات والزوجات للتفتيـش العاري، أو التصدي لجنوده ومسـتوطنيـه أثناء الاقتحامات، أو محاولات الاسـتيلاء على الأراضي أو تقطيع الأشـجار وحرق المزروعات وغيرها.

وبعد في يوم عيد الأم، لا يسعنا إلا أن نوجه ألف تحية للمرأة الفلسطينية المرابطة والصامدة، رغم تجرعها لكل أشكال وأنواع الذل من قبل الاحتلال (الإسرائيلي)، فهي كانت ومازالت شريكة للرجل في كل معاركه النضالية ضد الاحتلال، نضال سلمي ونضال عنيف اعتقال واستشهاد وغيرها، وأيضاً في هذا اليوم ندعو جميع المؤسسات القانونية والحقوقية والمؤسسات والأحزاب والفصائل التقدمية والديموقراطية، من أجل أن ترفع صوتها عالياً، من أجل منح الأم والمرأة الفلسطينية المزيد من الحقوق، وأن تقف ضد كل أشكال وأنواع العنف والإضهاد التي تُمارس بحق المرأة، تحت حجج وذرائع مواريث وتقاليد اجتماعية وثقافية بالية، أو استخدام بعض الجهلة والمتخلفين للدين، لإصدار فتاواهم التي تمتهن المرأة وتنتقص من قيمتها، أو تُشرع التعديات الجنسية عليها.