هذه هي صورتنا في أدب بني صهيون

هذه هي صورتنا في أدب بني صهيون

ومناهج تعليمهم

يحيى بشير حاج يحيى

عضو رابطة أدباء الشام

للتطبيع –و إن تعددت صوره و أشكاله – نتيجة واحدة ، وهي معايشة بني صهيون ، والرضا بما فعله اليهود بنا ، وبما استلبوه من أرضنا وحقوقنا ، والاستسلام لدورهم المزعوم في حياة المنطقة اقتصاديا وتحديثا ، وتعايشا مشتركا ، و تلاقيا حضاريا ، و أخلاقا و معاهدات ، وأسواقا وكتلا ، على الرغم من التراث الضخم الذي يملكونه من العداء للمسلمين و للعرب .

و إذا كانت هذه الأمور يستطيع أهل السياسة والاقتصاد و غيرهم أن يتجاوزها تحت مسمى المصلحة ، ومسايرة الواقع أو لاعتبارات أخرى قد تخفي على بعض الناس !! فإن على أهل الفكر و الأدب و العلم والثقافة والتربية والتوجيه أن يكونوا أول القلاع صمودا،  و لا أقول آخر القلاع سقوطا ، و إلا كان معنى ذلك هو السقوط الذي لا نهوض بعده.

و مع ذلك فقد بدأ بعض من ذكرنا في التهاوي و السقوط بفعل ارتباطهم بالقرار السياسي ، أو نتيجة لمصالح شخصية ، واجتهادات مغلوطة تحت شعار أن الثقافة العربية الممتدة الجذور بضخامتها و إرثها الحضاري أقوى من أن تلتهمها ثقافة اليهود الوافدة المتعددة المشارب والمصادر ، متناسين ( أن بناء الأيديولوجية الصهيونية السائد في المجتمع الإسرائيلي سابق في وجوده على البناء الاجتماعي ذاته ..الأمر الذي يعني أن هذا المجتمع قد نشأ وتكون تحت مظلة أيديولوجية فلسفية سياسية تحكم و تضبط دينامياته الداخلية و تعمل على عزل أي بناء فكري معارض أو مناقض ).

و لعلنا في هذه العجالة نلقي الضوء على نماذج من تصور بني صهيون للإنسان العربي سواء في ذلك ما جاء في أدبهم ، أم ما تحشى به  أدمغة أبنائهم في مناهج التعليم ، عسى أن يكون في ذلك مراجعة للذات لدى أولئك الذين يفكرون في استبعاد آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن عداوة يهود لله ولرسوله و للمؤمنين ، ولأولئك الذين يدندنون حول تغيير المناهج ، وتبديلها ، أو تنقيحها من الإشارة إلى اليهود وعداوتهم القديمة و الحديثة ، (ويطلبون منا أن نعلم لأجيالنا العربية القادمة أن اليهود أبناء عمومتنا ، و نحذف من مناهج التربية التي نصوغ بها أذهانهم الآيات الدالة على الجهاد وقصص الصحابة ).

متناسين ما أكده مناحيم بيجن أمام جنوده عام 1985 م قائلا: (لا ينبغي لكم أن تكونوا رؤوفين حين تقتلون عدوكم ..ينبغي لكم ألا تعطفوا عليه طالما لم نقض على ما يسمى بالثقافة العربية ، ولم نبن على أنقاضها حضارتنا ).

 

وهؤلاء الذين خشي بيجن أن تلمس الرأفة قلوبهم _ و هم يقتلون _ عملت التربية من قبل على (تنمية الروح العسكرية لديهم ، و غرست في نفوسهم كراهية العرب وحب القتل ، والتلذذ بسفك الدماء و لم تكن المذابح في لبنان و غيرها إلا ثمرة لهذه التربية العنصرية الحاقدة ) .

 وقد صورت لهم الكتب التي درست لهم، والمناهج التي خصصت لهم العرب و المسلمين بأنهم قوم متخلفون، كما أن ما تضمنته الكتب الإسرائيلية عن الإسلام و رسالته تعكس حقداً على دعوته و هي التي ملأت آفاق الدنيا عدلا و نورا  ففي معرض الحديث عن الجزيرة العربية يقول أحد كتب الجغرافيا (و هو كتاب الجغرافيا للصف الخامس الصادر عام 1972 م "يضع البدو الماء في قرب من الجلد ، و يملؤون الجرار ، ويسقون بهائمهم و يشربون ، إن الماء قليل جدا و غال ، ومنهم من لا يغتسل بكثرة لأنه لا يجوز تبذير الماء على الاستحمام ، ويفرك البدوي يده بالرمل فيزيل قسما من الأوساخ التي علقت بها"؟!!.

"و إمعانا في غرس الحقد على العرب عملت المناهج الإسرائيلية في تصوير العرب بأنهم لصوص و قتله و مخربون، وقد ورد في كتاب "إسرائيل"  الحديثة "إن القوة اليهودية ساهمت في الحفاظ على أمن اليهود و سلامتهم أمام الهجمات التي كانت تشن على المستوطنات و المستوطنين من قبل اللصوص العرب" .

و أما الحياة العربية كما تصورها  كتب الأطفال الصهيونية فهي حياة فوضوية تمتاز بمزايا سلبية مثل "الكسل والسرقة والنهب والاحتيال " أما المزايا الإيجابية فهي خيانة العرب لبعضهم كأن يخبر عربي سكان "إحدى المستوطنات " بأن العرب على وشك القيام بهجوم عليهم .

وعندما يريد كاتب إسرائيلي أن يصف عملا سيئا فإنه يستخدم وصف "عمل عربي" وعندما يصف إنسانا جبانا فإنه يستخدم كلمة "يتصرف كالعربي" .

وعن صورة العرب في كتب الأطفال الإسرائيلية يقول الدكتور غازي ربابعة في كتابه "اتجاهات التعليم في الكيان الصهيوني" : هي شخصية جامدة تماما ، وفي حوالي ثمانية بالمائة من الكتب يعرض العربي كشخصية له أنف ضيق، ولا يزال يرتدي الملابس التقليدية ، ووجهه يقطر عداء لليهود..وتركز كتب الأطفال أيضا على الصراع الدائم بين العرب واليهود ، فاليهود يتغلبون على جيوش بأكملها ،وعشرات الكتب التي توزّع منها آلاف بل عشرات الآلاف من النسخ تدور كلها حول موضوع واحد "العرب الذين يُغلبون وينهزمون ، والطفل اليهودي الذي ينتصر على العرب الخنازير الجبناء !.

وهذا النوع من الكتب يتخاطفه الأطفال _كما يقول هادي نعمان الهيتي في كتابه أدب الأطفال –وموضوعاتها  دائما كيف ينتصر الأولاد الأبطال على العرب المثيرين للضحك "والأغبياء الذين يريدون قتلنا من أجل لذتهم الشخصية"، يضيف : ومن العجيب أن هذه الكتب تكاد أن تكون الوحيدة التي تختفي من على رفوف المكتبات ، فهي لا تكاد تعرض حتى تجد صفا من الأولاد في انتظارها ".

وقد علل الشاعرمحمود درويش الغاية من هذا الأدب كما جاء في كتاب "أدب الأطفال لعبد الرزاق جعفر " بقوله : " إن أدب الأطفال أسهم في بناء شخصية الجندي الإسرائيلي ونفسيته ونظرته إلى العرب ، فالجنود كانوا أطفالا و ربوا على هذا الأدب ذي الأهمية الحاسمة في تثقيف الطفل ! و الأقسى من ذلك أن الطفل لا يصطدم عندما يشب بثقافة تتناقض مع القيم التي ربي عليها في هذا الجو المشحون بالشوفينية والعنصرية والعداء للعرب".

ومن هذه القصص على سبيل المثال قصة "الهضبة" للكاتب الإسرائيلي "إيجال بن نثان " التي تصور التخلف العربي ممثلا في شيخ قبيلة يرفض تجفيف المستنقع ، ويرفض وجود اليهود الذين يردون عليه إن آباءنا استوطنوا هذه الأرض منذ عدة أجيال ، ولكنهم طردوا منها ، وقد أتينا لإحياء الوجود اليهودي .

و أما الأدب الذي يكتب للكبار فهو يحمل صفة واحدة مهما اختلفت توجهات الكاتبين ، يقول غانم مزعل في كتابه "الشخصية العربية في الأدب العبري الحديث " لعل الأمر الوحيد الذي يوحد الكتاب اليهود إلى حد ما ، هو استغلال الشخصية العربية استغلالا سلبيا ، حتى عند الكتاب الذين يتمتعون بنظرة إنسانية ، فلا يختارون لقصصهم إلا شخوصا من المجتمعات القروية أو البدوية ، و كانت نظرة التعالي على العرب من السمات المشتركة بينهم "، ويقول "سواء انقسم الأدباء اليهود إلى يمين ،ووسط ، ويسار ، أم لم ينقسموا فإننا نجد الخط الصهيوني هو الغالب على هذا النتاج ، الذي يتميز بالنظرة المتعالية ،ويتسم بالسخرية و الاستخفاف بالعرب ، واعتبارهم سذجا و بُسطاء  ".. وقد استطاعت وسائل الإعلام المختلفة ، وعن طريق الإنتاج الأدبي القصصي  والشعري أن تربي روح التفاخر و التعالي والنظر إلى الطرف الآخر على أنه حقير المستوى ..وبرز هذا الاتجاه بشكل خاص في الشعر العبري وعلى سبيل المثال فإن الكثيرين من اليهود في كل مكان يتغنون بقصيدة الشاعرة العبرية المعاصرة "نعمى شمير " وهي (القدس من ذهب ) وقد اتسمت قصائدها بروح العداء للسلام ، إن هذا  الأدب يمجد الروح العسكرية والحضارية الإسرائيلية ، ويزخر بالاستهزاء بالعرب لتخاذلهم في ساحة الحرب !!.

يقول : "إسحاق شاليف " في قصيدة له بعنوان "طريق فتى " من هضبة الجولان إلى الوادي_من وادي الأردن إلى القطاع _ ومن هناك إلى شرقي القناة_ إلى أن عادت الكتيبة إلى الهضبة _كنت ابنا لأرض النيران _ واحد كله منها _ لفحته بقيظ حرارتها – وشق طريقا في حرمون _ من تحت جواربك تسللت حبات الرمل والحصى _وهرول أمامك طائر الحجل _ وانتفض تحت قدميك ثعبان _ وقبع في الليالي إلى جانب خيمتك _ وخلع جلده هناك ..

ويمضي الأدب الصهيوني المعاصر على مختلف أجناسه ، ولا سيما في قصصه ورواياته ، في تصوير العرب بأنهم هم المعتدون دائما وهو أي العربي "عديم الشفقة ، عديم الضمير –مخرب _قاتل _ مجرم _ لا يراعي حرمة النساء والمسنين والأطفال _يستخف بالأرواح _وينتهك حرمة الأماكن المقدسة _ ويستغل ضعف الإنسان ويحترم القوة فقط .

ففي قصة "افراث" للكاتب والناقد "ايهون بن عيزر" يسرد حوادث وقعت في منطقة صفد عام 1921م بين العرب واليهود فيقول :" إن العرب قاموا بأعمال وحشية ، وأنهم باغتوا اليهود واعتدوا عليهم كالحيوانات المفترسة ، وأخذوا يسرقون ممتلكاتهم ويقتلونهم ".

كما وصفتهم بالاغتصاب والقتل . وأنهم لا يفهمون غير لغة القوة فالعربي في تصويرهم له: "لا يفهم سوى لغة القوة ، فهو يحترمك أكثر ، ويقدرك أكثر كلما عاملته بقسوة وقوة وفظاظة وإذا ما ارتفعت عنه القوة وعومل بليونة فإنه يظن أنك تخشاه فيتمرد" ويضيف غانم مزعل "وكثيرا ما نجد هذه العبارة تتردد في قصصهم ،و هي:إن العرب لا يحترمون جارا ضعيفا ".

وفي قصة "حادثة جبرئيل يتروش " للكاتب اليهودي "يتسحاق شليف " يستوقفنا التوجيه المركز من خلال جواب المدرس على سؤال أحد تلاميذه الذي يظن أنه يمكن التعايش بين العرب واليهود ، فيقول الكاتب على لسانه ، لا مفر من الصدام كي تثور الرغبات الحقيقة في السلام ..السلام الحقيقي ثمين وقيم عند من يئس من الوصول إلى هدفه عن طريق أخرى،ونحن والعرب لم نيأس بعد " ويضيف :" الحقيقة هي كذلك ، ومن يحاول أن يصور مستقبلا يسوده حسن الجوار مع العرب ، وحياة السلام والطمأنينة .. والازدهار الاقتصادي ما هو إلا مضلل " ويعترف الكاتب على لسان أبطال قصته بأن " علينا أن نبادر إلى الهجوم في كل لحظة تتاح لنا فيها الفرصة ، مصير البلاد سيقرره الهجوم وليس الدفاع".

و أما تصويرهم للعربي في ساحة الحرب ؟ فالعربي يتصف بالجبن والهروب ، وهو لا يستعمل سلاحه ، ولا يقاتل عن مبدأ ،وتقدم القصة اليهودية الأسير اليهودي بأنه يمتنع عن الكلام ، ويرفض أن يتناول حتى الماء "كما في قصة عزيت الكلبة المظلية " لمردخاي غور _ رئيس الأركان الإسرائيلي الأسبق _ بينما الأسير العربي كم يقدمه "ناتان شاحم" في مجموعته القصصية "خريف أخضر " يتصف بالجبن والخيانة وانعدام القيم ،وعندما قام الجندي بفك قيوده "بصعوبة بالغة منعت الأسير من تقبيل يدي، ولقد نفذ كل ما أمرته به ، أحضر الماء كما قام بمهمات مختلفة كنت أكلفه بها ، وكان يعود إلي في كل مرة كالكلب العائد إلى كوخه "، وبمثل هذه القصص يتم التوجيه والتركيز على عداوة العرب واحتقارهم، ويعترف (هارايفن) بأن المناهج التعليمية اليهودية تفتقر إلى البرامج الخاصة حول معاملة العرب الذين يشكلون سدس السكان ، وأنها أدت إلى جعل طلاب الجامعات الشباب يبدون المظاهر السلبية ، وعدم التسامح مع العرب ،وأن هذه النظرة السلبية لا تزال عالية بينهم إذا ما قورن الأمر مع الفئات الأكبر سنا .. 

               

المراجع

1.  اتجاهات التعليم في الكيان الصهيوني _ غازي ربابعة .

2.  أدب الأطفال في الأردن "واقع وتطلعات" ندوة أقيمت في عمان مارس (آذار) 1988م

3.  الأدب الصهيوني بين حربين يونيو (حزيران) 67 أكتوبر (تشرين أول ) 73 _د.إبراهيم البحراوي .

4.  أدب الأطفال –فلسفته ، فنونه ،وسائطه _ هادي نعمان الهيتي .

5.  الشخصية العربية في الأدب العبري الحديث 1948_19845 غانم مزعل .

6.  مجلة منار الإسلام عدد 8_سنة 21 شعبان 1416هـ التربية العنصرية في مدارس "إسرائيل".