الإسلام دين الرحمة والتسامح-2
الإسلام دين الرحمة والتسامح
(2)
م. محمد حسن فقيه
إن سماحة هذا الدين الذي كان طبعا وحقيقة تجلى في مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام من بعده ، انتقلت إلى التابعين بالتوارث ورضعوا لبانها ، عدا كونها أسسا ومبادئ غرسها رسول الله في نفوسهم ، فتمثلت في سلوكهم وتترجمت في جميع أعمالهم ومواقفهم .
فهذا صلاح الدين الأيوبي عندما حرر مدينة القديس من الصليبيين الذين إحتلوها إحتلالا وحشيا لم يشهد التاريخ له مثيلا، فلقد أباحوا المدينة وقتلوا شيوخها وأطفالها وسبوا نساءها ولم يبقوا على أحد وجدوه أمامهم ، ونفذوا من الفظائع ما تترفع عنه طبيعة البشر مهما أوغلوا في الشر والإجرام والوحشية ، ومهما بلغ بهم الأمر من الحقد والخسة والغدر والدناءة اللهم إلا إذا تخلت هذه الزمرة عن آدميتها ، فلقد ذبحوا تسعين ألفا من المسلمين ، من علماء وزهاد ونساء وأطفال وذلك بعد أن أمّنوا سكان بيت المقدس على أرواحهم وأموالهم ورفعوا الراية البيضاء فوق المسجد الأقصى ، فلما احتشد المسلمون نفذ المجرمون جريمتهم الوحشية بالقتل حتى غصت الشوارع بالجثث وسالت الدماء في شوارع المدينة ، حتى بعث أحد كتابهم الحاقدين إلى "باباه" مهنئا ومباهيا بهذا النصر المؤزر والفتح المبين ، متبجحا بجرائمهم الوحشية من قتل النساء والشيوخ والأطفال فكتب له :
(لقد سالت الدماء في شوارع المدينة حتى خاض فيها الفرسان إلى قوائم الخيل ) .
بعد هذه الصفحة المظلمة الكالحة السوداء ، التى تتنزى غلا وحقدا ، وتمتلأ اجراما ودموية ، والملطخة بدماء العزل والأبرياء ، قابلهم صلاح الدين يوم حررها وأعادها من نيراغتصابهم البغيض بكل رحمة وسماحة ، وأعطى الأمان للشيوخ والنساء والأطفال والمحاربين ! بل التزم بإعادتهم إلى جماعتهم بحماية وحراسة جنده ! ولم يمتد أحد إليهم بأذى أو يمسهم بسوء ، بمقابلة تلك الخزايا والجرائم التي ارتكبوها بحق المسلمين ، حتى شهد له الأعداء وعلى رأسهم قائدهم المهزوم : " ريتشارد قلب الأسد " .
ومن تلك الصفحات الناصعة والمشرقة في تاريخ الحروب البشرية قاطبة والتي ينظر إليها المستشرقون والمستغربون برؤوسهم المقلوبة ، صورة فاتح القسطنطينية القائد مجمد الفاتح بعد أن استعصت عليه المدينة المحصنة المحاطة بالبحار وبعد أن نال جنوده من أهلها ما نالوا من الأهوال والمصائب واستشهد من رجاله الكثير، بعد كل هذا يوم أن فتحها هل رفع شعار الإنتقام ونادى الثأر ... الثأر ، هل سلب وهتك وقتل الأولاد والنساء والشيوخ والرهبان ، وأسال الدماء إلى الركب ، هل كسر الصلبان وهدم الكنائس ، أم ماذا فعل بهم ؟
عندما سجد له شعب بيزنطة ورهبانهم قال لهم بثقة القائد المنتصر، وعزة المسلم المتواضع :
( قفوا ..استقيموا .... فأنا السلطان محمد الفاتح أقول لكم ولجميع إخوانكم ولكل الموجودين هنا ، إنكم منذ اليوم في أمان في حياتكم وحرياتكم )
، ثم أطلق الأسرى وأسكنهم في المساكن الواقعة على ساحل الخليج ، ولم تغتصب إمرأة ، ولم يمس شيخا عجوزا ولا صغيرا ولا راهبا بأذى ، ولم يهدم كنيسة أو صومعة ، وأمر بإعادة بناء المدينة ، وعين بطريقا للجماعات الأرمنية ، وأعاد للأرثوذكس كرامهتم المسلوبة ، وأعطاهم حق الإنتخاب لرئيس لهم ، واعترف لليهود ببلادهم كاملة ، واعتبر مسائل الأحوال الشخصية خاصة بأهل المدينة من الجماعات الدينية المختصة ، وكان مثل هذا الإمتياز عديم النظر في أوربا في حينها ، ويكفي للدلالة على سماحته ورحمته قول حاكم بيزنطة :
" إنني أفضل رؤية العمامة التركية في القسطنطينية على رؤية القبعة اللاتينية " .
لأن أهل بيزنطة لم ينسو بعد الأعمال الوحشية التي قام بها اللاتين عندما احتلوا القسطنطينية .
ولو أردنا أن نستعرض الصفجات المشرقة النيرة في تاريخ الأمة الإسلامية والبشرية قاطبة عن رحمة هذا الدين وسماحته لطال الأمر وإنما كان هذا على سبيل المثال لا الحصر ، ولعل هؤلاء الحاقدين الذين يتهجمون على الإسلام لم يقرأوا شيئا عن فرض التنصير على المسلمين في الأندلس ، والويل لمن يمسك متلبسا بصلاة أو صيام أو متجها نحو الكعبة أو يغتسل يوم الجمعة أو يمسح بيده على رأس ابنه ! ولم يسمعوا عن خندق الدم الذي غرقت فيها غرناطة والبشرات بالدماء ، ولم يسمعوا أو تجاهلوا قول الكاردينال ريشيلو يصف تلك المحارق والمجازر :
" إنها أكثر صفحات التاريخ فظاعة ووحشية " .
ولم يقرأوا عن المجازر والمذابح التي حلت بالمسلمين والحرق والطرد والسلب والنهب والإبادة الجماعية في الإتحاد السوفيتي - سابقا - والصين ، أو ما حدث من طرد وتهجير وذبح في جزيرتي صقلية ومالطة ، وما فعل شارل الخامس في تونس إذ أنه لم يترك حيا إلا وقتله حتى القطط والكلاب لم تسلم من شره ، وأما التتار وما فعلوه بالمسلمين من صفحات سوداء يندى لها جبين البشرية خزيا وعارا على مر العصور والزمان ، فقد غصت شوارع بغداد بالقتلى وامتلأت ساحاتها بالجماجم ، كما تجلل نهر دجلة بالسواد من الدم والمداد .
وإذا انتقلنا إلى العصر الحديث لنلقى الضوء على مأساة مسلمي البوسنة والهرسك وكوسوفو في أوربا على أيدي المجرمين من الصرب الساديين الذين قاموا بالمذابح الوحشية والابادة الجماعية والتطهير العرقي والقتل والنهب والاغتصاب ، ولم يسلم من شر إجرامهم ووحشيتهم شيخ مسن أو طفل صغير بل كان الجميع أهدافا مشروعة ، وللأسف الشديد فإن كل ذلك حصل والعالم الغربي المتحضر بين شامت ومتفرج .
ولم تكن تترية وإجرام بوش لاحتلال بغداد الثاني بعد هولاكو في العصر الحاضر تقل عن تترية هولاكو ، فلقد أمطر سماء بغداد وأرضها بجميع أنواع الأسلحة والقنابل المحرمة دوليا ، اغتصب الأرض وقتل العباد ، وخرب البلاد ، وسرح الجيش وأشعل فتنة طائفية حصدت الأخضر واليابس ، فلقد قتل ما يربو عن المليون ونصف المليون خلال السنوات الست الأولى من الإحتلال بعد الغزو ، كما شرد أكثر من خمسة ملايين خارج العراق ، وتفشى الفقر والجهل والأمية والأمراض وانعدمت الخدمات ، وعم الفساد ، وسادت البطالة ، وانتشرت السرقة والرشوة والإنحلال الأخلاقي نتيجة الفقر والعوز ، وأما جنود بوش الذين أتوا تحت شعار التحرير ! ونشر الحرية والديموقراطية فلم يتورعوا عن قتل المدنيين ، واغتصاب الحرائر ، وإذلال الشعب ، خارقين بأعمالهم الوحشية والإجرامية كل قوانين المنظمات الدولية ، وما حصل في سجن أبو غريب ... وغيره ، سيبقى وصمة عار في جبين بوش وأمريكاه إلى أبد الآبدين ، وهم في بلد يدعون احترام الإنسان وحقوق الإنسان وكرامة الإنسان !! وقد عاملوا هذا الإنسان الذين قد أتوا لتحريره معاملة أذل وأخزى من معاملة الكلاب .
وما فعلوه في أفغانستان لا يقل فظاعة ووحشية من القصف والقتل والتخريب وقتل الآمنين وتشريد السكان ، وانتشار الأمراض والفقر والبطالة والأوبئة ، وقتل الأسرى في قاعدة باغرام ، وقصف المدنيين الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ بطائراتهم الحاقدة الحمقاء العمياء ، وانتشار الفساد ، وشيوع زراعة وتجارة المخدرات ، وأما قمة انتهاك حقوق الإنسان في القرن الحادي والعشرين كاملا كانت في سجن غوانتانامو ، تلك الوصمة السوداء التي ستبقى علامة فارقة وشعارا مميزا لهمجية أمريكا ووحشيتها وانتهاكها لحقوق الإنسان بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ الحديث لا في أمريكا ولا في قبائل الغابات من آكلي لحوم البشر.
.والأمر لا يقف عند أمريكا وجرائمها بحق المسلمين من استباحة دمائهم وقتل الأطفال والشيوخ والنساء ، بل ها هي ربيبتها ذلك الكيان المسخ المشوه ، الذي زرع كنبتة طفيلية ، سامة وخبيثة في بلادنا ، ليحتل أرضنا ويشرد شعبنا وينتهك حرماتنا ويعتدي على مقدساتنا ، وما قام به هذا الكيان المصطنع من مجازر ومذابح وحشية بحق المسلمين أصحاب الأرض في فلسطين من دير ياسين إلى كفر قاسم إلى غيرها الكثير ، أوفي المخيمات الفلسطينية على أرض لبنان ، وما فعله من مجازر في تل الزعتر وصبرا وشاتيلا وقانا وجنين يندى له جبين البشرية خحلا ، وأما حصار غزة ومأساة غزة ، ومحرقة غزة ، واستخدام ذلك الكيان المسخ لأبشع أنواع الأسلحة الكيماوية والعنقودية والفوسفورية ، ضد المدنين من النساء والأطفال والشيوخ ، وقصف المدارس فوق رؤوس الطلاب ، وكل ذلك أمام سمع ونظر العالم المتحضر في القرن الحادي والعشرين ، وعلى مرأى ومسمع وبنقل حي على القنوات الفضائية لهذه الفظائع والجرائم الوحشية التي قام بها الصهاينة ومن تواطأ معهم ، أمام سمع ونظر جميع المنظمات العالمية وهيئات حقوق الإنسان وغيرها .
ولن نغفل أو ننسى المؤامرات على المسلمين في شتى الأنحاء والبقاع ، من تبشير نشط بين أوساط المسلمين في أفريقيا الجائعة المنكوبة وحتى اندونيسيا وبنغلادش ، وخطة تذويب المسلمين في بلغاريا ، ومذابح آسام في الهند ، واحتلالهم واضطهادهم لكشمير ، ومن سحق وإبادة للمسلمين في الصين ، والفلبين .....وغيرها ....
فهل يظن أولئك المخادعون أن افتراءاتهم الباطلة ستقلب الحقائق وتشغل المسلمين وتلفت أنظارهم عما قام به أجدادهم وسادتهم ، من مجازر دموية وأعمال وحشية بحق المسلمين قديما وحديثا ، بدعوى أن الهجوم أفضل وسيلة للدفاع ليخفف عليهم من لعنة التاريخ والناس أجمعين .
ومما يؤكد رحمة هذا الدين وسماحته شهادات بعض المنصفين بحق المسلمين وعلى مر العصور قديما وحديثا ومن شرائح تمثل جميع الملل والأديان والمذاهب والتوجهات لأن الإنسانية وشهادة الإنصاف لا يمكن أن تخلو من أي شعب أو ملة أو دين .
فهذا جوزيف لوبون يقول : " ما عرف التاريخ فاتحا أرحم ولا أعدل من العرب " .
ويقول أيضا : " إن أوربا لم تعرف المدنية إلا بعد أن مرت على أتباع مجمد " .
ويقول برنارد شو : " محمد يجب أن يدعى منقذ الإنسانية ، ولو تولى زعامة العالم الحديث لحل مشكلاته " .
ويقول أنطوني كوين الممثل السينمائي العالمي :
" لم نفهم الإسلام مطلقا ولم نفهم محمدا مطلقا ... إنني أتحدث عن هذا الغرب وعلاقته بهذا الدين العظيم ، إن العالم يجب أن يمارس ٌدورا أكبر من التسامح والمعرفة والتفهم لهذا الدين ، علينا أن نعرف الكثير عن التجربة الإسلامية لنعرف كم ظلمناها " .