اصنع إيجابيتك!

أديب قبلان

[email protected]

كلما تراءت لي ساعة ستحين لا شك في يوم من الأيام ، أتذكر ما أقبلت عليه نفسي من سلبيات وإيجابيات ، يا ترى ما هذه الساعة التي قد تحين قريبًا أو بعيدًا ؟؟

إنها ساعة الموت ، ساعة تنزع فيها الروح من جوف ابن آدم ليبقى جسدًا خاليًا من أي معنى سوى أنه ثقيل سيحمل على الأكتاف ، ثم سيستقر في باطن اللحد لا يرى إلا أجسامًا نورانية تسمى الملائكة ، ربما تكون هذه مبعث رضًا أو مبعث سخط والعياذ بالله .

كثير هي الأعمال التي ترسم لك في لحدك أخي القارئ ملائكة الرضا ، لن أتناولها جميعها ، بل سأتناول جزءًا منها ولعله الأهم على مستوىً محدد ، ألا وهو الإيجابية في السلوك .

لا شك أننا جميعًا في المجتمع – مسلمين وغير ذلك – نحتوي على فطرة الخير و على الإيجابية التي أودعها رب العباد في نفس كل شخص خلقه ، لذلك كثيرًا ما نرى التائبين من أهل السوء و الضرر ، ولعل السبب في ذلك هو أن الإنسان بطبيعته التي خلقه الله تعالى عليها محب للخير ، لكن العوامل التي تحيط به تحيك حوله شباك السوء وترسم له طريق اللذة والسلبية التي لا يلبث أن يقع بها بمجرد رؤيتها ، لذلك حثتنا إنسانيتنا على أن لا نقبل على أي عمل يوقعنا في الاشتباه بالسوء .

أما إذا تعمد الشخص الوقوع بين براثن السوء والسلبية ، فهذا يدل على ضعف الوازع الإنساني لدى هذا الشخص ، والوازع الإنساني هو منبه ينبه الشخص إلى عدم الوقوع في أي عمل سلبي يؤثر سلبًا على المجتمع ، وكثير من ضعيفي الوازع الإنساني لا يلاحظون سلبيتهم الفائقة إلا بعد فوات الأوان ويكون عندها قد وصل كل شيء إلى ذروة يصعب التراجع عنها ، فلنكن حذرين من الإقدام على أي فعل يشتبه في سلبيته .

وهنا سأبدأ عرض رأيي حول الإيجابية في السلوك حتى يتسنى لك أخي القارئ أن تفهم وجهة نظري ، أولاً : أدعوك أخي القارئ لأن تتأمل الأجسام حولك – حية كانت أو جمادات – ستجد بلا شك أن كل شيء حولك مسالم ، فأنت – في الواقع – تعيش في بيئة تتمتع بالإيجابية المطلقة إذا لم تتعرض لعوامل تغير من إيجابيتها ، وهذا يدل على أنك – أخي الإنسان -  في حال حياديتك إيجابي ، وأنك إذا تعرضت لأي تغير في سلوكياتك فإنك ستقع تحت احتمالين ، الأول : أن تتغير في اتجاه إيجابي يزيد من إيجابياتك في السلوك ، أو أن تتغير في اتجاه السلب الذي سيلغي سلوكياتك الإيجابية الذاتية ( الموجودة فيك أصلاً ) .

أما الخطوة الثانية أخي القارئ ، فهي أن تحاول أن تتحدث إلى أجزاء بيئتك ، لا يعني ذلك تحدثك إلى الكائنات الحية فيها ، إنما أن تتحدث إلى البيئة ككل ، هوائها ، مائها ، نباتاتها ، و ما شابه ، فربما أنك بهذا التحدث إلى المكونات ربما تكون صداقات معها ، وهكذا ، ستحس كلما دخلت إلى بيئتك أن الأشياء تحيك ثم تسألك عن حالك وهكذا ، وعندها ستحس أنك كونت شيئًا جديدًا قلما يتعامل به البشر كون معظمهم يعدون هذا من الخرافة ، وإنما في الواقع هو حقيقة يشعر بها كل من اتخذ الماء صديقًا والهواء خليلاً .. !!

أما النقطة الثالثة فهي أن تحاول فهم لغة الكائنات ، وفي هذه الخطوة الكثير من الجوانب التي لا تتطابق مع المنطق ، لكنها ربما تأتي بنتيجة تزيد من إيجابية سلوك الإنسان ، وكيفيتها هي أن توحي لك نفسك باتخاذ فعل معين نتيجة الإحساس بضرورة اتخاذ هذا الفعل أثناء تأملك في الكائنات ، وباعتقادي الشخصي أن هذه الخطوة ليس من السهل التوصل إليها وخصوصًا أنها تعتمد على ذوق عال ، بل هي قمة الذوق لأنه ليس من السهل أن تحقق الخطوتين الأوليين ، أما إذا تحقق ، فتكون بذلك قد صنعت القاعدة الأساسية لبناء قصر الإيجابية الذي يكون شخصيتك كإنسان تتمتع بروح الخير وتبتعد عن السلبيات بطبيعتك  .

ها أنت قد تأكدت من إيجابية بيئتك ، ثم صادقت الأشياء ربما لإيجابيتها ، ثم بدأت تفهم لغتها لتستطيع أن تفهم هذه الأشياء في كل حركاتها وسكناتها .

أما الآن فستتعامل مع هذه الأشياء التي استطعت أن تحادثها وتفهمها – سابقًا – وكأنها بشر ، واختياري لعنصر البشر هنا بسبب أن مصادقة البشر هي العرف المنتشر في مجتمعاتنا العربية ، تحدث لها عن أسرارك ، وادعوها لتتحدث لك عن أسرارها ، لا تستغرب أخي القارئ هذه الدعوة التي قد تعدها ( غبية ) إلا أن كثيرًا من أصحاب الحس المرهف استطاعوا أن يعبروا عن الشجر والحجر في شعرهم ونثرهم ، ثم إنك بذلك تكون قد استطعت أن تفهم ما يدور حولك من حركات وسكنات سواءً أكان المحدث بشرًا أو جمادًا .

أعتقد أنك بذلك استطعت أن تغير من سلوكك وأتمنى أن يكون هذا التغيير إلى الإيجابية لا إلى السلبية ، وهذا التغيير هو الذي سيدفعك إلى التغيير الجذري في السلوك  إن لزم الأمر.