وجوه من السرقات الأدبية والعلمية المعاصرة
يحيى بشير حاج يحيى
عضو رابطة أدباء الشام
في تراثنا الضخم كنوز لم تر النور بعد ، وهي تحتاج إلى من يكشف عنها ! فعلى الرغم مما نشر فإن كثيرا من تلك المخطوطات النفيسة لا يزال رهن المكتبات تنتظر من يحققها ويخرجها إخراجا يليق بما فيها من نفع وفائدة ، وقد أصبح لهذا العلم قواعد وأصول معينة وقد بذل الكثيرون من الجهود لإخراج النص كما يريد مؤلفه أو كما تركه مصنفه ، ولا ينكر هنا ما قام به شيوخ المحققين والمهتمين بالتراث من الكشف عن الروائع بشتى فروعها .
ولكن بعض من يملك المقدرة على الطبع والنشر أخذ يعيد طبع ما سبق أن حقق ، دون إضافة شيء جديد ، كأن يكون مثلا حصل على نسخة من المخطوط أوضح وأقرب إلى النص الأصلي ، ولكن القضية في نظره تتلخص بأن يعيد طباعة الكتاب مع شيء من شرح لبعض الألفاظ أو ترجمة مقتضبة لبعض الأعلام ، أو ترتيب مختلف لفصول الكتاب وأجزائه ؟! وكأن هذه الإضافات الطفيفة قد أعطته المبرر ليبرز اسمه على الغلاف ، وليملك حق الطبع والنشر .
لم يجد النقاد حرجا من وجود التأثر والتأثير فيما بين الآداب المختلفة بين أمة وأمة ، فأطلقوا على الدراسات التي تهتم بهذه القضايا ( الأدب المقارن ) بشرط أن يكون هذا التبادل بين الآداب أو التيارات المختلفة ، لا بين الأدب الواحد ، وإلا فهو داخل في باب السرقات الأدبية ، وهو باب واسع جدا لا يقدر أحد من الشعراء أن يدعي السلامة منه-كما قال ابن رشيق في كتاب العمدة – وقد أطلق العلماء أسماء متعددة عليه من مثل : الاصتراف والاحتلاب و الانتحال و الاهتدام والإغارة والمرافدة والاستلحاق ،وهي عند صاحب العمدة ( وكلها قريب من قريب ) فلم تغن كثرة التسميات عن حقيقة الأمر ، وإن كان أشهر تعريف للسرقات الأدبية عند القدماء هو ما نقل معناه دون لفظه .
وكذلك فإن المعاصرين لم يسلموا من هذا الأمر ، بل خاضوا فيه على غير هدى ، حتى إن أحدهم لم يعد يكد ذهنه في سرقة تشبيه سبق إليه ، أو في الإغارة على معنى انقطعت أنفاسه دونه ؛ فعمد إلى نشر قصيدة ادعاها لنفسه ، مع أنها نشرت في المجلة نفسها قبل فترة من الزمن ؟! أو إلى كتاب ما فلم يكلف نفسه سوى أن ينسخ بعض صفحاته ويبرز اسمه عليها ؟! ترى هل هذا جهل أم تجاهل ؟!
أثار الدكتور طه حسين زوبعة كبيرة في دراسته وتقويمه للشعر الجاهلي حين رده إلى صنع الرواة ، ثم تبين أن رأيه كان مبالغا فيه كثيرا .
وقضية الانتحال معروفة ومشهورة فقد أقدم الزنادقة على تصنيف المصنفات ، ونحلوها غيرهم ، و الانتحال في هذه الصورة يعني أن ينسب إنسان ذو هوى أثرا لغيره .
وأما الصورة المعاصرة له فتعني سرقة جهود الآخرين ، وثمرات عقولهم لنيل لقب علمي، أو للحصول على جائزة مادية ، كما فعل أحدهم وهو بمرتبة دكتور حين تقدم بكتاب زعم أنه له ، ثم تبين وقبل استلام الجائزة أنه مترجم عن الفرنسية ، ومطبوع منذ ثلاثين عاما ! وتقدم ورثة المترجم باعتراض فحجبت الجائزة . إن مثل هذا الأمر يحدث حين تعمد بعض دور النشر إلى طبع كتاب رائج دون أن تحسب حسابا للمؤلف سواء أكان حيا أم ميتا !! أم أن يفعل ذلك أكاديميون فهنا تكمن المصيبة ، ويندى جبين الثقافة ..