أشد الأسلحة تدميراً

محمود القلعاوي

إمام وخطيب بوزارة الأوقاف

[email protected]

تعانى مجتمعاتنا من الإشاعات ومن آثارها الفتاكة , فهي :

-        من أخطر الحروب المعذبة  , والأوبئة النفسية ..

-        من أشد الأسلحة تدميراً وأعظمها وقعاً وتأثيراً ..

-        ليس من المبالغة في شيء إذا عدّت ظاهرة اجتماعية عالمية ..

-        لها خطورتها البالغة على المجتمعات البشرية  ..

-   حرية بالتصدي والاهتمام لاستئصالها والتحذير منها ، والتكاتف للقضاء على أسبابها وبواعثها ، حتى لا تقضي على الروح المعنوية في الأمة التي هي عماد نجاح الأفراد ، وأساس أمن واستقرار المجتمعات، وركيزة بناء أمجاد الشعوب والحضارات ..

-   وجدت حيث وجد الإنسان , بل عاشت وتكاثرت في أحضان كل الحضارات ، ومنذ فجر التاريخ والشائعة تمثل مصدر قلق في البناء الاجتماعي ، والانتماء الحضاري لكل الشعوب والبيئات ..

-        هي نزيف للقيم , ومعول هدم للمثل ..

-   لها  قدرة على تفتيت الصف الواحد والرأي الواحد ، وتوزيعه وبعثرته ، فالناس أمامها بين مصدق ومكذب، ومتردد ومتبلبل ..

والشائعات :- إما أن تكون موجهة ضد شخص ، أو أسرة ، أو مجتمع ، أو أمة بأسرها .. وتكون دائماً مختلقة مكذوبة ، أو مبالغاً فيها ، بحيث يُجعل من الحبة قُبَّة ، ومن الصغير كبيراً ، ومن الحقير خطيراً .. أو تكون صحيحة واقعة لكن في نشرها وتداولها مفسدة وضرر ، وإساءة وأذية ، إما لصاحبها ، أو لأسرته ، أو للمجتمع المسلم بأكمله ..

مروج الشائعة

وأما مروج الشائعة فهو : لئيم الطبع .. دنيء الهمة .. مريض النفس .. منحرف التفكير .. صفيق الوجه .. عديم المروءة .. ضعيف الديانة .. يتقاطر خسة ودناءة .. ترسب الغل في أحشائه ، فلا يستريح حتى يزيد ويفسد ويؤذي .. فتان فتاك .. ساع في الأرض فساداً .. يجر الفتن للبلاد والعباد .. عضو مسموم .. يسري سريان النار في الهشيم .. يتلون كالحرباء .. وينفث سمومه كالحية الرقطاء .. ديدنه الإفساد والهمز .. وسلوكه الشر واللمز .. وعادته الخبث والغمز .

أقوال من ذهب

قال- صلى الله عليه وسلم -:(كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع )رواه مسلم .. وقال:(  بئس مطية الرجل: زعموا ) سنن أبي داود .. وفي الحديث الآخر: (  أفرى الفري أن يري الرجل عينيه ما لم تريا ) رواه البخاري  .. ومعناه :  يقول رأيت فيما لم يره .. وقال العوفي : لا ترم أحدًا بما ليس لك به علم .. وقال محمد ابن الحنفية: يعني شهادة الزور .. وقال قتادة: لا تقل رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع ، وعلمت ولم تعلم ، فإنَّ الله - تعالى - سائلك عن ذلك كله.. ويقول الإمام مالك- رحمه الله تعالى -: ( اعلم أنه فساد عظيم أن يتكلم الإنسان بكل ما سمع ) .  

نماذج  لبعض الشائعات  

·   فهذا المسيح - عليه السلام -  تشكك الشائعات المغرضة والافتراءات الكاذبة  فيه وفي أمه الصديقة : ( يا أخت هارون ما كان أبوك أمراً سوء وما كنت أمك بغياً ) سورة مريم :28.

·   والكريم بن الكريم بن الكريم يوسف - عليه السلام -  نموذج من نماذج الطهر والنقاء يتهم في عرضه وشرفه (  كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين ) سورة يوسف:24.

·    وأما خير البشر - صلى الله عليه وسلم – الذي جاء بخيري الدنيا والآخرة , رميت دعوته المباركة بالشائعات منذ بزوغها ، فرمي بالسحر والجنون والكذب والكهانة ، وتفنن الكفار والمنافقون الذين مردوا على النفاق في صنع الأراجيف الكاذبة ، والاتهامات الباطلة ضد دعوته - عليه الصلاة والسلام - .

·   ومن أشهر وأخطر الشائعات التي تعرض لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  قصة الإفك المبين .. تلك الحادثة التي كشفت عن شناعة الشائعات , وهي تتناول بيت النبوة الطاهر ، وتتعرض لعرض أكرم الخلق على الله -  صلى الله عليه وسلم - وعرض الصديق و الصديقة ، وصفوان بن المعطل -  رضي الله عنهم أجمعين - .. وتشغل هذه الشائعة المسلمين بـالمدينة شهراً كاملاً .. والمجتمع الإسلامي يصطلي بنار تلك الفرية ، ويتعذب ضميره، وتعصره الشائعة الهوجاء عصراً ، ولولا عناية الله لعصفت بالأخضر واليابس ، حتى تدخل الوحي ليضع حداً لتلك المأساة الفظيعة ، ويرسم المنهج للمسلمين عبر العصور للموقف الواجب اتخاذه عند حلول الشائعات المغرضة .. قال تعالى:( لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين ) سورة  النور: 12 .. وقال : ( لولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتانا عظيم ) سورة  النور: 16

·   وفي معركة أحد أشاع الكفار أن الرسول - صلى الله عليه وسلم – قتل ، فتّ ذلك في عضد كثير من المسلمين، حتى إن بعضهم ألقى السلاح وترك القتال.

·   وأدت الشائعات الكاذبة ضد الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - إلى تجمع أخلاط من المنافقين ودهماء الناس وجهلتهم وأصبحت لهم شوكة، وقتل على إثرها خليفة المسلمين بعد حصاره في بيته وقطع الماء عنه .

·       وما أكثر الشائعات في عصرنا هذا .. ومن أمثلة ذلك :

-  وصية الشيخ أحمد حامل مفاتيح الحرم النبوي الشريف

-  نطق الحجر في فلسطين وما ذكر عن نقل قناة الجزيرة لذلك

-  إصابة كاتب مقالة: "ضرب مكة" التي نشرت في مجلة National Review، بالشلل الرباعي

-  تخصيص أحد المطاعم الأمريكية لدخل يوم كامل لصالح إسرائيل دون أدلة أو براهين

-  ذكر البعض أن أحد المطاعم الأمريكية لا تستخدم دجاجا، بل كائنات بيولوجية .

كيف نواجه الإشاعات

والذي ينبغي علينا أن نواجه به الشائعات هو :

1- تربية المسلم لنفسه وغيره على التصدي للأخبار التي تأتيه : يقولون ..  قلنا ..  قالوا .. حدثني صديقي  .. أخبرني من أثق فيه  .. فالتثبت  التثبت من الأخبار  ومما يروج .. قال سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) سورة الحجرات:6 .. ويقول طلق بن حبيب- رحمه الله - : ( اتقوا الفتن بالتقوى ) ..  

2- أن يقدم حسن الظن بأخيه المسلم .. وهو طلب الدليل الباطني الوجداني .. وأن ينزل أخيه المسلم بمنزلته ، وهذه هي وحدة الصف الداخلي: ( لَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً ) سورة  النور:12  .

 3- أن يطلب الدليل الخارجي البرهاني: ( لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ) سورة  النور:13   

 4- أن لا يتحدث بكل ما سمعه ولا ينشره .. فإن الناس لو لم يتكلموا بمثل هذه الشائعات لماتت في مهدها ولم تجد من يحيها : ( ولَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا) سورة  النور: 16 .. وقال : ( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك عنه مسئولاً )  سورة الإسراء:36  

5- أن يرد الأمر إلى أولي الأمر , ولا يشيعه بين الناس أبداً ، وهذه قاعدة عامة في كل الأخبار المهمة ، والتي لها أثرها الواقعي،كما قال تعالى :( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً ) سورة النساء : 83

6- عدم سماع ما يقوله الكذابون، والمنافقون، والمغتابون، وأصحاب القلوب المريضة ، وعدم الرضي بذلك، كما هو منهج السلف - رضوان الله عليهم- .

 فالشائعات إذا حوصرت بمثل هذا يمكن أن تتفادى آثارها السيئة المترتبة عليها .

في الإنترنت

وفى الإنترنت نجد كثير من الرسائل تتناقل وتوزع وتروج دونما تثبت أو ترو مما يساعد على نقل الشائعات بشكل سريع جداً دونما ضبط  .. فلماذا لا يجتهد الناقل قبل نقله أن يتثبت مما ينقل .