احتفال المولد النبوي مولد أمّة
د. جبر خضير البيتاوي
أ. مساعد في قسم اللغة العربية/ كلية الآداب
جامعة النجاح الوطنية
كل أمة في الأرض تجعل لها زعيماً تقتدي به في حياتها, أفراداً وجماعات, وليكون الأسوة في حياتها ونهجها السياسي والعسكري والاجتماعي, ففرنسا مثلاً جعلت ديجول هو القدوة والنموذج, وأمريكا اتخذت أبراهام لنكولن, وهكذا.
أما أمة العرب والمسلمين ، فقدوتها رسولنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام, القائد والزعيم والأسوة ، فالله تعالى هو القائل : "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الأخر" . فالأسوة هنا التأسي بالرسول الأكرم في صورته وسيرته وصيرورته.
ولهذا مطلوب من المسلمين أن يتعلموا سيرة الرسول "ص" مولده وحياته وجهاده ، امتثالاً لقوله تعالى : "وذكرهم بأيام الله" . أي على المسلمين أن يتذكروا أيام الله والإسلام العظام ، مثل مولد الرسول "ص" والإسراء والمعراج ، والهجرة الشريفة. فلقد تعاقبت الأمة على إقامة الاحتفالات بهذه المناسبة العظيمة لتذكير المسلمين بسيرته العطرة.
لقد كان الرسول "ص" يحتفل بمولده ، وذلك حينما سئل لماذا تصوم يوم الاثنين فقال : لأن هذا هو اليوم الذي ولدت فيه. ونقرأ في السيرة النبوية في فضائل الاحتفال بالمولد النبوي ، أن أبا لهب عم الرسول "ص" احتفل بيوم مولد سيدنا محمد "ص" . وذلك في يوم مولده جاءته جاريته، فقالت: لقد ولد لأخيك عبد الله غلام ، فقال: أحقاً ما تقولين؟ فقالت: نعم ، فقال لها: أنت حرة . ولأنه فرح واحتفل بمولده الشريف على الرغم من كفره وخلوده في النار، يخفّف الله تعالى عنه العذاب يوم الاثنين .
فإذا كان الكافر أبو لهب الذي أنزل الله فيه قراناً : "تبت يدا أبي لهب وتب" استفاد من الاحتفال بمولد الرسول "ص" فكيف بحال المسلمين الذين يحتفلون بمولده الكريم؟
بل نقرأ في تراثنا, من أعظم عند الله ليلة القدر أم ليلة مولد الرسول "ص"؟ فمن قائل ليلة القدر فهي سورة في القران العظيم، قال تعالى : " ليلة القدر خير من ألف شهر" , لكن هناك من يقول من علماء المسلمين أن ليلة مولد النبي محمد "ص" أعظم عند الله, لأنه لو لم يكن مولد الرسول "ص" لم تكن ليلة القدر. أما رأي القائلين والمدعين بأن الاحتفال بالمناسبات الإسلامية ومنها المولد بدعة، فهم لا يستندون على أي دليل شرعي أو منطقي، وأنني أجزم أنهم يريدون قتل روح الأمة الفردية والجماعية بحسن نية أو غيرها.
ولهذا المطلوب من المسلمين جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها أن يحييوا ويحتفلوا أيام الإسلام ، ومنها المولد النبوي الشريف, بقراءة سيرة الرسول الأعظم وتذكير المسلمين بأيام العزة والكرامة، فنحن نحتاج إليها لا سيما في هذه الأيام العصيبة التي خلت منها .
إن إظهار الاحتفالات بالمناسبات الإسلامية مظهر من مظاهر إعادة الروح للأمة وإحياء كيانها المهدور, وأنا متأكد أن طوفان الإسلام أقوى من كل المعوقين الأباعد والأقارب.
فأمة العرب والإسلام مطالبة اليوم بتغيير مسيرتها المعوجة, لتنتقل من الركود إلى الحركة ومن الضعف إلى القوة ومن الانكسار إلى الريادة والسؤدد.