الحركة الإسلامية في الجزائر

الحركة الإسلامية في الجزائر

د.خالد الأحمد *

* الجزائر دولة عربية مسلمة ، سكانها (35) مليوناً من المسلمين السنة ، مع أقلية صغيرة جداً من المذهب الإباضي ، وهؤلاء الإباضيون يلتزمون بالإسلام عقيدة وعبادة وسلوكاً،وهم من العوامل التي حافظت على اللغة العربية خلال الاستعمار الفرنسي ، الذي استمر (130) عاماً من (1832م) وحتى عام (1962م) ، وكان استعماراً استيطانياً وثقافياً حارب الإسلام واللغة العربية ، وحاول نشر النصرانية ، كما حاول دق أسافين الفرقة بين العرب والبربر .

* لذلك ارتبط الاسلام بالتحرر من الاستعمار ، لأن أول من قاوم المستعمر الفرنسي هم العلماء مثل الأمير عبد القادر الجزائري ، ومن ثم الإمام عبد الحميد بن باديس ، والبشير الإبراهيمي ، وجمعية العلماء المسلمين ، كما ارتبط الاستعمار بالصليبية والتنصير ...

وكان الثوار الجزائريون يطبقون الشريعة الإسلامية في الجبال حيث يقاومون الجيوش الفرنسية بعد ثورة (1954م) ، وكثير من قادتهم يحفظون القرآن الكريم ....

·  عملت في الجزائـر مدرسـاً للفلسفة في ثانويـة ورقلـة المختلطـة خمس سـنوات من ( 17/9/1974م) وحتى (16/6/1979م) ...وأهم مالفت انتباهي ( حب الجزائريين والجزائريات للإسلام ) ، على الرغم من قلة معرفتهم بأحكامه يومذاك ...وأسوق هذا المثال لأوضح ذلك : الفلسفة عندهم للصف الثالث الثانوي فقط ، ولاعلاقة لي بطلاب وطالبات أول وثاني ثانوي ، تحجبت بعض طالباتي في الصف الثالث ( 1978م) ، وذات يوم كنت أقطع باحـة الثانوية ، ومررت قرب فتيات ثلاث من الأول ثانوي ( المراهقة ) فصرن ينادين : أستاذ...أستاذ ... أستاذ خالد ...أستاذ الفلسفة ، وهن سافرات بل متبرجات جداً ، ونظام المدرسة الجزائرية لايفرض على الطلبة أي نوع من اللباس ، ظننت أنهن يسخرن ويهزأن مني ، فلم أرد ولم أقف ، عندئذ جرين ووقفن أمامي وكأنهن طوقنني كي لا أهرب منهن ، فوقفت أتصبب عرقاً من هذا الموقف الذي لم أعتد عليه ، الشيخ خالد ( كما يسمونني يقف مع مراهقات الأول ثانوي ، بل مع مجموعة مميزة !!! ) ، فقالت إحداهن : أستاذ كيف تلبس المرأة في الإسلام ؟ أيضاً ظننت أنهن يهزأن بي ، ولكن من فضل الله أن مدني بالصبر ـ وما أحلى الصبر ـ فقلت : أي لباس يستر جسدها كله ، فضفاض ، ولونه غير زاه ( وتلاحظون أن جوابي أقل من عشر كلمات ) ، ثم انطلقت أحمد الله على السلامة ... وأتلفت حولي كي أطمئن أن الماركسيين لم يصوروا هذا المنظر ، (شيخ ومراهقات ثلاث) ، وبعد ثلاثة أيام كدت أسجد لله شكراً في باحة الثانوية عندما رأيتهن ( الثلاث) محجبات ، وحمدت الله ، ودعوته أن يسجلها في صحائف أعمالي .....

وبعد (29) عاماً أكرمني الله بزيارة أحبابي الجزائريين ، وعشت شهراً فريداً في حياتي من (2/8/2007) وحتى (2/9/2007) .... رأيت بعض طالباتي يعرفنني على أولادهن الشباب المسلمين بلحاهم الجميلة ، وبناتهن المحجبات ، كما سلم علي بعض الشباب المسلم يقولون : نحن أحفادك ( تلاميذ تلاميذك ) ، ولله الحمد والفضل والمنـة ....    

الحركة الإسلامية في الجزائر :

أقصد بالحركة الإسلامية مجموع الداعين والعاملين على صحوة المسلمين وعودتهم إلى الالتزام بشريعة الله عزوجل في حياتهم كلها ، ومنها حياتهم السياسية ، وهذه الحركة تشمل الجماعات التالية :

1. حركة مجتمع الســلم ( حمس) ، وهي أكبر وأقوى الحركات ، مشاركة في الحكم ، ولها دور بارز في الدعوة والتربية الإسلامية ، وقد أفردتها بموضوع خاص نظراً لأهميتها ، ومن البدهي أن منهجها يتفق مع منهج الإخوان المسلمين في الفكر والتربية وأسلوب العمل . سمت نفسها حركة المجتمع الاسلامي ( حماس) ، ولكن الدولة فيما بعد أصدرت قانوناً يمنع الأحزاب من التسمي بالدين ، فبدلت كلمة (الإسلام) بكلمة ( السلم ) ...

2. حركة النهضـة : وقد أسسها الشيخ عبد الله جاب الله في الثمانينات ، باسم النهضة الإسلامية ، ثم حذفت كلمة إسلامية لتتفق مع القانون ، ثم حصل انقسام فيها ، فخرج منها الأخ عبدالله جاب الله ، واستمرت بقيادة الأخ ( الحبيب الآدمي ) ، وشاركت في الانتخابات قبل الانشقاق وبعده ، ومازالت مشاركة ، وحصلت على (5) مقاعد في الانتخابات النيابية الأخيرة (2007) ، ومنهجها يتفق مع منهج الإخوان المسلمين في الفكر والتربية وأسلوب العمل .

3. حركة الإصلاح : وقد أسسها الشيخ عبد الله جاب الله ، بعد أن ترك حركة النهضة ، وشاركت في الانتخابات الأخيرة (2007) ، وحصلت على (3) نواب تقريباً . وتتفق مع الإخوان المسلمين في الفكر والتربية ، لكنها لاترى منهج المشاركة حالياً ذا فائدة ، بل تراه ضاراً بالحركة الإسلامية ، وبالجزائر ، لأن الحكومة تستفيد من الحركة الإسلامية المشاركة أكثر مما تعطيها ...

4. بقايا الجبهة الإسلامية للإنقاذ : ومن التسمية تعرف أنها مجموعة من عدة حركات ، وخاصة السلفيين السياسيين مثل الشيخ علي بلحاج ، ومن كوادر حركة النهضة ( من الفكر الإخواني ) مثل الدكتور عبد القادر حشاني يرحمه الله ، والأخوين علي جـدي ، وعبد القادر بوخمخم .. وشيخها الدكتور عباسي مدني ، يعيش حالياً في قطـر ، وهو في الثمانينات كما أعتقد ...  ولايسمح لها بالعمل في الجزائر حالياً ، لأنها كانت سبباً في الفتنـة المسلحة التي دامت عشر سنوات ، وراح ضحيتها أكثر من مائة ألف جزائري ...

هذه الجبهة كونها الدكتور عباسي مدني ، وعلي بلحاج ، على عجـل ، ولم ينسقوا مع الشيخ محفوظ النحناح يرحمه الله ، أو مع الشيخ عبدالله جاب الله ، وكلاهما من الناضجين في العمل السياسي الإسلامي ، وكأن عباسي مدني ظن أن يسحب البساط من تحتهما ، ويستوعب جماهيرهما ، وقد كان بعض ذلك في البداية ، حيث التحق بعض الشباب من جماعة الشيخ محفوظ ، كما التحق بعض كبار رجال الأخ عبدالله جاب الله ؛ بالجبهة الإسلامية للإنقاذ ...

5. جماعة الجــزأرة : وهي مجموعة من الأكاديميين ، ترى أن يكون الفكر الإسلامي المطروح للناشئة فكراً إسلامياً جزائرياً فقط ، أي فكر ابن باديس ، ومالك بن نبي ، وأمثالهم ... وقد دخل قسم كبير منها في الجبهة الإسلامية للإنقاذ ، مثل الشـيخ ( محمد الســعيد ) يرحمه الله ...  ويبدو أنها قليلة العدد ( اليوم ) ، وقل تأثيرها ، بعد أن كانت قوية في الثمانينات ...

6. الجماعات السلفية :

  في الجزائر عدة جماعات سلفية متباينة في منهجها ، ولايجمعها سوى الاسم أحياناً ومنها :

1. السلفيون العلميون : وهم امتداد للسلفيين في الجزيرة العربية ، وخاصة المدينة المنورة ، ومنهجهم يتلخص في :

o   طاعة الحاكم وعدم منازعته لأنه ولي أمر تجب طاعته .

o   محاربة الشــرك بشتى أشكاله وأنواعه .

o   محاربة الــبدع والخرافات ، وتنقية العقيدة منها .

o عدم التدخل في السياسة لأنها ( نجاسـة ) . ويعادون الإخوان المسلمين لانهماكهم في العمل السياسي .

2. السلفيون السياسيون : ومنهم علي بلحاج ، وهو عالم سلفي متعمق بالعلم ، والدعوة إلى الله عزوجل ، ومربي مسجدي من الطراز الممتاز ـ كما ينقل عنه ـ ويهتم بالعمل السياسي على خلاف السلفية العلمية ، ومن المعروف مشاركته عباسي مدني في قيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ ...

3. السـلفيون المسلحون : وهم مجموعة من الأفغان العرب ، وتلاميذهم ، ومن تلاميذ علي بلحاج وأمثاله ، ومن تلاميذ ( مصطفى يعلي ) يرحمه الله ، ومن الشباب الذي انحرف فهمه للإسلام الصحيح ، وقتلوا ألوفاً من المسلمين الجزائريين ، منهم أكثر من (500) أخ من الإخوان في حركة مجتمع السلم أولهم الشيخ محمد أبو سليماني نائب رئيس الحركة يرحمه الله ...

وقد تاب كثير منهم مثل (مدني مرزاق )وغيره ، وعادوا إلى السلفية السياسية ، وندموا على عملهم المسلح ، بعد أن طرح بوتفليقة مشروع المصالحة والوئام المدني ...

7. الطرقيــون ( الصوفيون ): والطرقيون في شمال أفريقيا يختلفون عن الصوفيين في بلاد الشام ، فبينما ينتشر العلم في بلاد الشام ، ويضبط سلوك الصوفيين إلى درجة لا بأس بها ، نجـد عامـة ( الطرقيين ) في شمال إفريقيا يبتعدون عن الأحكام الواضحة في الشريعة الإسلامية  ...وفي الجزائر عدة طرق مشهورة لها عشرات الآلاف من الأتباع ومنها :

1. الطريقة الهبـريـة : وشيخها بلقائد يرحمه الله من سيدي بلعباس ، ويكثر في أتباعها الأكاديميون والوزراء والمسؤولون الكبار ، وللشيخ بلقائد أتباع في الحجاز ، ومن المعروف انتظار طلابه لـه في مطار ( جـدة ) واستقباله بأفخم السيارات واستضافته في أفخم الفنادق ، لأن معظم أتباعه من الأثرياء أيضاً .... وينتشر بين العامة أن الشيخ بلقائد ( يسحر ) من يقابله ويجعله من مريديـه ، وقد فعل ذلك مع الدكتور عبد الحليم بن شيكو ، وهو متخصص في الفيزياء ودرس في أمريكا ، وكان نشطاً في الجامعة يدعو إلى الصحوة الإسلامية حتى زار الشيخ بلقائد فصار من مريديه وخمد نشاطه الدعوي بين الطلاب ، وانعكف يصلح نفسه ويصقلها ...

2. الطريقة التيجانية :  وهي أكبر طريقة صوفية في أفريقيا عامة ، والجزائر خاصة ، وتنتشر في ولايات الجنوب ، وكان لها دور إيجابي وعظيم جداً في نشـر الإسلام في أفريقيا، وآثارها واضحة جداً في العامـة عندما خدمت في الجزائر ( 74ـ 79) .

3. الطريقة القادريـة ، وأتباعها في الجنوب والوسط ، وكانت في صراع وتنافس قوي مع الطريقة التيجانية ، خاصة خلال الاستعمار الفرنسي ...

   وبشكل عام يقل أتباع الطريقيتين التيجانية والقادرية بين الشباب ، وتحافظ الطريقة الهبرية على وجودها بسبب صلتها بالحكومة والمسؤولين ...  والطرق الصوفية كما هو معلوم تعكف على إصلاح النفس والروح ، وتنعزل عن حركة المجتمع السياسية ، وتشجع الابتعاد عن العمل السياسي ...

8. الإباضيـون : أصنف الإباضيين ضمن فصائل الحركة الإسلامية لأنهم يربون أولادهم وبناتهم على الإسلام منذ نعومة أظفارهم ، وأكثر من (99 % ) من أجيالهم الصاعدة تنشأ على الإسلام في سلوكها على الأقل ، ويندر أن ينحرف أحد عن السلوك الإسلامي ، ويهتمون بتربية صغارهم منذ السابعة على الإسلام ، ويلحقونهم بمدارس خاصة تقيمها جماعة الإباضيين ، تعلمهم الإسلام واللغة العربية ، ويداومون فيها من صلاة الفجر وحتى قبيل الذهاب إلى المدرسة الحكومية ، وتسمى مدارس الإصلاح ....كما أن الإباضيين يطبقون مايمكن من أحكام الشريعة الإسلامية في حياتهم (( وحتى الاستقلال كانوا يطبقون الحدود : (القصاص والرجم والقطع ) حيث منعتهم الحكومة الوطنية بعد ذلك )) ، وخاصة الجوانب الاجتماعية ، والقضائية ، فلايتحاكمون إلى المحاكم الحكومية إلا نادراً ، وإنما يتحاكمون إلى علمائهم ...وقد أكتب عنهم مستقبلاً كتابة موسعة إن شاء الله ....

هذه بعض فصائل الحركة الإسلامية المعاصرة في الجزائر ، ولا أدعي أنني ذكرتها كلها ، بل هذا ماحضرني في عجالة ، ولعلها توجد حركات إسلامية أخرى في الجزائر ، وأخيراً أدعو الله عزوجل أن تستقر الجزائر ، وأن يبعد عنها الفتن ، والمؤامرات الداخلية والخارجية ، وأن يوحد جهود العاملين في الحركات الإسلامية ، لأنني أتوقع للجزائر أن تكون رائدة وقائدة للصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي كله ، وليس ذلك على الله ببعيد ...والحمد لله رب العالمين ....

              

    * كاتب سوري في المنفى باحث في التربية السياسية