رمضان في الأحواز

عادل العابر - الأحواز

[email protected]

في كل عام يطل علينا رمضان الكريم أعاده الله على جميع المسلمين باليمن والبركة والنصر، ونسأله سبحانه وتعالى أن يمن علينا بالتحرير من الحكومة الفارسية.

 في كل عام تبتهج قلوبنا عند إطلالة هذا الشهر العظيم ونحن نصوم ونكثر من الصلاة ونطعم الفقراء والمساكين.

 وفي هذا الشهر تدخل المائدة أطعمة جديدة لا تدخلها إلا في رمضان كالشعرية واللقيمات والنشه والكبة والمحلبية.

ولكنها لا تدخل بيوت الفقراء بسبب ارتفاع الأسعار وعدم استطاعتهم شراء مكوناتها. ففي رمضان يغلا السوق غلاء غير معهود لعدم وجود أي رقابة من جانب الحكومة، فأكثر أهل السوق سامحهم الله يرفعون الأسعار حتى أن تصل إلى الضعف أو الضعفين! ولا من سائل ولا مسؤول، فيبقى الفقير وأطفاله يتحسرون على بعض ما يأكله الأغنياء.

 وفي الأحواز توجد جماعة تسمى (الملالي) ويلقبون أنفسهم (خدام أهل البيت) ومهنة هؤلاء الخطابة والنواح في شهري رمضان ومحرم! والحقيقة أن أكثرهم أناس غير متعلمين وغير مثقفين ومستوى تعليمهم الكتابة والقراءة لا اكثر، فهم نفس التلاميذ الذين لم ينجحوا في دروسهم في الأمس! وقد رسبوا كراراً ومراراً في الدروس حتى طردوا من المدارس-وأنا أعرفهم- فلم يجدوا باباً لطلب رزقهم سوى مهنة (النواح).

فهؤلاء يصيغون الأكاذيب حول استشهاد الإمام على والإمام الحسين عليهما السلام كي يبكوا الناس! ويكررون ما يقولون في كل عام، والعجيب أن مستمعي هؤلاء لا يملون سماعهم.

ففي شهر رمضان تقام المآتم ثلاثين يوماً وفي محرم عشرة أيام.

ولا بد من ذكر الحقيقة أن هناك نقطة إيجابية قد تفوتك إن لم تحضر هذه المجالس، وهي أنك تتعرف على أبناء حارتك أو مدينتك من خلال زيارتك إياهم في هذه المجالس.

وفي الأحواز جيلان مختلفان من حيث الرؤيا الدينية والاجتماعية والسياسية،

وهذان الجيلان هما جيل الأجداد وجيل الآباء.

فالأجداد هم الذين طعنوا في السن وبلغوا الخمسين والستين والسبعين من العمر.

والآباء تتراوح أعمارهم بين العشرين والخمسين وهناك جيل ثالث هو جيل الأبناء.

فجيل الأجداد هو الجيل الذي يحيي المآتم في البيوت أو المساجد أو الحسينيات، ويبذل ما عنده من المال على الملالي الذين لا يقنعون بأقل من خمسة ملايين ريالاً إيرانياً! ونواحهم لا يستغرق نصف ساعة! فهم يكسبون ما لا يقل عن عشرة ملايين ريالاً خلال شهر واحد. مكسب جيد ما كانوا ليكسبوه في هذه الفترة القصيرة لو أنهم درسوا وتوظفوا.

 وجيل الآباء قد بدأ ومنذ نيف من السنين يخالف الأجداد في معتقداتهم، فهو بدأ يرفض الحضور في المآتم معتبراً إياها بدعة أبتدعها الصفويون.

وهناك لعبة تسمى (امحيبس) يلعبها الأحوازيون في رمضان. فترى فريقاً يخبأ الخاتم وفريقاً آخر يبحث عنه، وما أن وجده حتى تقام الأهازيج والدبكة الأحوازية التي نسميها (الهوسة أو اليزلة).

 وفي رمضان هذا العام منع النظام الإيراني الأحوازيين من ممارسة هذه اللعبة الشعبية! وقد هجم رجال أمنه على بعض الشباب الذين كانوا يلعبون (امحيبس) فأهانوهم بالشتائم والضرب وقد سجن بعضهم بتهمة تحريض الناس على الشغب وإثارة الاضطرابات.

 ورغم أن جهاز الستلايت ممنوع في الأحواز ألا أن اكثر الأحوازيين يملكون الستلايت ويتابعون المسلسلات العربية المخصصة لرمضان والأحاديث الدينية والسياسية التي تعرض في القنوات العربية.

 وفي رمضان يرسل الإيرانيون رجال الدين من حوزة قم إلى المدارس في الأحواز ليبلغوا للنظام بحجة التبليغ للدين! فتراهم بعمائمهم البيض والسود حاضرين في المدارس من الصباح وحتى المساء إما أن يذهبوا في الصف بدل المدرس أو في أجراس الفسحة بين التلاميذ والطلاب.

 ولا يفطر الإيرانيون مع العرب عند إتمام شهر رمضان، بل يتأخرون يوماً أو يومين! ولا أدري هل هي مسألة شرعية أم هو اختلاف سياسي أراد الصفويون أن يبرزوا وجودهم به.

 ويتابع اكثر رجال الدين العرب في الأحواز سياسة إيران خوفاً من بطش حكامه, فهناك مسألة شرعية توجد في كل رسائل المراجع عند الشيعة وهي لو أن رجلين عادلين رأيا الهلال يقبل منهما ويفطر المسلمون اعتماداً على رؤيتهما.

 ولكن الأمر يختلف عند رجال ديننا في الأحواز، ففي إحدى السنين ذهبت إلى الشيخ محمد الكرمي رحمه الله وهو مرجع دين لاستخبر عن هلال العيد، وقد جاء اكثر من مائة شخص ليدلوا بشهادة رؤيتهم للهلال، ولكن الشيخ لم يقتنع منهم!

 أو ربما قد اقتنع لكنه خاف أن يعلن العيد! وانتظرنا حتى منتصف الليل إلى أن أعلن التلفزيون الإيراني حلول العيد ثم أعلن بعدها الكرمي حلوله.

 وفي الأحواز يفطر جيل الأجداد مع الإيرانيين وجيل الآباء مع الدول العربية!

 ولا تعجب إن وجدت بعض أفراد الأسرة صائمين في يوم يعتبره البعض الآخر عيداً! ولهذا فهم مفطرون. وإن شئت فقل بعضهم شيعة وهم جيل الأجداد، والبعض الآخر سنة وهم جيل الآباء.

 وقبل حلول العيد يشتري الأحوازيون الحلويات والملابس لاستقبال هذا اليوم العظيم ويعايد بعضهم البعض، فترى الجيران كلهم يأتون لبيتك ويأكلون الحلويات ويباركون لك العيد طالبين من الله أن يقبل صيامك وقيامك، إنما عطلته يوم واحد لا اكثر! والدليل أن الإيرانيين لا يعلقون أي أهمية لهذا العيد ويعتبرونه يوم عطلة كباقي العطلات. فهم لا يحتفلون به ولا يعايدون فيه ويسمونه عيد العرب!

 وإن استفهمت عن عيدهم يقولون ودون أي مكث وبافتخار:

 عيدنا هو عيد النيروز.

 وعند العيد يجمع الأحوازيون الفطرة للفقراء، والفطرة مبلغ من المال يستخرج من أموال الصائمين وذويهم ويتبرع به رب المنزل حسب تعداد الأفراد في أسرته،

 أي يستخرج لكل فرد من أسرته مبلغاً يعادل الدولار والنصف ثم يتبرع به للفقراء.