ياسمين الفلسطينية

إطلالة على مستقبل جيل واعد

كل التقدير للطفولة التي قفزت لمستوى يعجز عنه أدعياء الثقافة

ياسمين شملاوي

[email protected]

رأفت العيص

[email protected]

ياسمين شملاوي تلك الطفلة الفلسطينية التي اكتسبت الشهرة كأصغر كاتبة عربية، لها الحق بنيل تلك التسمية، لكن ليس كأصغر كاتبة فحسب، بل كأنضج كاتبة. منذ أيام وعندما كنت أهم مغادرة مكان عملي، دخل والدها غسان الذي تربطني به علاقة قديمة، ولم التق به منذ سنوات. فقد كان برفقة ابنته بمؤتمر الإعلاميين الشباب في طولكرم، وانتهز الفرصة بعد انتهاء الاجتماع للمرور والسلام. أشار لي على ابنته ياسمين معرفا، فسبقته بتكملة التعريف، طبعا الكاتبة ياسمين أصغر كاتبة عربية وكلنا نعتز بموهبتها وقدراتها. قبل ذلك اللقاء، كنت اعتبرها مجرد طفلة، لكن عندما جلست وأخذت تتحدث، اكتشفت على الفور ملكيتها لموهبة عظيمة ستجعل منها علما على غرار فدوى طوقان وسلمى الخضراء الجيوسي، فقد كانت تناقش كمثقف له باع طويل وتمرس بالأدب، وليس مجرد طفلة بمقتبل العمر. قبل عدة أيام من لقائي بياسمين ووالدها، شهدت طولكرم مهرجانا كبيرا حضرته فعاليات رسمية وشعبية، وكان هدف المهرجان إطلاق كتاب تحت عنوان " حوش يا صاحب الكرم حوش" والعنوان مستوحى من قصة شعبية شهيرة عن أبي الحصين "الثعلب". الكتاب بالمناسبة، يضم مجموعة كبيرة من القصص الشعبية التي صاغها الأطفال بأقلامهم. وكانت المفاجئة كبيرة عندما اصطف على المسرح عشرات الأطفال الذين شاركوا بكتابة القصص التي سمعوها من جداتهم وعبروا عنها بأقلامهم، وبعضهم لم يتجاوز الثانية عشرة من العمر. المتصفح للكتاب يكتشف ملكات ومواهب لفتية وفتيات ساهموا بالحفاظ على التراث الشعبي وتدوينه، مواهب بحاجة إلى صقل ورعاية حتى يحمل أصحابها مشاعل الثقافة التي أخذت تخبو رويدا رويدا في عالم يسوده حزم معلومات غير مغربلة. الجيل الجديد يقع على عاتقه حمل الهوية الثقافية للشعب الفلسطيني والحفاظ على الموروث الثقافي وتطويره، وإذا لم تكن هناك خطط وبرامج مدروسة من قبل مؤسسات المجتمع المدني ووزارة الثقافة الفلسطينية، ممكن أن تضيع تلك الملكات الشابة أو تنحرف عن الطريق المفترض أن تختطه. مثل ياسمين بالشعب الفلسطيني الكثير من الفتيات والفتية، وربما أسعف ياسمين رعاية والدها لها ومتابعته لأمورها وتشجيعها ومرافقتها للمحافل الثقافية. لكن ليس كل طفل موهوب يجد الطريق ممهدة وسهلة كحالة ياسمين. عالم الأطفال الغير منعزل عن عالمنا الذي نعيشه، يعج بالفنانين والرياضيين والرسامين الموهوبين بالموازاة مع أقلام واعدة، والتي جميعها إذا نالت الرعاية والتوجيه السليم والدعم، لاستطعنا من خلالها أن نضاهي الأمم، وحتى التفوق على كثير من الشعوب، فالشعب الفلسطيني يمثل معلما هاما من معالم الحضارة الإنسانية قديمها وحديثها، وساهم ولا يزال يساهم بالوعي الإنساني بأبدع صوره. والحفاظ على ذلك التميز هو برعاية جيل ربما حرق مراحل الطفولة وبساطتها، وحمل عبئا يثقل كاهله. كل التقدير للطفولة التي قفزت لمستوى يعجز عنه أدعياء الثقافة. وكل التحية لياسمين التي استطاعت أن تحلق بأجنحة غضة وتفرض نفسها بعالم يسوده النسور. لكن تبقى بأعناقنا جميعا أمانة، أن لا نجعل من بعض تلك المواهب أبواق للهتاف أو صناعة أقلام تنزف حقدا، بل مدادا يعبر عن أصالة الشعب وقضاياه العادلة.