الجامعة …حلم الطالب السوري
هند الدندشي
انطلاقاً من كوني طالبة بالدرجة الأولى وطالبة إعلام بالدرجة الثانية، أحببت أن ألقي الضوء على مسألة تزداد صعوبة فهمها والتعامل معها في سوريا في الوقت الذي أصبحت فيه أمراً واضحاً ومفهوماً في أغلب الدول المجاورة !!
إنها رغبة الطالب السوري في إتمام تعليمه في المرحلة الجامعية، أحد أهم الأمور التي تمس كل طالب يرغب في بناء مستقبله على خطى الحلم الذي رسمه لنفسه، تزداد صعوبة التعامل مع الموضوع عاماً بعد عام وبات يشكل مصدر قلق حقيقي لكل من الأهل والطلاب على حد سواء.
فبعد المرحلة الثانوية التي تتطلب جهداً فائقاً من جد وتعب وسهر ينتقل الطالب لمرحلة تقديم الطلبات للمفاضلة العامة أو ما يسمى بمعدلات القبول الجامعي و هي جداول تحدد الدرجات التي يتطلبها كل فرع كشرط للانتساب ، ومرحلة سابقة لمفاضلة ثانية يتم على أساسها تحديد المعدلات النهائية المطلوبة لكل فرع باعتمادها على عدد الطلاب المتقدمين لكل فرع.
يفصل المفاضلتين فترة يعيش فيها الطالب في أمل الانتظار والترقب ليفاجئ عند صدور المفاضلة الثانية بأن أغلب رغباته مرفوضة!! ممهدة لمرحلة جديدة من الإحباط وفقدان الأمل !! سيعتقد أغلب الطلاب –الذين اقتربوا من الثامنة عشرة- أنهم بأمان و سيتم قبولهم في فرع يزداد معدلهم في الثانوية عن المعدل المطلوب بخمس أو عشر علامات لتـأتي المفاجأة في المفاضلة الثانية بارتفاع في المعدل المطلوب بأكثر من ذلك بكثير !! وما يزيد الطين بلة هو عدد الرغبات التي يجب تعبئتها في بطاقة المفاضلة !! 25 رغبة إجبارية من الكليات والرغبات المتوافرة !! من يمتلك 25 هواية أو طموحاً للدراسة ؟؟؟
المشكلة هي أن القبول يتم بالترتيب، وفي حال لم تمكن درجات الطالب الفرع الذي يريد ستنتقل الرغبة أوتوماتيكياً للفرع التالي !! وغالباً ما يعبئ الطلاب بطاقات المفاضلة بشكل اعتباطي بعد الرغبة الخامسة أو السادسة، أحد الأصدقاء الذي يحمل معدل 92.2 % كانت نتيجة مفاضلته "المعهد الطبي"!! لأنه لم يدرس أول 15 رغبة بعناية فائقة !!
تتطلب أغلب الجامعات الحكومية معدل 75% من المجموع العام لكي يدخل الطالب على الأقل الفروع الجامعية الأدبية من تاريخ وجغرافية و غيرها، أما الفروع الجامعية العلمية كالطب والهندسة فتتطلب 97-98%، حتى أن المعاهد المتوسطة (كالمعهد الطبي السابق) تتطلب 60% !! والمعدلات في ازدياد !! فمن استطاع من عامين أن يدرس الإعلام مثلاً لن يستطيع الآن بنفس المعدل !! في كل عام تصدر مفاجئة جديدة في عالم المفاضلة الواسع.
هل يسمى هذا "تعجيزاً" ؟؟
كيف يمكن أن يؤثر نظام كهذا على إمكانيات طالب متفوق ؟ من المؤكد أن الجامعة السورية جامعة عريقة وقديمة ولكن لماذا هذه الشروط ؟ أثر هذا بشكل كبير حتى على عقلية الأهل !! حتى أننا بدأنا نسمع عبارات كـ " المهم أن تدخل الجامعة، لا يهم الفرع الذي تدرسه" أو " كفانا حديثاً عما تريد أن تدرس المهم هو أن تحصل أعلى مجموع"، وبالطبع كل هذا ردود أفعال على مشكلة تزداد يوماً بعد يوم.
هنا يبدأ الطالب بالشعور بعدم إمكانية تحقيق حلمه الذي كان يخطط له طيلة حياته ويضطر لإكمال دراسة ربما لم يفكر يوماً أن يدرسها، ولعل سوق العمل السوري أفضل مثال على هذا.
ما أسباب هذا ؟؟ كثيرة هي الأسباب في الحقيقة، وما يقال من الجهات المختصة هو أن الاستيعاب وصل إلى أعلى درجاته في السنوات الأخيرة، خاصة وإن علمنا أن الدراسة الجامعية في سوريا مجانية وهذا عبئ كبير على وزارة التعليم العالي.
قد يكون هذا صحيحاً !! ولكن لماذا أتاحت الجامعة نظاماً جديداً من التدريس "نظام التعليم الموازي" الذي يحصل فيه الطالب على كامل مميزات الطالب النظامي ولكن لقاء دفع مبالغ سنوية تتراوح بين 600 و 3000 دولار !! كيف ازداد الاستيعاب فجأة ؟؟ ولماذا مثلاً لا يتم إحداث مبان جامعية جديدة لاستيعاب طلابي أفضل ؟
المهم أن حلولاً عديداً تظهر بين الحين والآخر، سمح مثلاً للجامعات الخاصة البدء بالعمل إضافة إلى أحداث الجامعة الافتراضية ونظام التعليم المفتوح والتي أثرت طبعاً في المسيرة التعليمية وحلت مشاكل الكثيرين.
ولكن المشكلة هي في الأقاويل الدائمة والجدل المستعر حول جدوى هذه الحلول، أثير في العام الماضي مثلاً مشكلة كبيرة حول "الاعتراف الرسمي" بنظام التعليم المفتوح علماً أنه توقف الآن أيضاً بسبب مشكلة الاستيعاب !!! أما الجامعات الخاصة فعلامات الاستفهام تزداد حولها يوماً بعد يوم، سمعنا كثيراً من القصص عن ارتباطات زائفة مع جامعات عالمية كان لها تأثيراً كبيراً على سمعة هذه الجامعات !! حتى أن قراراً (غريباً) بعدم السماح لأي جامعة سورية خاصة بإضافة اسم أجنبي إليها كالسورية الألمانية أو الأوروبية مثلاً صدر من فترة قصيرة جداً !! أما الحديث عن التكاليف الباهظة لهذه الجامعات هو أمر آخر تماماً.
لا تزال الجامعة السورية هي الحل الأفضل بالنسبة لكثيرين، ومن المؤكد أن هذا هو القرار السليم تجاه جامعة يعود تاريخها إلى الأربعينيات ولكن شروطاً كهذه لن تساعد أبداً في رفع اسم الجامعة السورية من جديد.