قالوا في رمضان

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

من الحقائق التي حملها إلينا التاريخ، وسرى مسرى الأمثال قولهم "العرب أمة شاعرة". وكذلك قولهم "الشعر ديوان العرب". ولا مبالغة في ذلك: فالشعر هو الذي حفظ تاريخهم وأيامهم، ومسيرتة حياتهم.

و ها قد أهل علينا باليمن والبركات شهر رمضان المعظم، وهو ربيع النفوس والقلوب، وكان لرمضان في وجدان الشعراء تدفق ثرار فاض بأعذب الكلم. فلتكن هذه الحلقة من "ديوان العرب" عن "رمضان والصيام.

ونستهلها بقوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ).

ثم لنستمع بعد ذلك للشاعر "يس الفيل" وهو يحيي هذا الشهر المعظم قائلاً:

شـهر  الصيام تحية من iiشاعر
هـذى  أحاسيسي بليلك iiتزدهي
أقـبـل كما أرجو عوالم iiرحمةٍ
وأقـم  كـريـمًا بين أكرم iiأمةٍ



عن كل ما يؤذي المشاعر صاما
ومـشاعري  لك طاعة iiتتسامى
حتى  لمن هو عن سناك iiتعامى
خـطرت هدى، وتألقت iiإسلاما

ويتحدثُ الشاعرُ عن فضيلة الصوم، وأثرها الروحي والتربوي في نفوس المسلمين الذين يصومون ويعبدون الله.. ابتغاء وجه الله. يقول الشاعر يس الفيل:

هذى الجموعُ إلى الصيام تسابَقَتْ
صـامـوا نهارًا، واستظل بليلهم
يـبـغون وجه الله في ملأ iiطغى
يـتـألـقـون بـما أفأت iiعليهم
وإلـيك يلتجئون إن عصفت iiبهم
فـانـصر  عبادك، إنهم بك iiقوةٌ





الـكـل فـيك بفيض برك iiهاما
أمـل، وجـادوا بـاليسير iiكراما
ومـضـى يقطع بينهم.. iiأرحامَا
ويـحـطمون بأرضهم.. iiأصناما
مـحـنٌ،  ومدت للضلوع iiسهاما
كبرى، وهم بسوي رضاك iiيتامى

وبعاطفةٍ إيمانية متدفقة: نرى الشاعر "محمد هاشم رشيد" يوجهُ نداء للمسلمين في كل من بالمعمورة لكي يدركوا عبرة الصوم، ويأخذوا أنفسهم بها عمليًا، تُرى ماذا يقصد الشاعر بعبرة الصوم؟ يقول الشاعر:

أيها  المسلمون في كل أرض
آن  يا إخوتي اللقاءُ iiالمرجى
لـم  نـكن غير أمة iiوحدتها
ثـم  عـدنـا قبائلاً iiوشعوبًا
عـبـرة  الصوم أن iiنتلاقى
فـلـقـد وحد الصيام خطانا





وعـلـى كل بقعة أو iiبلاد..
بعد طول النوى وطول البعاد
شرعة الحق والهدى iiوالرشادِ
وافـتـرقنا في كل أفق iiونادِ
من  جديد على طريق iiالجهادِ
ومـنانا  برغم أنف iiالأعادي

وفي قصة شعرية، يقدم الشاعر محمد هاشم رشيد عبرًا، وقيمًا إنسانيةً أخرى للصوم، وتبدأ هذه القصيدةُ القصصيةُ بأحدِ المسلمين الموسرين الصائمين يقدمه الشاعر وقد:

سـارَ والـشـمسُ فوقهُ iiتتلظى
سـاهـمًا،  ملء صدره iiزفراتٌ
ظامئًا يعصف الصدى بين جنبيه
جائعًا ـ تصرخ الضلوعُ iiوتشكو



فـتـحـيـلُ الوجودَ شعلةَ iiنارِ
خـلـفـتـه  مـبـلبل iiالأفكارِ
كـلـفـح  الهجير بين البراري
مـا  تلاقيه من ضني iiوانصهار

وبينما هو في الطريق إلى قصره: رأى ما يشبهُ الكوخ بلا سقف، وقد ضم عجوزًا وفتيةً استبد بهم الفقرُ والضعفُ والشقاء، فيتفتح ضمير الصائم الثري، ويستبد به الحزن لما يرى، ولكن الشعورَ الحيَّ وحده لا يطعم جائعًا، ولا يروي ظامئًا، لذلك ترجَمَ الرجلُ شعورَه إلى عمل:

وأتى الكوخ قائلاً: "أيها القومُ

هلموا.. فأنتم في جواري

اهجروا الكوخ، وانزلوا في رحابي

أنتِ أمي، وهؤلاء صغاري

***

ويختمُ الشاعر قصتَه بإبرازِ أهمِّ القيم الروحيةِ والاجتماعيةِ، والإنسانية التي يقودُنا إليها الصوم. فيقول:

هكذا  الصومُ فكرةٌ تملأُ iiالنفس
هكذا الصومُ نشوةٌ تاسر الروح
هكذا الصوم رحمة تغمر القلب
ليس  معناهُ أن نجوعَ iiونصدى
ونرى البؤس والشقاءَ iiفنغضي




فـتـسـمـو  لـعالم iiالأنوارِ
فـتـمضي مع النسيم iiالسارِي
فـيـحـيـا بـسـنة iiالإيثار
ونقضي  الحياة مثل الضوارِي
ثـم  نـرجـو تفضلُ iiالجبارِ

ونلتقي بشاعر طيبة محمد ضياء الدين الصابوني، وهو يفيضُ سعادةً وبشرا بقدوم رمضان العظيم، فيقول:

شهر أطل بفجره البسام                 دنيا من الإشراق والإلهامِ

شهرٌ أطل فمرحبًا بقدومه                وبفيضه المتدفق المترامي

***

يبرز الشاعر الجو الروحي الذي يسيطرُ على الصائمين في رمضان، من خشوع وتقوى وذكر وتسبيح، فيقول:

وفي رمضان كم خشعت قلوبٌ
وفي رمضان كم غفرت iiذنوب
ومـا  أحـلى ليالي الذكر iiفيه
وتـسبح  في معارج من كمالٍ



بـذكـر الله والـسبع iiالمثاني
تـفـتـح  فيه أبوابُ iiالجنانِ
تـبيت وأنتَ موصولُ iiالجنان
وتـتـلو  فيه من غرر iiالبيانِ

وليلُ الصائمين ليل عبادة وقيامٍ تقربًا إلى الله، واستنزالاً لرحمته وغفرانه. يقول شاعرُ طيبة:

يـا لـيالي القيام عودي iiعلينا
جمعتنا في الروض منها سويعا
يقطعونَ  الليلَ الطويلَ iiبترتيـ


وانـفـحـينا بأطيب iiالنفحات
ت مـع الراغبين في iiالقرباتِ
ـيـل  جـميل منور iiالكلماتِ

ويقول الشاعر "حسن فتح الباب" إن رمضان هو أكثر الشهور إلهامًا لي بأجمل قصائدي، فهو شهرُ الصفاء العقلي والروحي، لذلك تنطلق فيه القريحة بشعرِ التوبةِ والنجاوى.

ومن قصائد الشاعر الرمضانية قصيدةٌ بعنوان (غفران) يقول فيها:

كـلـمـا طافت على الكون iiنهايا
أشـرقـت  روحي يا رب iiورفت
واستفاض الطهر يسري في فؤادي
واجـتـلى  قلبي أسرار iiالنجاوى
رب فـارحـم، نـادما مما iiيعاني
واهـدِ فـي غمرٍ من الدجن iiسراةً
رب واسـكب من سماواتك iiفيضًا






وسـرت فـي موكب الدنيا خطايا
فـي ضـيـاء غامر منك iiالحنايا
مـن  مـعـانيك، ويجتاح الخلايا
وجـلا نـورك عـن حسي iiدجايا
وتـقـبـل  تـوبة من كل iiجاني
وأقـل  عـثـرة مـكلومٍ iiوعاني
يـغـمـر  الـنفس بآمال iiحسانِ

وبهذا الدعاء الطيب ـ يا عزيزي القارئ ـ نختم مقالنا عن رمضان والصوم. ونودعك على أمل اللقاء في مقال جديد من . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.