متى أصوم في يوم نيروزي

مرشد معشوق الخزنوي

مرشد معشوق الخزنوي

ابدعت الشعوب كثيراً في طريقة احتفائها بيوم استقلالها وحريتها وخلاصها من  طواغيتها ، وبما اننا في شهر الصيام ، شهر رمضان المبارك ، عادت بي ايام صومي  الطويل في اليوم الاسكندنافي بالتاريخ الى الوراء الى طرق قديمة قدم التاريخ  لاحتفال الشعوب بيوم نيل حريتها واستقلالها . 

فعندما قدم النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام المدينة المنورة مهاجراً من  احب البلاد الى قلبه مكة المكرمة وجد يهود المدينة يصومون يوما – الذي هو يوم  عاشوراء – فسأل ما هذا اليوم ؟ فقالوا : هذا يوم صالح ، يوم نجى الله فيه نبيه  موسى وبني اسرائيل من فرعون ، فصامه موسى شكراً لله ، فقال عليه الصلاة  والسلام : انا أولى بموسى منكم فصامه وامر اصحابه بصيامه .  ولما قدم جد الامام أبي حنيفة النعمان وأسمه (النعمان بن المرزبان) قدم  للامام علي بن أبي طالب كرم الله وجه في يوم النيروز طبقا من الفالوج فلماسأل  الامام علي عن المناسبة اخبره بها ، واخبره ان النوروز ملحمة حبكت فصولها  لتحمل كل المعاني الخيرة التي تمس حياة البشر فالبطل في روايات نوروز هو عامل  حداد –كاوا -  والعدو طاغية متجبر  والنهاية تتمثل في القضاء على الشر  والأشرار وإحلال عهد الخير والازدهار وبزوغ فجر جديد ، فقال الامام علي عندها  (نورزونا كل يوم) . 

من هنا يظهر لنا طرق اخرى لاحتفاء الشعوب ببوم استقلالها ، واستردادها  لارادتها وحريتها من جبروت الطغاة والظالمين .  ولو تأملنا مجريات الاحداث والمعاناة التي مر بها موسى عليه السلام وقومه من  طاغيتهم فرعون  لتشابه الامر كثيراً مع ما يعانيه السوريون اليوم الى درجة  الالتباس رغم تباعد الزمنين واختلاف الحقبتين ، يقول ربنا عز شأنه في معرض سرد  معاناة نبيه موسى وقومه {  إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف  طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين } . 

لقد علا فرعون في الأرض وطغى وتجبر، وبلغ من علوه وطغيانِه إلى حد الإسفاف  بعقول دهماء الناس ، فإذا به يخاطبُهم قائلاً : { ما علمت لكم من إله غيري }  ، وأذاق أهلها ألوناً من العذاب ،  وصنوفاً من الاضطهاد ، فجعلهم شيعاً  وأحزابا وطوائف ، الى أن وصل به الظلم إلى أن يقتل الأطفال الأبرياء ، ويستحي  النساء ، لقد بلغ به الغرور مبلغه ، ووصل الكبرياء ذروته، متناسياً  تماماً  إرادة الله جل جلاله ، وسنتة الثابتة في عمارة الارض والكون ،  ومشيئته  النافذة، التي أفصح عنها في كتابه فقال : { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا  في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ، ونمكن لهم في الارض ونري فرعون  وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون }  . 

وهنا لااريد أن أتحدث عن دكتاتورية وطغيان النظام السوري ، ولا عن بعثيته  وجبروتهم ، ولا عن فساده وفساد قانونه ، فهذا أمر صار معلوم بالضرورة لكل سوري  ولكل مراقب لحال البلد الغريق ، إنما اريد الاشارة سريعة لاشتراكهم مع فرعون  وملائه ، فالنظام البعثي في سورية ومنذ عهد مجددها حافظ الاسد الى عهد خليفته  المذل بامر الله بشار ، اللذين علا في الارض كما علا فرعون وجعلا من انفسهما  آلهة من دون الله كما حاول كبيرهما فرعون موسى ، من خلال تسخير كل طاقة في  المجتمع بمشايخها وقسيسيها وحتى ملاحدتها ، بأدبائها وعمالها وفنانيها بل وحتى  راقصاتها للتسبيح بحمدهما  والتمجيد والتصفيق لهما حتى ولومن دون مناسبة ، وما  تلك التماثيل والصور المنتشرة في كل ربوع سورية وعلى امتداد البصر في شوارعها  في ساحتها في حوانيتها في مدارسها في مستشفياتها وحتى في مقابرها كما شاهدتها  بأمي اعيني ، وكأنها لم تكتفي بحناجر الاحياء فأرادت الاستحواذ على صمت  الاموات ،كل ذلك شاهد على طغيان النظام البعثي الذي اراد ان يجعل من نفسه  إلهاً يعبد من دون  الله . 

وكما سعى فرعون في الارض فساداً ،ما تخلف التلميذ البعثي عن تقليد استاذه ،  فلم يتوان لحظة واحدة في الفساد في البلاد والعباد والارض من فساد في لبنان  الى فساد في فلسطين الى فساد في العراق وحتى تركية التي تتبادل معها الغزل  الآن لم تنفك عن اذيتها ولم ينسى السوريون تهديدات الجنرالات التركية لبلادهم  لسوء اخلاق ساستهم ، كل ذاك الفساد فضلا عن الافساد في البلد الذي ابتليت بهم  سورية .  وكما استضعف فرعون طائفة يذبح الابناء ويستحيي النساء ، نجح التلامذة البعثيون  في السير على خطى استاذهم ، استضعغوا بني قومي الكورد ، حرموهم من اراضهم ،  جردوهم من أسمائهم التي نادتهم بها امهاتهم ، زج بشبابها في حجرات اعتقالهم ،  عذب البعض منهم في غياهب سجونهم حتى اودعوا ارواحهم ارضهم التي احبوها بكرامة  ، ولم يبرح والدي الذي عشتقه معشوق واخيه فرهاد والكثيرون مخيلتي .  استباحت كرامة الانسان السوري ، احرقت مدن بأكملها ولم ينسى السوريون حماة –  حماها الله – سيقت عشرات الشريفات من خدورهن الى معتقلات النظام ، عذبن ،  استبيح شرفهن ، قتلن ، دفن في احواش السجون ، لتبقى ذاكرة السوري مشحونة برموز  الفساد والافساد في ارضه ، تتذاكر مخيلته دوما اسماء يحفظها عن ظهر قلب حافظ  الاسد – ماهر الاسد – غازي كنعان – جميل الاسد – ذو الهمة شاليش – آصف شوكت –  اياد طه غزال – رستم غزالة – نمير الاسد – رفعت الاسد  - حسن محلوف – كمال  الاسد – محمد مخلوف – محمد منصورة- وغيرهم .  لكن  الله عز وجل من رحمته بخلقه ثبت لهم في الأرض سنناً لا تتغير ولا تتبدل ،  بها تستقيم حياة الناس وعليها يعتمد الخلق في حركاتهم وسكناتهم ،  ولو كان لكل  زمان سنة، أو لكل مكان سنة، لاضطربت حياة الناس، ولضاعت كل الخبرات السابقة ،  لكن ـ بفضل الله ـ التجارب  السابقة لا تضيع ،  ما حدث معك بالأمس يتكرر اليوم  ،  وما يحدث معك اليوم سيتكرر غداً..

وهكذا إلى يوم القيامة ، فالأحداث  السابقة تتكرر دائماً، وبصورة تكاد تكون متطابقة، فليس هناك جديد على الأرض  الا من حيث اشخاصها واساليبها .   عندما طغى فرعون في الارض ، جاءت ارادة السماء بتمكين الارض لمن استضعف فيها  ، وهلك فرعون ومن معه ، و هكذا طويتُ صفحة ذلك الطاغية العنيد، ونسى ذكره  وأصبح أثراً بعد عين، وعبرةً تتناقلها الأجيال ، فكم كان واهماً، حين ظن أن  بضعةً ألوفٍ من جنوده الجبناء، قادرون على حمايته ونصرته، إذا ما حلت نقمة  السماء ، وهذه العاقبةُ الوخيمة، رسالةٌ واضحةٌ المعالم، بينة الألفاظ, لكل  الفراعنة على مر الأجيال والأزمان، بأنهم ضعفاء ، مهما بدا للعامة عظيم  قدرتهم، وقوة بطشهم، ومهما طبعوا في أذهان الدهماء أنهم أولو قوةٍ, وأولو بأسٍ  شديد .

  وكان على الفراعنة على مر الزمان أن يأخذوا الدروس والعبر من أسلافهم، وألا  يقعوا في الخطأ نفسه معتمدين على قدراتٍ ماديةٍ هزيلة، لا تساوي شيئاً أمام  قدرة الواحد القهار، الملك العزيز الجبار .   لكن تلك سنة الله في الكون ، أن يكون في الكون نموذجين نموذج يعتبر بغيره  ،ونموذج لا يعتبر الا من خلال نفسه وذاك اكثرهم ،  عندما ساد الفساد في حكم  بني العباس سلط الله عليهم  هولاكو لان الظالم سوط الله في الارض ينتقم به ثم  ينتقم منه ، فسقطت بغداد عاصمة المستعصم بالله  بدأ التتار يتعقبون المسلمين  في كل شارع أو ميدان ، واستحر القتل في المسلمين ، حتى سالت الدماء بكثرة من  ميازيب المدينة ، والقتل لا يتوقف ، والإبادة لا تنتهي ، ولا دفاع، ولا  مقاومة، فقد دخل في روع الناس أن التتار لا يهزمون، ولا يجرحون، بل لا يموتون!. 

كل هذا والخليفة يشاهد ، وهذا هو العذاب بعينه ، هل تتخيلون الخليفة ابن  الخلفاء ، العظيم ابن العظماء ، وهو يقف يشاهد هذه المآسي؟!  ـ قتل ولدان من أولاده  .  ـ دمر جيشه بكامله  .  ـ نهبت أمواله وثرواته وكنوزه ومدخراته  .  ـ استبيحت مدينته وقتل من شعبه عشرات الآلاف أمام عينه  .  ـ أحرقت العاصمة العظيمة لبلده، ودمرت مبانيها الجميلة  .  ـ وضعت الأغلال في عنقه وفي يده وفي قدمه ، وسيق كما تساق البعير .  شاهد كل ذلك بعينه ، وتخيل مدى الحسرة والألم في قلبه ، سيق الخليفة المستعصم  بالله إلى خاتمته ، بعد أن رأى كل ذلك في عاصمته، وفي عقر دار خلافته، بل في  عقر دار بيته.. وأصدر السفاح هولاكو الأمر بالإجهاز على الخليفة المسكين ،  وأمر هولاكو أن يقتل الخليفة رفساً بالأقدام!!!.. 

وبالفعل وضع الخليفة العباسي على الأرض، وبدأ التتار يرفسونه بأقدامهم ، وتخيل  الرفس والركل بالأقدام إلى الموت  ،  أي ألم  ،  وأي إهانة  ، وأي ذل  ، وظلوا  يرفسونه إلى أن فارقت روحه الجسد ،  سقط أخر خلفاء بني العباس في بغداد ،  وسقط شعبه ،  وسقطت مدينته .  وصدام حسين طاغية العراق البائد وشريك البعث السوري بعد ان فسد في الارض وذبح  ونهب واغتصب وتسمى باسم المنصور بالله ، هزمه الله ،وأزال ملكه ، والقي القبض  على هذا الطاغية بصورة ذليلة ، هذا كله من حكمة الله سبحانه وتعالى ، فهذا  الذي حكم ما يجاوز الثلاثين عاما وهو متغطرس ومتجبر لايرقب حرمة ، و كم سفك من  دماء وكم استباح من حرمة وكم سلب من مال وهو لايتعظ ولا يرتدع . 

أزال الله ملكه في عشرين ليلة لما هان عليه أمرالله هان هو على الله فلم يبالي  به ،  شتت الله شمله وفرق جمعه ، عاش هذه الفترة في عذاب  ، قتل أولاده ، شردت  نساؤه  ،وسلب ماله ،  واستبيح داره ، أبدله الله ذلا بعد عزة ، وفقرا بعد غنى  ، هذه حاله وهذه مآله تقولون لم هذا أقول لأن هذه هي سنة الله في خلقه قال  تعالى {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد } ، { وضرب  الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم  الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون } ، { وإذا أردنا أن  نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا }  وقول  النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته .  وهكذا حال النظام البعثي في سورية  ، منتهي الصلاحية و الشرعية منذ زمن بعيد ،  ولم يبقى إلا ان يستيقظ الشعب المقهور ، لما هو آت من سنة الله في الظالمين ،  لتستأصل الغرغرينا المتفشية ، والسرطان المتشعب من مافيا الاجرام على الساحة  بالدولة .  ايها السادة : نحن بالتأكيد قادمين على مرحلة جديدة سيخرج فيها من السجون  ابناء ،  ستطير فراشات زاهية في سورية ، سيخرج الشعب غدا بأطفال صغار  كالكتاكيت الخارجين من الاقفاص  لا يخافون عليهم من سكين لفرعون ،  أو يخطفون  خلسة منهم ، ستلد غدا  نساء سورية بدون مخابرات ينقلن انباء من تأخرت عليها  الدورة الشهرية ، ومن أنجبت ذكرا تمهيدا للاعتقال والذبح  تحت سكين فرعون  سورية. 

سورية قادمة على حقبة من الزمن تضمد فيها الجراح  ،  أما الطغاة وجنودهم  فسيرحلون بعيدا ، بعيدا سيسارعون في الهروب الى زوايا المجهول والنسيان ، و  الى مزبلة التاريخ .  انه درس التاريخ ، فلا الطغيان بقي ،  ولا كلمة الحق زالت .  أيها الطغاة  حذار من غضبة الشعوب ، فإذا هبت الريح لن تبقي على شيء ، تقول  سورية بملئ فيها  حذار .. حذار .. من ناري وغضبي .. وابقى انا بين اسطورة  الكاوا الحداد في نيروز  وحقيقة صيام موسى في عاشوراء  انتظر انا يوم نيروزي  لأصوم فيه تعبيراً عن فرحي باستقلالي.