لنجعلْ من رمضان بداية صحوة كردية شاملة

إبراهيم درويش

[email protected]

تهنئة وأمل: 

بداية نتوجه بخالص التهنئة إلى كل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بعامة، وإلى أبناء شعبنا الكردي المسلم بخاصة، بحلول شهر رمضان الفضيل المبارك، سائلين المولى سبحانه أن يجعل هذا الشهر علينا وعليهم موسم خير ونقطة انطلاق نحو غد أكثر إشراقاً وأملاً وسعادة. فرمضان بالنسبة للمسلمين كان على الدوام شهر الانتصارات، وبناء الأمجاد، ومراجعة الذات، ورأب الصدع، والترميم، على صعيد العلاقات الاجتماعية، والسياسية، فضلاً عن تصحيح مسار المسلم وسلوكه وضبطهما بميزان الإسلام ـ دين السعادتين الدنيوية والأخروية.

وعلى الصعيد الكردي بوجه خاص، فإن المتحرِّقين على ما صار إليه وضعُ الشعبِ الكردي المسلمِ في جميع أماكن وجوده، على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعلمي وغيره، يحلمون في كل محطةٍ رئيسية أو مفصلية في حياتهم أن تتمَّ مراجعة شاملة دقيقة لمسيرة هذا الشعب، وتقويمها، وتشخيص مواطن القوة والضعف فيها، فإن كل صاحب عمل أو مشروع ( زراعي أو تجاري أو صناعي أو خدمي أوسياسي... ) لا بدَّ له من نهاية مرحلة، يتوقّف فيها مليّاً، يفتح فيها دفاتره وكشوفات حساباته، ليجيب على الأسئلة الآتية وأمثالها: أين أصاب؟ و أين أخطأ؟ أين ربح؟ وأين خسر؟ وكيف يمكن له أن يستمر بالحفاظ على المشاريع المربحة،  ويعالج الخلل؟ وكيف السبيل إلى التوسع في مشروعاته، وعملائه وزبائنه والاحتفاظ بهم في أجواء المنافسة الشديدة؟

ومما لاشك فيه أن رمضان هو أفضل محطة مراجعة وتقويم، سواء على المستوى الفردي أم الجماعي، فهو شهر الله، فيه تتضاعف الحسنات،وتصفَّدُ الشياطين، وتُفَتَّحُ أبواب الجنة، وتُغَلَّقُ أبواب النار، وفيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوُّعاً، والتعيس التعيس هو مَن شهد رمضان ولم يُغْفرْ له. ورمضان إلى رمضان يكفِّر ما بينهما ـ كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ليكنْ رمضانُ بدايةَ صحوة كردية شاملة:

إذا كان هذا شأنَ رمضان، فحريّ بنا أن نجعله بداية انطلاقة جديدة جديّة لنا، نعمل في ضوئه وعلى هذْيِه على:

1.       إعادة النظر في علاقتنا بربنا وديننا، فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم، مطابقاً لِما جاء به رسولُ اللهِ محمدٌ عليه الصلاة والسلام، فليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدّقه العمل، وإن قوماً غرتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، قالوا: (نحسن الظن بالله) وكذبوا؛ لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل. وإنّ الله يَكِلُ الإنسانَ الذي يجعل الدينَ وراءه ظِهْريَّاً إلى نفسه،ولا يبالي بأيِّ وادٍ هلك.

2.       إعادة النظر في المنهج الذي ارتضيناه لأنفسنا في هذه الحياة، فإنّ الله تعالى أنزل الحق والميزان ليقوم الناسُ بالقسط، وأخبرنا في محكم آياته :"ومن يبتغِ غيرَ الإسلام ديناً فلن يُقْبلَ منه وهو في الآخرة من الخاسرين". سورة آل عمران/الآية 85. نقول هذا للتذكير، وللتذكير نقول إنه لا تعارُض بين هذه الآية والآية التي تقول: " لاإكراهَ في الدين". سورة البقرة/الآية 256.

3.       إعادة النظر في الوسائل والطرق التي نراها كفيلة بتحقيق الأهداف العامة للشعب الكردي، من حرية وعدالة ومساواة وتمتُّع بالحقوق التي وهبنا الله تعالى إياها وحرمنا منها مَن لا يخشى ساعة الوقوف بين يديه للحساب والجزاء، الأمر الذي يضع على عاتقنا مسؤولية القيام بكل الوسائل المشروعة لانتزاع حقنا المغتصب.

4.       إعادة النظر في الأولويات، وضرورة استيعاب فقه الوقت، وفقه المقاصد، وترتيب الأولويات، بعدم تقديم ما حقُّه التأخيرُ، أو تأخيرِ ما حقُّه التقديمُ، أو هدْر الوقت فيما لا طائل منه.

5.       إعادة فرز الأصدقاء والأعداء والمحايدين، في ضوء تعاليم ديننا أولاً، وفي ضوء المستجدّات ومواقف كلٍّ من حقوق شعبنا وقضيته العادلة ثانياً.

6.       التوقُّف عن المعارك الجانبية والمهاترات الحزبية في الساحة الكردية، والتداعي إلى الالتقاء ونبذ الخلافات، والإقلاع نهائياً عن لغة التخوين والاتهام بالعمالة، والابتعاد عن تفضيل المصلحة الحزبية على المصلحة الكردية العامة، والخروج من الشرنقة التي أوجدها بعضُهم حول نفسه، ثم صار من الصعب عليه الانفكاكُ أو التخلصُ منها. فإن التنازع والاختلاف قرين الكفر في المفهوم الإسلامي؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ". رواه البخاري ومسلم.

7.       ضرورة التمييز بين الثابت والمتحول، والغاية والهدف والوسيلة، وضرورة تمتّع خططنا ومشاريعنا بالمرونة التي تعني القابلية للاستمرار والملاءمة مع المستجدّات والطوارئ.

8.       وكخطوات عملية على طريق الخروج من نمطية التعامل مع رمضان، من جانب كثيرين منا، نحن أبناء الشعب الكردي بخاصة، يجب أن يحسّ الكرد بطعم خاص لرمضان، من خلال القيام ببعض الخطوات والأنشطة العملية الآتية أو غيرها، بهدف تنمية الروح الاجتماعية بين أبناء شعبنا، الذي يعاني أكثر من غيره من وطأة الفقر والحاجة والبطالة والتكافل الاجتماعي:

1ًـ تشكيل لجان خيرية، تتمتع بثقة أبناء الشعب، مهمتها جمع التبرعات النقدية والعينية من المحسنين المقتدرين، وتوزيعها على الأسر الفقيرة المستورة، وما أكثرها!

2ًـ الاتفاق مع التجار وأصحاب المحلات والمشاريع الاقتصادية...على جمع مبالغ مالية أسبوعياً، أو شهرياً، وتوزيعها على طلبة العلم المحتاجين، والفقراء. والأفضل دعم العاطلين عن العمل بمبالغ تمكّنهم من إقامة مشاريع إنتاجية صغيرة تسدّ حاجتهم وتغنيهم عن السؤال.

3ًـ المساهمة في حل مشكلة البطالة المستفحلة بين صفوف القادرين على العمل، بأن يبادر أصحابُ المكاتب والشركات والمصانع الزراعية أو الصناعية أو الخدمية بتشغيل مَن يمكن تشغيله، فإن ذلك أضعف درجات التكافل والتعاون بين أبناء شعبنا، ومما يزيد في التلاحم والتكاتف بينهم، ويزيل الضغائن والأحقاد من نفوس الفقراء على الأغنياء، ويجعل الناس مؤهَّلين لرحمة الله ومعيّته.

إن القضية الكردية في سورية تحتاج إلى مزيد من العمل الجادّ، بعد إعادة بلورتها والاتفاق بين كل أو معظم التيارات ذات الصلة بها، وبخاصة الكردية، وإنّ شهر رمضان لهو خير موسم ومناسبة لانطلاق هذا العمل الجليل. فهل ثمّة أمل في أنْ ترى هذه المقترحاتُ طريقها إلى العمل والتنفيذ، وبالتالي يجد شعبُنا في رمضان ما كان ينتظره منذ عقود، بل منذ قرون؟