أَهَميَّةُ تَعَلُّمِ اللُّغَةِ الْعَرَبيَّةِ

أَهَميَّةُ تَعَلُّمِ اللُّغَةِ الْعَرَبيَّةِ

في صِياغَةِ الْفِكْرِ الْإِسْلاميِّ الْوَسَطيِّ الْمُعْتَدِلِ

د. محمد جمال صقر

[email protected]

كلمة الدكتور هدايت نور وحيد

رئيس مجلس الشورى الأندونيسي

في افتتاح مؤتمر اتحاد مدرسي اللغة العربية بأندونيسيا

23/8/2007م

سَجَّلَها وفَرَّغَها وضَبَطَها الدكتور محمد جمال صقر

أستاذ النحو والصرف والعروض المساعد ( المشارك )

بكلية دار العلوم من جامعة القاهرة

المشارك في المؤتمر

بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ، وعلى آله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين .

أما بعد ؛

فأحييكم جميعا أيها الحضور الكريم تحية طيبة مباركة :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته !

أولا كلنا نهنئكم جميعا بعقد هذا المؤتمر وهذه الندوة العالمية ، وندعو لكم دعوة خالصة بنجاح مثل هذه الدورة ، ومثل هذا المؤتمر ، كذلك طبعا نحن نرحب بجميع الإخوة المشتركين والمشاركين ، سواء كانوا من خارج أندونيسيا من السعودية من مصر من اليمن ومن دول إسلامية أخرى كماليزيا وتركيا ، ولا يفوتنا كذلك طبعا تقدير الإخوة أعضاء اتحاد مدرسي اللغة العربية ، الذين حضروا العام وشرفونا بعقد هذه الندوة ، وسعوا من أجل تحقيق نجاحها .

وفي الواقع ليس علي أن أقوم في هذه المنصة ، وليس لي الحق في إلقاء هذه الكلمات ، لأنني أعرف أن أمامي أساتذة دكاترة متخصصين في اللغة العربية تعليما وبحثا وتعميقا وتعمقا كذلك ، وكما يقال في الفقه الإسلامي قاعدة إسلامية معروفة معتبرة " لا يُسْتَفْتى ومالك في المدينة " ! وما شاء الله كلكم أئمة وملوك ! وأغنياء عن التعريف وأغنياء عن مثل هذه النصائح التي سألقيها أمامكم ؛ فإذا وجد الماء في الواقع بطل التيمم !

ولكن أستاذنا الفاضل رئيس الندوة واتحاد مدرسي اللغة العربية الأستاذ الدكتور محمد لطفي زهدي ، شرفني بالمشاركة في هذه الندوة المباركة ، وهو أخ عزيز كنت معه منذ أن كنت أدرس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ، وإلى الآن بيني وبينه علاقة قوية ؛ فليس لي بد من أن أقبل تكليفه لي وتشريفه في الوقت نفسه ، بالمثول أمامكم من أجل إلقاء هذه الكلمة حول اللغة العربية وأهميتها ولا سيما في صياغة الفكر الإسلامي المعتدل والفكر الإسلامي الوسطي .

لماذا هذا الموضوع بالذات ؟

كلنا نعلم أن اللغة العربية هي لغة القرآن ، والآيات القرآنية هي التي أخبرتنا بأن هذه الأمة " أمة واحدة " ، و" أمة وسطا " ، فإذا كانت اللغة العربية وعلاقتها بالقرآن الكريم ، أعطت صيغة معينة لهذه الأمة ، لها سمة بهذه الأمة ، فإن السمة الأساسية هي كونها وسطا أو وسطية ، وهذه الوسطية في الواقع كما أن لها علاقة كذلك باللغة ، في الواقع في نظري تتعلق كذلك بناحية التخيل الذي هو تخيل إسلامي وسطي ، ولكن كذلك تتعلق بالحياة الإنسانية الوسطية ، لأن مصطلح الوسط في الواقع ليس مصطلحا يمكن أن يقبل على أنه مصطلح ديني إسلامي فقط ، ولكن كذلك يمكن أن يفهم على أنه مصطلح إنساني عالمي مقبول لدى جميع الإنسانية .

هناك مقولة في الفكر الإسلامي معروفة لدى جميع الدارسين للفكر الإسلامي ، وهي أن العادة محكمة أو معتبرة ، أو كذلك ما يتعلق بقدسية العرف ، وكذلك ما يتعلق بقدسية الاجتماع ، فهذه القواعد كلها تنبئنا بشيء أساسي هنا ، وهو إمكانية اللقاء بين ناس وناس آخرين ، بين أمة وأمة أخرى ، بين منتسبين ومنتسبين آخرين ، بين مسلمين ومسلمين آخرين.

وعلى ذلك فنحن نعيش الآن في العالم ، حيث إن هناك ترويجا للضغط على الوسطية ، للضغط على الذين يعيشون بهذا الدين ، هناك ما يسمى بحركة الإرهاب ، هناك ما يسمى بحركة الانغلاق وعدم الاتصال بالآخرين ، وهذه التهم في الواقع تهم ملفقة ، وليس لها رصيد من الصحة في الواقع الحقيقي إذا قرنت بما هو المطلوب قرآنا وإنسانا ، ولكن هذا هو الوضع الذي نعيشه الآن ، والذي يلقاه الإسلام ، وكلنا نذوق من مرارة هذه التهم .

ونحن كلنا أمة إنسانية أمة إسلامية ، كرمنا بهذه اللغة العربية ، كرمنا كذلك بهذا الوحي القرآني المحمدي ، وإذا ظهر ذلك فإن الله - عز وجل ! - قد سهل لنا طريق العقيدة ، من أجل تفهم القرآن واللغة العربية ، من أجل تطبيقها في مجالات الحياة المتعددة ؛ وعلى ذلك أنا أرى أننا إذا أردنا أن نحيا بالفكر الإسلامي الوسطي أو بالفكر الإنساني الوسطي ، فاللغة العربية هي من الإبواب الرئيسية التي عن طريقها ندخل إلى تفهم حقيقة الحياة وحقيقة الوسطية ، ولا سيما إذا عدنا نحن إلى القرآن ؛ فسنجد أن القرآن هو ذلك الكتاب الذي ليس كتابا وَحْييًّا آخِرًا آخر ما نُزِّلَ على رسل الله - عز ، وجل ! - فقط ، ولكنه مع ذلك كتاب عربي مبين ، يأتي لنا بكثير من الأوصاف الأساسية من أجل الحياة السعيدة بين أمة وأمة ، وبين الأديان الثلاثة .

وإذا جئنا نحن إلى أندونيسيا فسنجد أنها ليست هي هذه الدولة التي معظم سكانها مسلمون فقط ، وليست كذلك هي هذه الدولة التي مورست فيها كثير من الفاهيم من أجل فهم القرآن ، ومن أجل فهم التدين ، ومن أجل فهم الحياة كذلك – بل سنجد أن هناك كثيرا من المذاهب ومن المدارس ومن الاتجاهات ، يحاولون أن يفرضوا علينا فهمهم الخاص عن طريق تفكيرهم الخاص الذي أقحموه على الآيات القرآنية .

من آخر ما سمعنا أن هناك بعض النشطاء في بعض المذاهب الفكرية في أندونيسيا - وقد تكون هذه المذاهب معروفة ومنتشرة خارج أندونيسيا - قد قالوا بأن القرآن ليس وحيا إلهيا ، إنما هو عمل جماعي يشترك فيه كل من الله - عز ، وجل ! - وجبريل - عليه السلام ! - ومحمد - صلى الله عليه ، سلم ! - ويستدلون على هذه المقولة بالآية القرآنية " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " !

قال هذا المفكر الأندونيسي : إن النص القرآني يأتي بهذه الصيغة " إنا نحن " ، " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " ، هذه الصيغ كلها هي جماعية ، هذا على قدر فهمه هو ، دليل قاطع بأن القرآن ليس عملا آحاديا ، وحيا من الله - عز ، وجل ! - نزل إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، بل عمل يشترك فيه كل مِنَ الله ، وجبريل ، ومحمد ، صلى الله عليه ، وسلم !

ماذا يريدون أن يصلوا في النتيجة الأخيرة ؟

إنما جاؤوا بهذا الفهم القاصر ليقولوا إن هذا القرآن عمل إنساني ، ليس عملا مقدسا إلهيا ، وبما أن القرآن عمل إنساني يشترك فيه كثير من الناس بعد رسول الله ، يشترك فيه الصحابة يكتبون ويسجلون ، ثم بعد ذلك ينشر على جميع العالم الإسلامي مطبوعا ، ويشترك في هذه العملية عمال الطباعة المشتركون في العملية الطباعية ، ثم كلنا نحن نشترك في نقل هذا القرآن !

يريدون أن يصلوا إلى أنه إذا كان هذا القرآن عملا إنسانيا ، يعني ذلك أنه خاضع للزمان وللمكان ، خاضع كذلك للتفسير الزماني والمكاني ، خاضع كذلك لئلا يرجع إليه نهائيا ما دام عملا إنسانيا كغيره من الأعمال الإنسانية !

ولكن بفضل الله كما ثبت سلفيا ، لا يُمَكِّنُ الله - عز ، وجل ! - أية محاولة تحريفية ، من تحريف القرآن والتأويل ، بل يقيض الله الجهابذة الذين يتولون التصحيح ، ويوضحون المفهوم الصحيح تجاه هذه الأمور التي حاول الخبثاء الجهلاء المدعون تحريفها ، وحاولوا كذلك تعويجها ، من أجل يصلوا إلى نتيجة هي في الواقع نتيجة غير صحيحة .

هناك من يفندون في الواقع مثل هذه المقولة الخاطئة ؛ فيسير فهم القرآن في مجراه الصحيح .

ولكن كيف يعرف أن هذا الفهم صحيح أو غير صحيح ، وسطي أو غير وسطي ، إنساني أو غير إنساني ؟

في الواقع التعرف عن طريق اللغة العربية ، والعودة إلى الكتب المعتبرة في اللغة العربية هي خير معين وخير مساعد للوصول إلى مثل هذا الفهم الوسطي الصحيح .

ولكي لا يستطيع الناس والدارسون ولا يتمكنون من العودة إلى مثل هذه الأساليب الصحيحة المعتبرة ، والفهم الوسطي لمثل هذه الآيات القرآنية ، إلا عن طريق التعليم والتدريب ، ولا يمكن أن يكون هناك تعليم وتدريب صحيحان ، يمكن عن طريقهما الوصول إلى نتائج صحيحة - إلا عن طريق المدرسين والمعلمين ، التي لهم هذه القدرات العملية على المستوى الرفيع ، من أجل التعلم الصحيح والتدريب البارع ، في توصيل هذه المفاهيم الصحيحة الوسطية إلى جميع الدارسين ، ثم إلى جميع المتعلمين ، ثم إلى جميع المسلمين ، ثم عن طريق الفهم الصحيح والعمل الصحيح من المسلمين ، تصل هذه المفاهيم القرآنية الصحيحة إلى جميع الناس .

ومن أجل مظاهر من سوء فهم القرآن ، متعلقة بالشكل غير الوسطي ، وبالشكل الإرهابي ، وبالشكل الانغلاقي - قال خصومنا إن التاريخ القرآني تاريخ تشددي ، تاريخ غير وسطي - واستدلوا على ذلك بأن ما جرى في المجتمع الإسلامي ، هو هذا الفهم المغلق ، هو هذا الفهم غير الوسطي .

إن من الصعب جدا علينا أن نقول لهم إن المقبول عالميا والمقبول منطقيا ، ليس ما فُهِمَ خطأ عن التدين ، عن الدين ، عن لقائنا ، عن العلم - بل المفهموم منطقيا وعالميا ، هو المفاهيم الأساسية المقبولة والمؤكدة والثابتة ، التي عن طريقها يعرف الناس الذي نريد نحن أن نفهمه . فإذا رجعنا إلى هذه القاعدة فسنجد أن حقيقة القرآن وعلاقتها بالعمل الإسلامي والعمل الإنساني ، ليست هي ذلك الفهم المعوج والخاطئ حول القرآن ، ولكن لنعلم :

كيف يفهم رسول الله - صلى الله عليه ، وسلم ! - القرآن ؟

كيف يطبق القرآن ؟

كيف يعلم القرآن لأصحابه ؟

كيف عن طريقه نجح رسول الله - صلى الله عليه ، وسلم ! - في صياغة الفهم الإسلامي المعتدل ، الفكر الإسلامي الوسطي ، وتصحيح الأفكار المنحرفة ، الأفكار المتشددة ، الأفكار المتطرفة ؟

كيف صحح مفاهيم بعض أفكار الذي كانوا حين جاؤوا إلى بيوت أزواجه ، وكانوا يسألون عن كيفية تعبد رسول الله - صلى الله عليه ، وسلم ! - وكانوا يطبقون مفاهيمهم الخاصة ؟

لما علم رسول الله - صلى الله عليه ، وسلم ! - ما حصل ، سرعان ما ذهب إليهم ، ودعاهم إلى تصحيح مفاهيمهم وتصحيح فكرهم ، وأقسم بالله ، فقال : " وَاللّهِ إِنّي لَأَعْلَمُكُمْ بِاللّهِ وَأَخْشاكُمْ لَه , وَلكِنّي أَصومُ وَأُفْطِرُ ، وَأَقومُ وَأَرْقُدُ ، وَأَتَزَوَّجُ النِّساءَ ؛ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتي فَلَيْسَ مِنّي " .

عن مثل هذه الحادثة وعن مثل هذا الحديث ، أرانا رسول الله - صلى الله عليه ، وسلم ! - كيف يفهم الإسلام ، وكيف يفهم القرآن ، وكيف يعلم القرآن لأصحابه ، وعن طريقه يصحح بعض الأخطاء التي قد تحدث من الأفكار ومن الأفهام ، وكلنا نقتدي برسول الله - صلى الله عليه ، وسلم ! - في فهمنا للقرآن ، وفي فهمنا للغة العربية ، وفي تعليمنا وتعلمنا للغة العربية ، وعن طريقه كذلك - إن شاء الله - سنستقبل النجاحات في تعميم هذه الأفكار الإسلامية المعتدلة ، ودحض تلك المحاولات الآثمة التي تأتي بالمفاهيم القرآنية غير الصحيحة ، التي عن طريقها تكون المفاهيم غير الوسطية ، وإن تكفل الله - عز ، وجل ! - بحفظ القرآن ، وبوسطية فهم القرآن ، وبالأمة الوسط ، كما هو محفوظ في القرآن الكريم

وجزاكم الله خيرا كثيرا على هذه المناسبة الكريمة ، وجزاكم الله خيرا على مشاركتكم في هذه الندوة ! وإذا عقدت هذه الندوة هنا في مدينة باندونج ، و كلكم فيما أعتقد - ولا سيما الأساتذة المشاركون الذي جاؤوا من الدول العربية الإسلامية ، ومن الدول المجاورة - تعرفون أن هذه المدينة ، هي المدينة التي كانت عقد فيها حفل توقيع مؤتمر باندونج ، وهو المؤتمر الذي عن طريقه نشأت إيحاءات استقلال الدول الإسلامية ، والدول العربية ، وغيرهما ؛ أدعو الله عز وجل أن تظهر بعد هذه الندوة إيحاءات أخرى ، من أجل انتشار اللغة العربية وتعليمها وتثقيفها ، وكذلك انتشار الفهم الوسطي للإسلام والقرآن !

وجزاكم الله خيرا كثيرا !

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.