في اللسانيات النصية
نظرية التماسك النصي عند السيوطي
عمران رشيد
كلية الآداب/قسم الترجمة
جامعة بشار /الجزائر
أولا: التماسك بين الآيات:
إن دراسة السيوطي للتماسك بين الآيات والسور تتطابق إلى حد كبير مع دراسة الزركشي للتماسك، إلا أن إضافة السيوطي تتمثل في إفراده مصنفا خاصا استقصى فيه التماسك بين كل سور القرآن، و سمى مصنفه ذلك "تناسق الدرر في تناسب السور".
يصرح السيوطي في بداية دراسته للتماسك بين الآيات و السور؛ أن التماسك علم شريف و قد قل اعتناء المفسرين به و ذلك لدقته و صعوبته.
كما يصرح السيوطي أن دراسة التماسك بين الآيات و السور بإمكانه أن يؤكد على جانب مهم من حقيقة إعجاز القرآن،و يتمثل ذلك الجانب في التماسك الشديد بين آيات و سور في نص ظل مفتوحا على مدار ثلاثة و عشرين سنة،فالسيوطي يرى أن أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات و الروابط ([1])، من ذلك نذهب إلى أن دراسة السيوطي للتماسك كان من بين مقصدها الأساسية التأشير إلى حقيقة إعجازية عن طريق التماسك بين الآيات و السور.
يرى السيوطي أن التماسك بحث في تجاور الآيات، و تعليل ذلك التجاوز وبيان وجه حكمته و ارتباطه، حتى ذهب بعضهم إلى أن أول من أظهر علم التماسك و هو الشيخ النيسابوري "و كان غزير العلم في الشريعة و الأدب و كان يقول على الكرسي إذا قُرِءَ عليه لِمَ جعلت هذه الآية إلى جنب هذه، و ما الحكمة في جعل هذه السورة إلى جنب هذه السورة، و كان يزري على علماء بغداد لعدم علمهم بالمناسبة " ([2]).
يرد السيوطي في بداية حديثه عن التماسك عن إشكال يتعلق بالنص القرآني، فقد نزل القرآن على مدار ثلاثة و عشرين سنة، و نزل منجما بحسب الوقائع و الأحداث التي شهدتها فترة النبوة. فهل تنسجم آيات و سور النص القرآني على مدار هذه المدة المتطاولة؟؟؟ و هل يطلب التماسك بين الآيات و السور و قد نزل القرآن منجما حسب وقائع و أحداث متفرقة ؟؟؟ و ما فائدة ذلك ؟؟؟
يرد السيوطي على كل هذه الإشكالات، ردا ينسجم و قناعة السيوطي و إيمانه بالنص القرآني؛ إن القرآن كلام الله الذي علم ما كان و ما سيكون و عليه لا يمنع نزول القرآن منجما تماسك النص القرآني مع علم الله تعالى بما كان و ما سيكون، فالقرآن الكريم نزل منجما حسب الوقائع و الأحداث، و لكنه مرتب على حسب الحكمة ترتيبا، فالمصحف على وفق ما في اللوح المحفوظ مرتبة سوره و آياته كلها بالتوقيف كما أنزل جملة إلى بيت العزة ([3]).
و قد نزل القرآن منجما على مدار ثلاثة و عشرين سنة لحكم و مقاصد؛ منها تثبيت الرسول (صلى الله عليه و سلم) فترة الدعوة للإسلام، و مواساته بالوحي، و منها التدرّج في تطبيق أحكام الإسلام،التي جاءت لتوجيه مسار إنسانية تراكمت عليها قرونا من الوثنية و الخرافة و الجاهلية .. و هي طريقة القرآن في تشريعاته.
إن ما قدّمه السيوطي في صدد دراسته للتماسك؛ ليقدم شهادة على عبقرية الرجل، و دليلا على وعي السيوطي بآليات النص القرآني، التي من أبرزها ذلك التماسك الشديد بين آيات و سور النص الكريم، و قد وضع السيوطي قاعدة عامة لتفسير التماسك بين الآيات و السور، و أساس هذه القاعدة هو معرفة مقاصد السورة أولا، يقول: " الأمر الكلي المفيد لعرفان مناسبة الآيات في جميع القرآن هو أنك تنظر الغرض الذي سيقت له السورة و تنظر ما يحتاج إليه ذلك الغرض من المقدمات و تنظر عند انجرار الكلام في المقدمات إلى ما يستتبعه من استشراف نفس السامع ـ المتلقي ـ إلى الأحكام و اللوازم التابعة له التي تقتضي البلاغة شفاء الغليل بدافع عناء الاستشراف إلى الوقوف عليها، فهذا هو الأمر الكلي المهيمن على حكم الربط بين جميع أجزاء القرآن فإذا عقلته تبين لك وجه النظم مفصلا بين كل آية و آية في كل سورة "([4])
و هكذا يجسد السيوطي منذ فترة مبكرة وعيا نصيبا، برز من خلال تحليلاته للآيات و السور،و قد قاده ذلك التحليل إلى الإقرار بإعجازية التماسك النصي في القرآن الكريم، كما يجسد السيوطي أيضا وعيا كبيرا بالمتلقي الذي كان حاضرا في كل تحليلات السيوطي، فهو الصلب من تلك النظرية حيث يشير إليه السيوطي صراحة بقوله: " استشراف نفس السامع "، فالسامع – المتلقي – في نظر السيوطي يُعَدُّ شريكا أساسيا في إدراك مقاصد النص، و بالتالي فإن تفسير النص يصطبغ بدرجة،أي أن تفسير النص يتأثر سلبا أو إيجابا بدرجة التلقي، حيث يضفي المتلقي تأويلا جديدا أو تأويلات مختلفة متفاوتة الدّقة و الجودة، فكلما ارتقى المتلقي في تفاعله مع النص،ازدادت درجة تذوق و إدراك النص القرآني الكريم.
يقدم السيوطي بعض العلاقات و التي لا تختلف كثيرا عمّا قدمه الزركشي، يحلل من خلالها تماسك الآيات، و يرى السيوطي أن فائدة التماسك بين الآيات؛ أنه يجعل " أجزاء الكلام بعضها آخذا بأعناق بعض فيقوى بذلك الارتباط، و يصير التأليف حاله حال البناء المحكم المتلاحم الأجزاء "([5])، و يبدو من هذا النص أن التماسك أهم صفة للنص،و ذلك أن عبارات من مثل: " بناء محكم "، و " بناء متلاحم "، "لا نتوءات فيه "،…تؤشر كلها إلى خاصية النص الأساسية و التماسك بين مكوناته.
يمكن إجمال علاقات التماسك عند السيوطي كالآتي:
أ- التماسك بين الجمل المعطوفة:
أ.1- علاقة تضاد:
من ذلك قوله تعالى:) يَعْلَمُ مَا يلج فِي الْأَرْضِ وَ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَ مَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَ مَا يَعْرُجُ فِيهَا وَ هُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ ( [سبأ :02] ، إن جمل هذه الآية و المعطوفة بحرف العطف (الواو)، تتماسك عن طريق علاقات تضاد بين الأرض و السماء، و النزول و الإعراج ، و من هذه العلاقة أيضا قوله تعالـى: ) وَ يَقْبِضُ وَ يَبْصُطُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ( [البقرة :245] ، فالقبض و البصط صفتين متضادتين، يرتبطان بالتضاد في الجملتين المعطوفتين.
أ.2- علاقة ترتيب على عادة القرآن:
يرصد السيوطي في هذه العلاقة، طريقة قرآنية تطّرد في القرآن جميعه، و خلاصة هذه الطريقة " أن القرآن إذا ذكر أحكاما، ذكر بعدها وعدا وعيدا، ليكون باعثا على العمل بما سبق، ثم يذكر آيات توحيد و تنزيه ليعلم عظم الآمر والناهي و تأمل سورة البقرة و النساء و المائدة تجده كذلك"([6])
و السيوطي لا يكتفي برصد علاقة التماسك تلك، بل يعللها بما هو أبعد من ذلك فمقصد ذكر الوعد و الوعيد بعد ذكر الأحكام،هو دفع المتلقي إلى العمل بما قيل ترغيبا أو ترهيبا، و من ثم فإن ترتيب آيات الأحكام و ذكر الوعد و الوعيد يتماسك منطقيا،إذ تفرضه مقاصد الآيات، و هكذا يفعل السيوطي مع مختلف أنواع الآيات التي يوجد فيها وعد و وعيد،ثم ذكر الأحكام.
ب-علاقات التماسك بين الجمل غير المعطوفة:
ب.1- علاقة تنظير:
يرى السيوطي أن إلحاق النظير بالنظير من دأب العقلاء،و صفة من صفات العقل البشري في ترتيب كلامه، يقول الله تعالى:) كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ ( [الأنفال: 05]، عقب قوله تعالى:) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقاً ( [الأنفال: 04]، فإن الله تعالى أمر نبيه (صلى الله عليه و سلم) للخروج في طلب العير أو قتال العدو، و لكن بعض المؤمنين كانوا كارهين لهذا الخروج و القتال، و المقصود أن كراهتهم لما فعله الرسول (صلى الله عليه و سلم) من قسمة الغنائم كانت كراهتهم للخروج في طلب العدو([7]).
ب.2- علاقة مضادة:
و تقوم هذه العلاقة على ذكر طائفة من الصفات ،و على إثرها تذكر صفات تقف على النقيض من الصفات الأولى،من ذلك قوله تعالى في أوائل سورة البقرة: ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ( [البقرة : 06]، فإن أول السورة كان حديثا عن القرآن ،و أن من شأنه الهداية للقوم الموصوفين بالإيمان، فلما أكمل ذلك، عقّب بحديث الكافرين فبينهما جامع و همي و يسمى بالتضاد من هذا الوجه، و حكمته التشويق و الثبوت على الأول"([8])،و كما أشرنا سابقا فإنه المتلقي لا يغيب أبدا عن تحليلات السيوطي؛فالتشويق يستهدف أول ما يستهدف إحداث تفاعل في القمة مع المتلقي.
ب.3- علاقة استطراد:
من ذلك قوله تعالى: ) يَا بَنِي آدَمَ قَد أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَ رِيشاً وَ لِبَاسَ التَّقْوَى ( [الأعراف: 26]، إلى قوله تعالى:) لَن يَّسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَ لاَ الْمَلاَئِكَةَ الْمُقَرَّبُونَ ( [النساء : 172].
ب.4- علاقة حسن التخلص:
و هو أن ينتقل مما بدأ به الكلام متدرجا به إلى المقصود بسلاسة، بحيث لا يشعر المتلقي بالانتقال من المعنى إلى الآخر لشدة الالتئام بينهما([9]). و من يتأمل سورة الأعراف يجد ذلك واضحا فقد تدرج الخطاب في التحام شديد مع ذكر الأنبياء و القرون الماضية إلى ذكر موسى إلى حكاية السبعين رجلا و دعاء موسى لسائر أمته إلى ذكر مناقب سيد المرسلين....
ب.5- الانتقال من حديث إلى حديث تنشيطا للمتلقي:
فغرض هذه العلاقة أساسا المتلقي، و من هذه العلاقة قوله تعالى في سورة (ص) بعد ذكر الأنبياء :) هَذَا ذِكْرٌ وَ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ( [ص: 49]، فإن هذا القرآن نوع من الذكر، لما انتهى ذكر الأنبياء، و هو نوع من التنزيل، أراد تعالى بعد ذلك أن يذكر نوعا آخر؛ هو ذكر الجنة و أهلها، ثم لما فرغ قال تعالى :) هَذَا وَ إِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ( [ص : 55]، فذكرها و أهلها"([10]).
ب.6- علاقة حسن المطلب:
و تقترب هذه العلاقة من علاقة حسن التخلص، و خلاصة هذه العلاقة " أن يخرج إلى الغرض بعد تقدم الوسيلة"([11])، و من هذه العلاقة قوله تعالى في فاتحة الكتاب:) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ( [الفاتحة: 05]، و قد اجتمع حسن التخلص و حسن المطلب في قوله تعالى حكاية عن إبراهيم:) فَإِنَّهُمْ عَدُوُُّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ( [الشعراء : 77]،إلى قوله: ) رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ( [الشعراء : 83].
ب.7- علاقة سياقية:
منها قوله تعالى:) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ( [البقرة : 189]، فأي تماسك بين أحكام الأهلة و إتيان البيوت؟؟؟ إدراك التماسك في هذه الآية يتطلب معرفة السياق الذي نزلت فيه الآية، ذلك أنه تعالى " كما ذكر أنها –الأهلة– مواقيت للحج و كان هذا –إتيان البيوت– من أفعالهم في الحج..... ذكر معه من باب الزيادة في الجواب على ما في السؤال "([12])
ثانيا: التماسك بين السور:
يناقش السيوطي التماسك بين السور في باب مستقل من كتابه " الإتقان في علوم القرآن " سماه " مراصد المطالع في تناسب المقاطع و المطالب "، و قد قاده تأمله في التماسك الشديد بين السور و الآيات إلى استشعار أمر خارج عن حدود الطاقة البشرية،و يتجلى ذلك في كثير من عبارات الانبهار التي طبعت هذا الباب،فالتماسك الشديد الذي يسم النص القرآني الذي نزل على مدة متطاولة،كما نزل في الزمان و المكان المختلفين.ليس إلا مؤشرا على منزل هذا النص، يقول: إن " لترتيب وضع السور في المصحف أسباب تُطْلِع على أنه توقيفي صادر عن حكيم "، و هكذا يغدو التماسك وجها جديدا في إعجاز القرآن، و سمة أساسية من سمات النص القرآني، ذلك النص الذي تميز بتماسك شديد بين آياته و سوره، تلك الآيات و السور التي نزلت على مدار نيف و عشرين سنة.
و نستطيع أن نجمل علاقات التماسك بين السور في العلاقات الآتية:
أ. علاقة تماسك بين فواتح السور و خواتمها:
من ذلك افتتاح سورة (ص) بالذكر، و ختمها به في قوله تعالى:) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ( [ص: 87]، و من ذلك بدأ سورة (نون) بقوله تعالى:) مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِكَ بِمَجْنُونٍ ( [ن:02]، و ختمها بقوله تعالى:) إِنَّه لَمَجْنُونٌ([ن:51].
ب. علاقة تماسك بين فاتحة السورة و خاتمة التي قبلها:
كالتماسك الموجود بين افتتاح سورة فاطر و ختام سورة سبأ، و افتتاح سورة الحديد و ختام سورة الواقعة، و افتتاح سورة البقرة و ختام الفاتحة، و افتتاح المائدة و ختام سورة النساء.
ج. علاقة تماسك نحوي دلالي:
كالتماسك الموجود بين سورة قريش و سورة الفيل.
د. علاقة تقابل:
كالتقابل الذي يربط بين سورة المسد و سورة الماعون.
ه. علاقة تماسك بحسب الحروف:
كالتماسك الموجود في سور الحواميم.
و. علاقة تماسك إيقاعي:
كالتوازن في اللفظ في آخر المسد و سورة الإخلاص، و من هذه العلاقة أيضا؛ أن كل سورة بدأت بحرف منها فإن أكثر كلماتها و حروفها مماثل له، فَحُقَّ لكل سورة منها أن لا يناسبها غير الوارد فيها، فلو وضع (ق) موضع (ن) لعدم التناسب الواجب مراعاته في كلام الله تعالى.
و سورة (ق) بدأت به لما تكرر فيها من الكلمات بلفظ (القاف) من ذكر القرآن، و الخلق، و تكرير القول و مراجعته مرارا، و القرب من ابن آدم، و تلقي الملكين، و قول العتيد الرقيب، و السائق في جهنم، و التقدم بالوعد، و ذكر المتقين و القلب و التنقيب في البلاد و تشقق الأرض و حقوق الوعيد و غير ذلك([13]).
ي. علاقة مشابهة مضمونية:
كالتشابه بين سورة الضحى و سورة الانشراح.
ز. علاقة تماسك صوتي دلالي:
فقد اشتملت سورة (ص) على خصومات متعددة فأولها خصومة النبي (صلى الله عليه و سلم) مع الكفار، و قولهم:) أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً واحداً ( [ص: 04]، ثم اختصام الخصمين عند داود، ثم تخاصم أهل النار، ثم اختصام الملأ الأعلى ثم، تخاصم إبليس في شأن نبيه و إغوائهم.
و سورة الأعراف زيد فيها على (ألم) حرف (الصاد) ، لما فيها من القصص؛ قصة آدم، فمن بعده الأنبياء، و لما فيها من ذكر:) فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ( [الأعراف : 02]، و زيد في سورة الرعد حرف (الراء)؛ لأجل قوله تعالى: ) رَفَعَ السَّمَاوَاتِ ( [الرعد : 02]، و لأجل ذكر الرعد، و البرق، و غيرهما.
ح. علاقة إجمال / تفصيل:
تعتبر هذه العلاقة إجمال / تفصيل العلاقة المفتتاحية في تفسير التماسك بين السور القرآنية، حتى لنلمسها العلاقة المهيمنة على كل العلاقات في كتاب السيوطي الذي خصت لرصد العلاقات بين السور مصنفا خاصا بذلك. و قد استطاع السيوطي من خلال هذه العلاقة أن يثبت إثباتا دقيقا مقولة: أن القرآن الكريم كالكلمة الواحدة، إذ الآية و السورة المفصلة، تفسر و تبين و تؤكد الآية أو السورة المجملة قبلها، من أول كلمة في القرآن حتى آخر كلمة فيه.
و سنقتصر في توضيح هذه العلاقة التي يبين من خلالها السيوطي التماسك بين السور في كتابه " تناسق الدرر في تناسب السور"، و سنقتصر على بعض السور اكتفاء بها على غيرها من السور في الكتاب آنف الذكر([14]).
سورة إجمال |
سورة تفصيل |
العلاقة إجمال / تفصيل |
نوح
|
الجن
|
فقد قال تعالى في سورة نوح:) اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَاراً ( [نوح: 11-10]، و قد تم التفصيل في سورة الجن بالحديث عن نتائج الاستغفار بقوله تعالى:) وَ أَن لَّو إِسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةٍ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءاً غَدَقاً ( [الجن: 16]. |
المدثر |
القيامة |
لقد فصلت سورة القيامة في يوم البعث، و وصف أحواله و أهواله بعد أن أجملت سورة المدثر ذلك في آخر آية منها:) كَلاَّ بَل لاَّ يَخَافُونَ الآخِرَةَ ( [المدثر: 53]، بعد ذكر الجنة و النار، التي لم يكن خوفهم منها إلا بسبب إنكارهم يوم البعث. |
الجن |
المزمل |
بعد أن أجمل عبادة الله تعالى في سورة الجن بقوله تعالى:) وَ أَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُِ ( [الجن: 19]، و يقول أيضا:) وَ أَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ ( [الجن: 18]، فصل ذلك بذكر أهم عبادة و هي قيام الليل، فقال في بداية سورة المزمل:) يَا أَيُّهَا الْمُزَمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاًُِ( [المزمل: 02-01] |
الماعون
|
الكافرون |
سورة الكافرون تعتبر تفصيلا لما قبلها أي سورة الماعون، فقد قال تعالى في سورة الماعون: ) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَر ( [الكوثر:02]، جاءت سورة الكافرون مفصلة، بالمفاصلة مع الكفار، حيث أكد أنه – الرسول – (صلى الله عليه و سلم)، يعبد ربه و لا يعبد ما يعبد الكافرون، و بالغ في ذلك و كرر و انفصل منهم على أن لهم دينهم وله دينه. |
النصر |
المسد |
لقد فصلت سورة النصر آخر سورة الكافرين ) لَكُمْ دِينُكُمْ وَ لِيَ دِينِ ( [الكافرون: 06]، فكان جزاء التمسك بدينه ) لِيَ دِينِ ( النصر و الفتح؛ ) إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ ( [النصر:02]، و كان جزاء الكافرين في عنادهم و عبادة الأصنام الخسران و الخيبة متمثلة في دمغ قيادتهم و رأسهم بقوله تعالى:) تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَ مَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ وَ امْرَأَتُهُ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ ( [المسد: 05-01] |
[1] : السيوطي: الإتقان في علوم القرآن، ص: 108
[2] : السيوطي: الإتقان في علوم القرآن، ص: 108
[3] : المصدر نفسه ، ص: 108
[4] : السيوطي: الإتقان في علوم القرآن، ص: 110
[5] : السيوطي: الإتقان في علوم القرآن، ص: 109
[6] : السيوطي: الإتقان في علوم القرآن، ص: 109
[7] : السيوطي: الإتقان في علوم القرآن، ص: 109
[8] : المصدر نفسه ، ص: 109
[9] : السيوطي: الإتقان في علوم القرآن ، ص: 110
[10] : السيوطي: الإتقان في علوم القرآن، ص: 110
[11] : المصدر نفسه ، ص: 111
[12] : نفسه ، ص: 113
[13] : السيوطي: الإتقان في علوم القرآن ، ص: 113
[14]: السيوطي: تناسق الدرر في تناسب السور،تحقيق عبد القادر عطا،دار الاعتصام،القاهرة، مصر،1976،ص: 45-57