تفاءل ، تكن أجمل !
عبد الرحمن الكيلاني
موقف حصل معي ، بالأمس كان لدي اختبار في الإحصاء ، والإحصاء من المواد التي نظرت إليها نظرة سلبية منذ البداية ، بسبب ضخامة المرجع وشرح الدكتور كثير الأخطاء والمتشتت ، وكلما أردت مراجعة الإحصاء أأجل ذلك بسبب وبغير سبب ..
إلى أن جاء موعد الاختبار، فلم أجد بداً من المذاكرة ، وبعد أن أنهيت شوطاً كبيراً من المادة ، امتلأت نفسي بكل مشاعر السلبية والإحباط تجاه المادة والاختبار ، وخالجني شعور بأني سأفشل هذه المرة ، حتى أني وضعت في ذهني سيناريو ، لفشلي في المادة وحملها إلى الفصل القادم وكيف سأرتب الأمور حينها !!
قبل موعد الاختبار ، جاءت البشائر ممن اختبر الإحصاء ، بأن الاختبار سهل والأسئلة واضحة ، ولا يوجد تعقيد أو غموض ، بدأت أتفاءل وأستبشر ، أكملت المادة بكل جد ونشاط ، وامتلأت نفسي بالأمل والتفاؤل ، ودخلت الاختبار بتلك الروح المتفائلة ، وخرجت بفضل الله وقد حصدت معظم درجات المادة ..
نعم هكذا هو التفاؤل والإيجابية ، يغير نفسيتك ورؤيتك بالكامل ، ويجعلك أكثر نشاطاً وحيوية ، وأكثر استعداداً لاستكمال عملك ، وأكثر تحدياً لما قد يواجهك من معوقات أو صعوبات ..
ما أجمل أن تعمل وتتقن عملك ، ثم تتوقع النتائج الطيبة والمثمرة ، هذا خير من أن تعمل وتتوقع النتائج السيئة ، فالتفاؤل ليس دعوة لترك العمل ، فلو جلست في بيتك وتفاءلت بالرزق فستموت جوعاً حتى لو امتلأت بالتفاؤل ، فالتفاؤل لا يكون إلا مع العمل ..
نحن كمسلمين ، مأمورين بالتفاؤل ، كما يقول صلى الله عليه وسلم : (( تفاءلوا بالخير تجدوه )) ، وحتى في علاقتنا مع الله سبحانه ، فكما ورد في الحديث القدسي : (( أنا عند ظن عبدي بي ، فليظن بي عبدي ما شاء ، إن ظن بي خيراً فله ، وإن ظن بي شراً فعليه )) ..
حبيبنا صلى الله عليه وسلم ، من أكثر الناس تفاؤلاً ، وهو قدوتنا في التفاؤل ، نتأمل موقفين من حياته المليئة بالتفاؤل صلى الله عليه وسلم ..
الموقف الأول : بعد أن كذبت قريش محمد صلى الله عليه وسلم واستهزأت به واتهمته بالجنون والسحر والكذب ، ذهب إلى أهل الطائف وعرض عليهم الإسلام ، فلم يلق منهم إلا كل جحود وتكذيب واستهزاء ، فطردوه صلى الله عليه وسلم ، ولم يكتفوا بذلك ، بل كلفوا صبيانهم وسفهاؤهم أن ترميه بالحجارة حتى أدموه عقبه الشريف ، نزل إليه جبريل عليه السلام ومعه ملك الجبال ، فقال له ملك الجبال : ( إن شئت دمرت عليهم الجبال، وإن شئت رميتهم بالحصا، وإن شئت خسفت بهم الأرض ) ، فماذا كان موقفه صلى الله عليه وسلم ؟ هل انتقم منهم لفعلهم وطرده ؟ أم هل نظر بتلك النظرة السوداوية لما فعلوه ؟ لا بل تفاؤل وامتلأ أملاً وثقة بالله فقال : (( لا ، ولكني أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يؤمن بالله ولا يشرك به شيئاً )) ..
الموقف الثاني : لما كان الصحابة يحفرون الخندق ، وقد كانوا في خوف شديد وفزع شديد وبرد شديد ، قد ضاقت بهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم ، استعصت عليهم صخرة كبيرة وهم يحفرون الخندق لم يقدروا عليها ، فاستعانوا بحبيبهم صلى الله عليه وسلم ، فضرب الصخرة فخرج منها ثلاث شرارات ، كان يكبر مع كل شرارة ويقول : (( الله أكبر فتحت لي قصور اليمن ، الله أكبر فتحت لي قصور كسرى ، الله أكبر أريت قصور الشام البيضاء )) ، نتأمل تفاؤله صلى الله عليه وسلم ، وهو بتلك الحالة ، والصحابة لا يجد أحدهم ما يأكله ولا يأمن على أهله ، وهو يبشرهم بفتح قصور الشام واليمن والعراق !!
قال السماء كئيبة وتجهما قلت ابتسم يكفي التجهم في السماء
قال الليالي جرعتني علقما قلت ابتسم ولئن جرعت العلقما
أتراك تغنم بالتبرم درهما أم أنت تخسر بالبشاشة مغنما
قال البشاشة ليس تسعد كائنا يأتي إلى الدنيا ويذهب مرغما
قلت ابتسم ما دام بينك والردى شبر فإنك بعد لن تتبسما
فاضحك فإن الشهب تضحك والدجى متلاطم ولذا نحب الأنجما
ما أحوجنا اليوم إلى التفاؤل ، مع كل المصائب والكوارث التي تمر بنا ، ومع كل المصاعب والأزمات التي تواجهنا ، ومع كل القتل والتدمير الذي نشاهده ونسمع به ..
فلنتفاءل ، وسنكون أجمل ، وستكون حياتنا أروع وأسعد بإذن الله ، وليكن تفاؤلنا بداية لمحاولة التغيير ..
ودمتم متفائلين ..