الفساد الأخلاقي..
الفساد الأخلاقي..
خطر يهدد المجتمعات الإسلامية
رضوان سلمان حمدان
لم تعد الحوادث الدخيلة على قيمنا ومبادئنا الإسلامية بالشيء الغريب الذي يهز المجتمع فتدمع له العيون وتنخلع معه القلوب، بل أصبح الناس يستقبلون الحوادث بشيءٍ من عدم الاكتراث وكأنَّ كل شيء غريب هو في نفس الوقت متوقع حدوثه، ومن الحوادث الغريبة والمفزعة والتي بدأت تطفو على سطح المجتمع كظاهرةٍ جديدةٍ هي حوادث الاغتصاب وانتهاك الأعراض، فالاغتصاب يُعدُّ أبشع أنواع الجرائم الأخلاقية التي تُرتكَب في حق المرأة والمجتمع، ولكن يبقى تساؤل مفاده أين الضوابط الاجتماعية للحد من مثل هذه الحوادث التي تتكرر بلا حسيب ولا رقيب؟ وما التشريعات القانونية؟ وكيف نحمي المجتمع بصفةٍ عامة والمرأة بصفة خاصة من ذلك؟ وما التشريعات التي كفلتها الشريعة الإسلامية لتحقيق الحماية للمرأة؟
الإحصائيات والدراسات القليلة في هذا الإطار مع بعض الوقائع البسيطة والمشاهدة في المجتمع- هذا مع انعدام الإحصائيات التي تشير إلى الحجم الحقيقي للظاهرة- تشير إلى أن هذه الظاهرة المفزعة لم تعد مجرد حوادث فردية يقوم بها قلة منحرفة أو خارجة على القانون.
ففي مصر: أكدت دراسة أن هناك 20 ألف حالة اغتصاب وتحرش جنسي تُرتكب في مصر سنويًّا؛ أي أن هناك حالتي اغتصاب وتحرش تتم كل ساعة تقريبًا، وأن 90% من جملة القائمين بعمليات الاغتصاب عاطلون، وقدَّرت الدراسة أن حوادث الاختطاف والاغتصاب تقع بنسبة ١٥% منها من صغار السن، وبمعدل حادثتين كل يومٍ تقريبًا.
ومؤخرًا اعترف البرلمان المصري ونوابه بارتفاع حالات الاغتصاب خلال الـ5 سنواتٍ الأخيرة، وأن 85% من الحالات ضحاياها أطفال يكون المغتصب معروفًا للطفلة ، وقد يتطور الأمر إلى قتل الضحية.
وفي دراسة أخرى حول انتشار التحرش الجنسي والاغتصاب: إن 60% من الفتيات والنساء في مصر يتعرضن للتحرش الجنسي في الطفولة، سواء كان تحرشًا لفظيًّا في صورة كلامٍ أو صور، أو تحرشًا باللمس عن طريق مس أجزاء من جسد الأنثى، أو أقصى درجات التحرش وهو الاغتصاب، وفي دراسة على المرضى المترددين على عيادة الأمراض النفسية بمستشفى .... تبين أن 9% من العينة قد عانوا من الانتهاك الجنسي في فترة من فترات حياتهم (أو حياتهن).
وفي تونس: قالت جمعية "رابطة النساء صاحبات المهن القانونية" إنها استقبلت عام 2003م 800 امرأة، تعرضن للتحرش، ونظمت "جمعية النساء الديمقراطيات" حملةً كشفت فيها عن انتهاكات خطيرة تتعلق بالتحرش الجنسي ضدَّ النساء العاملات، خاصةً من قبل رؤسائهن في العمل.
وفي الأردن: شهد عام 2005م تسجيل 437 حالة تحرش جنسي.
كما أكدت إحصائية رسمية من وزارة الداخلية الكويتية ارتفاع معدلات الجريمة بشكلٍ عام في الكويت خلال العام الواحد إلى أكثر من 22 ألف جريمة بمعدل 60 جريمةً في اليوم الواحد منها 435 جريمةً هتك عرض سنويًّا، وهو ما يؤكد على تفاقم ظاهرة الاغتصاب في كافة الدول العربية.
وفي المغرب: تعاني الكثير من الفتيات والسيدات المغربيات من ظاهرة "التحرش الجنسي" المتفشية في كثيرٍ من مؤسسات القطاع الخاص في المغرب، ويتبع بعض أرباب ورؤساء العمل طرقًا شتى من التحرش للإيقاع بضحاياهم، مستغلين في معظم الأحيان سطوتهم وحاجة تلك النساء للعمل.
السخط الاجتماعي
الأسباب الاجتماعية لهذه الظاهرة يكاد يجمع عليها خبراء الاجتماع وعلماء النفس.
فالفقر والبطالة التي أدَّت إلى عدم استطاعة الشباب على الزواج، ومن ثَمَّ الانحراف، كذلك الخلاعة والزي المثير للفتيات والنساء، والإثارة الإعلامية.
إن منظومة الأخلاق بصفة عامة اهتزَّت في المجتمع المسلم، وساهم المناخ العام والمُعبَّأ بالسخط الاجتماعي والفقر والبطالة والإحباط على الفساد الأخلاقي بكافة صوره وأشكاله بما يحمله من كذب ورشاوى وقتل وسرقة واغتصاب جنسي.
ولأن البطالةَ كانت إحدى أقدام هذا الإخطبوط فقد حذَّرت أكثر من دراسة اجتماعية من أن تفشي البطالة بين الشباب هي المسئول الأول عن العديد من الجرائم وحتى حالات الانتحار بين هؤلاء الشباب.
أمن الدولة
إن أسباب هذه الظواهر تكاد تكون معلومةً لدى جميع مسئولي الدول وعلماء الدين ورجال الفكر والمثقفين والباحثين، بل إن كثيرًا من الدوائر المملوكة للدولة تُغذي مثل هذه الظواهر ومنها الإعلام بما فيه من مواد إباحية تُشجِّع على الفحشاء، خاصةً أن هذه المواد أصبحت متاحةً لكل فئات المجتمع، وهي تعتمد في عرض إعلاناتها على ثقافة "الفخذ والثدي والعُري" حتى أصبح مناخ الفحشاء كالسحابة السوداء في كل المواد الإعلامية حتى زاد الأمر عن حده المبالغ فيه، ولا أملَ في الاهتمام بتصحيح هذه الأوضاع؛ لأن كل الدول لا تهتم إلا بالمحافظة على أمن الأنظمة الحاكمة، ولا حساب لأمن الناس لديهم.
ماذا يفعل الشباب الذين تخطت أعمارهم سن الزواج في ظل هذه الظروف القاسية؟، وفي ظل ما يجدونه من انتشارٍ للفاحشة تُروج له وسائل مملوكة للدولة نفسها، وفي مناخٍ معبأٍ بالمعاني الجنسية، وإفلاس فني يتم الاستعاضة عنه بالإفيهات الجنسية الإباحية.
ولا ننسى المخالفات الجسيمة التي تقع فيها الكثير من الأسر، بل وتقع فيها بيوت الملتزمين أنفسهم من عدم مراعاة بعض الفتيات لمشاعر إخوانهم داخل البيت، وكذلك بعض الأمهات فتقع المخالفات نتيجة عدم الاحتشام داخل البيوت.
تشريعات غير مباشر
إن الشريعة الإسلامية وضعت تشريعات للحفاظ على المرأة وصيانة عفتها، وقسمت هذه التشريعات إلى مباشرةٍ، وأخرى غير مباشرة، فمن التشريعات المباشرة التي وضعها الدين الإسلامي لصيانة المرأة عدم الاختلاط وتحريم الخلوة، وإلزام المرأة بالزي الإسلامي الذي لا يصف ولا يشف ولا يكشف حتى لا تُثير غريزة الرجل، كما أمر الله تعالى بألا تخضع المرأة بالقول حتى لا يطمع الذي في قلبه مرض، فالكلام المثير والأحاديث الإباحية يُعطي للرجل إشارةَ البدء، والمرأة هي التي تدفع الثمن، وقد أمر الله تعالى المرأة بغض البصر كما أمر الرجل أيضًا بذلك.
أما فيما يتعلق بالتشريعات غير المباشرة التي وضعتها الشريعة الإسلامية، والتي تهدف في النهاية لمنع الفاحشة بكافة أشكالها فهي تتمثل في أن الإسلام قد نهى عن إثارة الشباب أو الحض على هذه الأفعال قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ 19 النور
وكذلك حث الإسلام على توفير فرص عملٍ للشباب، وعدم اضطهادهم من خلال الملاحقات الأمنية التي يتعرضون لها في أرزاقهم ومحاربتهم في عملهم.
وحض الإسلام الحاكم على مساعدة الشباب على إعفاف النفس والزواج من بيت المال، ومن الزكاة فهي من أوجه الإنفاق في سبيل الله وفي التيسير على المتعسرين فهي من أبواب سد الفاحشة.
كما تُعد المخدرات التي شاعت بين أوساط الشباب الآن بكل أشكالها وأنواعها؛ فهي من أهم دوافع التحرش بالفتيات لأنها تُغيَّب الوعي، وعندما يغيب الوعي لا يستطيع الإنسان أن يتحكم في شهوته، ومعظم حالات الاغتصاب والاعتداءات الجنسية تحدث نتيجة غياب الوعي، والإسلام نهى عن كل ما يُسكر "كلُ مسكرٍ حرام" ، "ما كان كثيرهُ مسكر فقليله حرام".