حسن البنا : صورة من الداخل

حسن البنا : صورة من الداخل

الإمام الشهيد حسن البنا

يحيى بشير حاج يحيى

[email protected]

(حسن البنا :       صورة من الداخل)

في ذكرى استشهاده

يقول بعض الدعاة في وصف حقيقة الداعية : إذا أردت أن تعرف صدق صاحب الدعوة فانظر إلى ثقة أهل بيته به ، فإنهم أدرى بأحواله ، وما غاب عن الآخرين منها لا يغيب عنهم .

وعلى هذا فلم يكن مستغربا أن تسمع السيدة عائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها – تقول عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – " كان خلقه القرآن ". كما أنه ليس عجبا أن تسمع السيدة خديجة بنت خويلد – رضي الله عنهما – وهي تهدئ من روع رسول الله –صلى الله عليه وسلم – كلا والله لا يخزيك الله أبدا ، إنك لتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق ..!!

أردنا من هذه المقدمة أن نلقي الضوء على مقابلة أجرتها مجلة (لواء الإسلام ) القاهرية مع السيدة ثناء حسن البنا إحدى كريمات الإمام الشهيد – طيب الله ثراه – نتلمس من خلالها صدق الداعية وصلاح الذرية من بعده ، بعد أن تعهد البذرة الخيرة بالعناية والرعاية " وكان أبوهما صالحا" .

ماذا ننتظر من فتاة تبلغ الحادية عشرة من عمرها يوم استشهاد أبيها أن تحمل من ذكريات ؟

تقول السيدة ثناء: عندما تحل ذكرى استشهاد والدي – رحمه الله – أشعر بالتقصير الشديد في خدمة الإسلام ، فلقد قدم – رحمه الله – روحه في سبيل الله ... في سبيل الفكرة الإسلامية التي عاش لها ودعا الناس إليها ، وقتل في سبيلها ، فالموت كما كان يقول هو أسمى أمنية للمؤمن ، وقد صدق الله فصدقه سبحانه ، ونال الشهادة التي كان يتمناها، نسأل الله أن يجمعنا به شهداء في سبيله ...

وأما صفات الإمام الشهيد كما تقدمها كريمته فقد جاءت كما يلي : (كان رحمه الله – هادئ الطبع ، واسع الصدر، هينا لينا ، لم أذكر أن صوته ارتفع مرة على أحد في البيت لأي سبب من الأسباب كان يعاون والدتي في بعض أعباء البيت رغم انشغاله بأعباء الدعوة وكان يقدر مجهود والدتي بالبيت دائما ، ولذلك كان يحضر لها شغالة لتساعدها في أعمال المنزل ... كنا لا نحس فيه الغلظة أبدا ، بل كان يغمرنا بالمودة والرحمة والعطف ، ومع ذلك فقد كان يؤمن بسياسة العقاب ، ولكان عقابه كان يتراوح بين إشاحة الوجه ، أو إيماءة الرأس ، أو إشارة باليد ، وكان أقصى ما عاقبني به أن ضربني بالقلم الرصاص ، فأذكر أنني ذات مرة عاملت الشغالة معاملة   غير لائقة فأفهمني أن ما فعلته معها خطأ ، لأنها أختي في الإسلام ، وكان عقابه لي أن أمسك بقلم رصاص وضربني به على يدي وكان هذا كافيا جدا ليشعرني أنه غاضب علي ، وكان درسا لم أنسه طوال حياتي ...

وتضيف الأخت الفاضلة ثناء حسن البنا ، وهي تنقل صورة أبيها المرتسمة في ذهنها ، الموجهة لسلوكها ، والمؤثرة في مسيرة حياتها (كان رحمه الله يجمعنا حوله ويعطينا المصاحف، ويقرأ علينا القرآن ، ويطلب من وفاء وسيف الإسلام أن يتابعاه بحجة المراجعة، وكان يتعمد تقديم آية أو تلاوة آية شبيهة ليختبر مدى انتباههما إليه . ولم أفهم هذا الأسلوب التربوي إلا بعد أن اشتغلت بالتدريس ، فقد يتعمد المدرس الخطأ أو النسيان ليختبر مدى استيعاب التلاميذ وانتباههم ...

وعن اهتمامه بأهل بيته ، وعدم تضييعه لمن يعول ، رغم انشغاله بأمور الدعوة تقول كريمته (كان ملما بكل صغيرة وكبيرة في البيت فكان يوميا يكتب مذكرة صغيرة بكل متطلبات البيت حتى يحضرها أو يكلف من يحضرها ، وكان يعرف كل شيء يخص البيت لدرجة أنه كان يعرف موعد تخزين الأشياء كالسمن والبصل والثوم ... وكان عند عودته ليلا إذا وجدنا نائمين يطوف علينا ، ويطمئن على غطائنا ، ويقبلنا ، بل يصل الأمر لدرجة أنه كان يوقظ أحدنا ويصطحبه إلى الحمام ...

وعن الترويح عن أبنائه تقول السيدة ثناء : وفي شهور الإجازة الصيفية، والتي كان يقضيها مع الإخوان في محافظات الصعيد و الوجه البحري كان لا ينسانا أو يتركنا بلا رعاية ، بل كان يصطحبنا إلى بيت جدي و أخوالي بالإسماعيلية لنقضي إجازتنا هناك ، فنستمتع ونمرح حيث المزارع الخضراء والحدائق الغناء ، وكان أخي " سيف الإسلام " يمارس رياضة ركوب الخيل ، وبذا كان يعطينا – رحمه الله- حقنا في قضاء إجازة لطيفة وممتعة ، وإعطاء الدعوة حقها بسفره إلى الصعيد في  أشهر الصيف الحار ...

رحم الله حسن البنا أبا و داعيا ، فقد كان صاحب مدرسة في التربية تركت آثارها في أبنائه ، وأبناء المسلمين.