إعلان نعي
من وَهج الخَيَال
إعلان نعي
عبد الله سعد الحميدي
كعادة الشمس وقت الظهيره ، تجد متعة في جعل الناس يتذمرون
ساخطين من وهج هذه الحرارة الجهنميه ، كنت راجعا من صلاة الظهر في الجامع ، وكنت في أثناء ذهابي ورجوعي ، لو قدر لجوارحي في تلك اللحظة أن تنطق ، لما نطقت إلا تذمرا ، ما إن وصلت للمنزل حتى دلفت لمكتبتي علني أجد بعضا من الراحة أستجمع فيهل شيأ من أنفاسي ، كانت المكتبة شبه مظلمة في ذالك الوقت شعرت بأن الكتب تتحرك
أمسكت برأسي كي أتأكد من أنه موجود ، أتسعت حدقتا عيني ولكن ، لم تعد الكتب تتحرك ، بل كانت تتحدث ، كانت الأصوات أقرب إلى الضوضاء .
أستيقظت من النوم ، فأعددت لنفسي كالعادة بعضا من الشاي ، ثم ذهبت فأخذت الجريدة فشرعت أقلب طرفي في صفحاتها ..
فجأة وقفت متأملا مصابا بالدهشه ، حينما رأيت اسمي في صفحة الوفيات ، أغمضت عيني بشده ثم فتحتهما فلم يتغير شيء ، قلت من المؤكد أنه تشابه أسماء لا أكثر ، قلبت الصفحه وإذا إعلان أخر عن نعي شخص يحمل نفس الإسم ، بدأ خوفي يزداد ، والغريب أن كافة التفاصيل ، العمر و عنوان السكن كانت خاصة فيّ ، قلبت الصفحات بسرعه وكان الإعلان يتكرر في صفحة تقريبا ، أغلقت الصحيفة ، ورميتها بعيدا ، عند مدخل غرفة الجلوس كانت هناك أعداد الجرائد القديمه ، أخذت واحدة وأنا في طريقي لمكتبتي مرة أخرى ، فإذا إعلان نعي بالخط العريض، نفس الإسم والعمر بل والصوره ، رميت الجريدة بذهول على الأرض ، أو بالأحرى هي التي سقطت !
ُرحْت أتلمس جسدي لأتأكد من انني موجود ، ذهبت مسرعا إلى النافذة ، نظرت إلى الشمس وإلى بعض المارة من هنا وهناك
لكي أكون على يقين انني لا زلت في الدنيا ، رجعت مسرعا إلى المكتبة و أغلقت على نفسي الباب ، أدرت ظهري له وأنا بالكاد أبحث عن هواء أملاء به رئتي ، فسمعت صوت شخص يسعل بصوت فيه ضعف ، فأدرت طرفي فإذا برجل مسن كث اللحيه محدودب الظهر إلا انه بدا وكأنه شاب بحسن هيئته ونظافه لبوسه وإن بدا قديما بعض الشيء .
فقلت له : من أنت ، وما الذي جاء بك إلى هذا المكان .
ارتسمت عندها على الرجل ابتسامة ساخره ، ثم قام من الكرسي الذي أجلس عليه ومشى قليلا إلى أحد الرفوف ، وتناول أحد الكتب التي لا تزال ترقد هناك .
ثم قال : كان الحق لي أن أسالك ذالك السؤال ، لكن لا بأس بذلك
أما أنا فأقطن هذا المكان منذ أكثر من سبعة أعوام ، ألم تأت بي من مكتبة السيد عبد الرحيم ، فقد كنت مقيما هناك أكثر من عشرين عاما
ثم حدثني أنت ، الم تكن ميتا ...
فقلت : فال الله ولا فالك ، ها أنا أمامك ، بلحمي ودمي أتحرك ، و أذهب وأجيء .
فقال : هل تريد بتلك الحركات من مشي وحركة واكل أن تبرهن لي أنك حي
فقلت : وهل تريد اكثر من ذالك ، ها أنا اتحدث معك ، أوليس في نطقي حجه ، ثم ألم يكن الفلاسفة قد اكدو أن " الإنسان حيوان ناطق " فهاهي مظاهر الحياة الاساسية تتجلى في هيئاتيَ المختلفه، ألا تسمعني أتحدث بطلاقه .
قال : إن كنت تفهم من أن النطق عبارة عن التلفظ بالكلمات بحسب ماهي موضوعة له . فانا أشك ولا أشك !
فقلت : بماذا ؟
فقال : لا أشك بأنك إنسان وبنفس الوقت أشك أنك حي !!
فقلت له : أشك انني فهمت شيئا مما قلته
فقال : إنما أرادوا بقولهم أن اٌنسان حيوان ناطق هو أن الإنسان يكون إنسانا بإنسانيته ، وأنى لهذه الإنسانية أن تتم بدون وعي وتفكير ومزيد تأمل .
ثم ، كما أن الجسم يحتاج لغذاء وكساء ، فكذالك العقل من شأنه إن لم يغذه الإنسان بالمعرفة التي هي ثمرة من ثمار المطالعه ، لبدا هذا العقل في مثل حَالِه تلك ، تماما مثل ذالك الطفل في محدودية إدراكاته وضعف بنيته .
وما مثل العقل في هذا الوجود إلا كذالك الرجل الذي تحتم عليه أن يقطع قفارا ومفاوز مهلكه . فإن هو لم يتزود بما يكفيه من زاد ، وخبرة بمسالك هذه المفازه لضل وهلك ........
عندها ساد صمت جليدي ، ترددت أن أسأل ذالك الشخص أي سؤال ..كنت قد نسيت أثناء ذالك الحديث إعلان النعي في الصحيفه ...
بدأت كتلة الثلج تتشقق مصدرة صوتا حادا يكاد يصم الآذان .
بدأ الرجل في متابعة حديثه ....
كثيرون منا يموتون سنين متواصله ، ثم يفيقون يوما أو يومين ثم يعودون لموتهم .....
من بعيد ، سمعت طرقا خفيفا على باب الغرفه ، فتحت عيني بصعوبة ، كان وقت الغداء قد حان .
إلأ أنني تسمرت لحظات في مكاني ، أسترجع بقايا ما دار في خلدي من إعلانات النعي وحديث ذالك الرجل المسن ..
قبل أن أنهض ... كنت في حالة عصف ذهني أتذكر الكلمات الإخيرة التي خرجت كنسمة جليدية من فيّ ذاك المسن ،
" لو كانت الأيام تموت ، لكانت يوما لا يفتح فيه كتاب "
عندها تذكرت أنني هجرت القراءة في اليومين السابقين.