وجاء دور الإسلام 4
وجاء دور الإسلام 4
الروم عند بزوغ فجر الإسلام
د. فوّاز القاسم / سوريا
لقد بلغ الانحلال الاجتماعي في الدولة الرومية عند بزوغ فجر الإسلام أوجه ، فلقد أسرف الناس في الحياة ، ووصلوا في التبذل إلى أحط الدركات .
وأصبح الهم الوحيد لهم هو اكتساب المال من أي وجه ، ثم إنفاقه في التظرف والترف وإرضاء الشهوات ، وذابت أسس الفضيلة ، وانهارت دعائم الأخلاق ، وصار العدل يُباع ويساوم مثل السلع ، وكان الناس يتنافسون في الرشوة والخيانة ، وفي آخر القرن السادس وصلت الدولة في ترديها وهبوطها إلى الحضيض ...
أما مصر ذات النيل السعيد ، والخصب المزيد ، فكانت في القرن السابع من أشقى بلاد الله بالنصرانية ، وبالدولة الرومية معاً ...
وأما الأمم الأوروبية المتوغلة في الشمال والغرب فكانت تتسكع في ظلام الجهل المطبق ، والأمية الفاشية ، والحروب الدامية ، وكانت بمعزل عن قافلة الحضارة الإنسانية بعيدة عنها ، لا تعرف عن العالم ولا يعرف العالم المتمدن عنها إلا قليلاً ، ولم تكن – مما يجري في الشرق والغرب مما يغير وجه التاريخ – في عير ولا نفير ، وكانت بين نصرانية وليدة ، ووثنية شائبة ، ولم تكن بذات رسالة في الدين ، ولا بذات راية في السياسة .
ولقد كانت في أوربا وآسيا وإفريقيا أمة هي من أغنى أمم الأرض مادة في الدين ، وأقربها فهماً لمصطلحاته ومعانيه ، أولئك هم اليهود ، ولكن لم يكونوا عاملاً من عوامل الحضارة والسياسة ، بل قُضي عليهم من قرون طويلة أن يتحكم فيهم غيرهم ، وأن يكونوا عرضة للاضطهاد والاستبداد ، والنفي والجلاء ، والعذاب والبلاء ، وقد أورثهم تاريخهم الخاص وما تفردوا به بين أمم الأرض من العبودية الطويلة والاضطهاد الفظيع والكبرياء القومية ، والإدلال بالنسب ، والجشع وشهوة المال وتعاطي الربا ، أورثهم كل ذلك نفسية غريبة لم توجد في أمة ، وانفردوا بخصائص خلقية كانت لهم شعاراً على تعاقب الإعصار والأجيال ، منها الخنوع عند الضعف ، والبطش وسوء السيرة عند الغلبة ، والختل والنفاق في عامة الأحوال ، والقسوة والأثرة وأكل أموال الناس بالباطل ، والصد عن سبيل الله .
ولقد وصفهم القرآن الكريم وصفاً دقيقاً عميقاً يصور ما كانوا عليه في القرنين السادس والسابع من تدهور خلقي ، وانحطاط نفسي ، وفساد اجتماعي ، وعزلوا بذلك عن إمامة الأمم وقيادة العالم.