عقدة الشعور بالسمو وتضخم الأنا تفضي إلى الكبرياء
عقدة الشعور بالسمو وتضخم الأنا
تفضي إلى الكبرياء
محمد شركي
من المعلوم أن الكائن البشري متضخم الأنا بطبعه لأنه ينطلق من ذاته ليدرك العالم حوله بما فيه ومن فيه ، وغالبا ما يتأثر إدراكه لما حوله بذاته المحكومة بتضخم أناه . ويختلف العالم بمن فيه وما فيه حسب طبيعة الذات المدركة له . وقد يصب الأمر حد نفي الذوات موجودات موجودة في حين تثبت ما لا وجود له وهو من صنع خيالها فقط . فكم من ذوات في هذا العالم تتجاسر بفعل تضخم الأنا وما ينتج عنه من كبرياء على الذات الإلهية فتنفيها ، وتنصب نفسها آلهة مكانها . وعقدة تضخم الأنا عبارة عن عقدة تزكية النفس التي تفضي إلى الكبرياء . والكائن البشري بحكم تكريم الخالق سبحانه وتعالى له على سائر المخلوقات تنشأ لديه غريزيا فكرة الشعور بسموه وأفضليته على سائر المخلوقات . ولا تقف عقدة الشعور بالسمو لديه عند هذا الحد بل يتسامى البشر أيضا على بعضهم البعض لأسباب إما عرقية أو جنسية أو دينية أو سياسية أو اقتصادية أو ثقافية ... إلى غير ذلك من الاعتبارات التي تعتمد من أجل تبرير التفوق على الغير . فمع أن البشر يعود أصله وفق الاعتقاد الإسلامي وهو اعتقاد حتى كثير من غير المسلمين من تراب ومن رجل واحدة وامرأة واحدة فإن هناك من يعتقد بسموه الجنسي والعرقي . والذين يعتقدون هذا الاعتقاد يبررونه بسمو ديني مع أن أول إنسان ،وهو أصل البشر جميعا كان نبيا، ومع ذلك لا يتم التعامل مع الانتساب إليه باعتبار نبوته كما يتم التعامل مع غيره من الأنبياء والرسل الذين جاءوا بعده بنفس الاعتبار ، لهذا يلصق الشرف والسمو بالمنتسبين لرسل وأنبياء كلهم منحدر من أول نبي وأول إنسان ، مع أن الله عز وجل حسم في كون الشرف والنسب لا يورث عرقيا أو جنسيا في قوله عز من قائل : (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )) فبموجب هذا النص القرآني لا يمكن أن يورث الشرف والسمو عرقيا أو جنسيا بل يحصل دينيا بتقوى الله عز وجل . وعاشت وتعيش مجموعات بشرية في هذا العالم بعقدة السمو والشرف العرقي والجنسي ولديها تضخم الأنا ويستفحل الكبرياؤها . ويعاني المتدينون مهما كانت دياناتهم عقدة الشعور بالسمو ليس بالمعنى المتضمن في الآية الكريمة السالفة الذكر بل بمعنى لا يختلف كثيرا عن عقدة الشعور بالسمو العرقي ، ولهذا نجد التراتبية في الانتماءات العقدية عبارة عن رهبنة وحاخمية ومشيخة وإمامة ... وما إلى ذلك من مراتب حسب مختلف الديانات . وبقدر حجم أو درجة الوظيفة الدينية تستفحل عقدة الشعور بالسمو وعقدة تزكية النفس . ولا يقتصر هذا الشعور على أصحاب الوظائف والمراتب الدينية بل يعتقد أتباعهم والمعجبين بهم أيضا بهذا الشعور ،الشيء الذي يزيد من تضخم الأنا لديهم . وإذا كان الرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم قد حازوا السمو باصطفاء الله عز وجل لهم على بقية خلقه فإن كل المتشبهين بهم إنما يعيشون وهم سمو غير حقيقي، الشيء الذي يولد لديهم عقدة تضخم الأنا والتعالي على الغير . ولا يقتصر الشعور بالسمو على أصحاب الوظائف والمراتب الدينية بل يشمل أتباعهم فيكفي أن يتبع البعض أصحاب المراتب والوظائف الدينية ليتقمص نفس الشعور بالسمو ، ولتتولد لديه عقدة تزكية النفس وتضخم الأنا ويتيه بذلك كبرياء . و مع سمو أصفياء الله عز وجل من رسل وأنبياء ومن سار على نهجهم لا نجد عندهم تضخم الأنا ولا تزكية النفس ولا كبرياء إلا أن من لا سمو لهم ممن يدعونه ويتظاهرون به تظهر عندهم بشكل واضح عقدة تزكية النفس وتضخم الأنا وآفة الكبرياء . ففي بيوت الله عز وجل نصادف نماذج بشرية تعاني من عقدة تضخم الأنا وتزكية النفس فتحاول أن تتميزعن غيرها استعلاء وكبراء في هندامها أوزيها أوشكلها أو حركاتها أو طريقة كلامها ... إلى غير ذلك من الأمور. ويكفي عندها أن تلبس لباسا معينا أو ترسل شعر الوجه بطريقة معينة أو تتحدث بطريق خاصة... لتحوز السمو في نظرها ، ويبدو الخلق في نظرها مجرد حشرات يمكن الدوس عليها . و ترى هذه النماذج أن طريقة تعبدها هي الأصح باعتبار عقدة الشعور بالسمو لديها ، وأن غيرها إنما يخبط خبط عشواء في عبادته باعتبار فقدانه هذا للسمو المتوهم . وقد لا يتردد أصحاب الشعور بعقدة السمو في ازدراء غيرهم بنظرات أو كلمات تصدر عنهم . وبعيدا عن أصحاب هذه العقدة من المتدينين نصادف نماذج أخرى غرر بها مالها أو جاهها أو مناصب دنيوية فركبت غرورها وكبرائها . وقد تبدو أحيانا أحوال بعضهم مثيرة للسخرية والشفقة في نفس الوقت إذ يكفي أن يحشر بعضهم جسده في بذلة و يربط عنقه بقطعة قماش ليشعر بسموه على غيره من خلق الله ، وينظر باستخفاف واحتقار لمن لا يحاكيه في شكله . ومن بلادة هذا البعض أن يلتمس القيم المضافة في القماش ، ولو كانت في القماش قيم لكانت الدمى التي تكساها وتعرض في المتاجر ذات قيمة أيضا . ولا تكاد الأرض بما رحبت تتسع لأصحاب عقدة الشعور بالسمو بسبب مال أو جاه أو منصب مع أنهم لا يستطيعون خرق الأرض ولا بلوغ الجبال طولا كما قال المولى جل وعلا . ويقع كثير من الناس ضحايا أصحاب عقدة الشعور بالسمو حيث يجارونهم في أوهامهم وينفخون فيهم كذبا وزورا وتملقا حتى صنعوا منهم أصناما وأوثانا تعبد مع الله عز وجل. ومع أن المولى جل في علاه لا يقبل أن ينازعه الخلق في كبريائه فإن الكثير من ضعاف الخلق يتجاسرون علي كبريائه الحق بكبرياء كذب . ولو تأمل أصحاب عقدة الشعور بالسمو أنفسهم وهم يحملون في بطونهم الخبث لردعهم ذلك عن تضخم الأنا ، والتطلع إلى ما لا يليق بهم من سمو، ولا ينبغي لهم ولا يستطيعون . وإذا كان التواضع يزيد أصحابه رفعة فإن الكبرياء يزري بأصحابه ويزيدهم ضعة و ذلا ويعرضهم لسخرية الساخرين .