رسائل الإصلاح-33
رسائل الإصلاح
(33)
مكتبة وشباب
د. موسى الإبراهيم
المكان: جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية، الخرطوم، السودان
الزمان: صيف عام 1416 هـ 1996م.
المشهد: قاعات مكتبة الجامعة.
الحدث والدلالات:
كنت في الجامعة المذكورة أعلاه زائراً، ومررت في ساحاتها الخضراء فإذا بي أمام مبنى مكتبة الجامعة، فقلت لا بد من زيارة للمكتبة والتعرف على ما فيها، وتلك من أحب الأشياء إلى قلبي، لأنها متعة القلب والفكر والروح معاً.
دخلت المكتبة فرأيتها متواضعة في مبناها وأثاثها، لم تعرف المكيفات، وهي في بلد حار، غير أنها عامرة بالكتب القيمة والمراجع العلمية التراثية والعصرية المعتمدة والمعتبرة.
وليس هذا مثار إعجابي، بل إن دهشتي كانت بالغة لِما رأيت داخل المكتبة، فماذا رأيت؟
لقد رأيت شباباً تغص بهم المكتبة، حتى إني لم أجد طاولة فارغة ولا كرسياً فارغاً يمكن أن أجلس عليه!
فقلت لأتجول بين ممرات المكتبة ورفوفها العامرة، ففعلت فإذا بها قد سدت بالشباب أيضاً الذين لم يجدوا سعة في قاعات المطالعة، فأخذوا المراجع التي يحتاجونها وافترشوا الأرض والجميع منهمكون في القراءة والبحث والتنقيب في أمهات المراجع العلمية، ولا تسمع لأحد منهم همساً ولا يدري أحد ما حوله ولا من حوله.
وبصعوبة بالغة كنت أتخطى الجالسين لأتنقل بين الرفوف للتعرف على محتويات المكتبة.
ثم قلت: لأصعد إلى الدور الثاني لعله أقل ازدحاماً بالرواد، فتسلقت السلم، وإذا به أشد ازدحاماً من الدور الأول وبنفس المشهد الجاد السابق.
وهنا لم أتمالك عيناي التي ذرفت الدمع فرحاً وإعجاباً ودهشة، وقلت في نفسي إن هذه أمة تستحق الحياة، وإن هؤلاء الشباب سيكون لهم شأن في التاريخ يوماً ما إن شاء الله.
ومما أثار إعجابي في هذه المكتبة أنني التفت التفاتة في الدور الثاني من المكتبة وإذا بصالة متواضعة، وفيها فسحة كبيرة لمن يريد الجلوس والمطالعة، وعجبت لم ترك الطلاب هذه القاعة ولم يدخلوا ويخففوا من معاناتهم وازدحامهم في القاعات الأخرى والممرات المختلفة؟ وما لبث أن زال استغرابي عندما رأيت لوحة كتب عليها: "هذه القاعة خاصة بأعضاء هيئة التدريس".
وهنا ازداد احترامي وتقديري لهؤلاء الشباب، وقلت في نفسي: ما أعظم هؤلاء الشباب، وما أشد أدبهم واحترامهم لأساتذتهم ولأنظمة الكلية التي يتربون منها.