دم الأرض ؟!
محمد محمود كالو
بعض الكتاب يلقبون النفط بـ - صاحب الجلالة الملك - وهو ملك حقاً على المبدأ الدستوري ، يخدم شعبه أكثر من خدمة شعبه له ، يضحي بنفسه ، إذ يحرق ذاته في خدمة الرعية.
كان النفط يسمى بالحمر ، والقار ، والزفت ، ولم تطلق عليه كلمة - بتراأوليوم - إلا في كتابات - بلين - ومعناها زيت الحجر أو الأرض ، وهذا أصح تعبير ، ثم حرفت فصارت - بتروليوم - ثم - بترول -.
وفي القرن الرابع عشر صار يشعل للإضاءة ، وكان الهنود أول الذين استخدموه في أمريكا، وظل شأنه على هذا الحال إلى منتصف القرن التاسع عشر.
وفي سنة 1853 م كان الكولونيل - ادواردراك - يحفر بئراً في بلدة - تيتسفيل - في ولاية - بنسلفانيا - الأمريكية ، ليستخرج الملح بعد تبخير مياهه ، وإذا بمائع زيتي يتفجر فجأة مرتفعاً بقوة عظيمة في الجو ، وإذا بالتاريخ يسجل اكتشاف أول بئر للنفط في العالم.
نقطة النفط بمثابة نقطة الدم ! لما له من الأهمية في الحاضر والمستقبل ، أما أهميته الماضية ، وما كان لها من أثر فعال في مصير المجزرة البشرية ، فقد قال ممثل فرنسا - هنري بيرنجه - :
لقد انتصر الحلفاء بدماء جنودهم ، لقد كان النفط في الحرب كدماء لها ، ولكن النصر لم يكن ليتم لولا ذلك الدم الآخر الذي اسمه : النفط.
ومن أقوال وزير الملاحة البريطانية - لورد فيشر - : استعدوا لحرب النفط ، والويل للشعب المحارب الذي لا يملك نفطاً.
وحسب القارئ أن ينظر إلى خريطة جغرافية ، ترسم الساحات التي دارت فيها رحى الحرب والمعارك ، إن الحروب التي تجري على وجه المعمورة كلها ، تغذيها سياسة النفط ، وشركاته ، فسياسة النفط مخيفة وفظيعة ، لأن النفط يدر الذهب ، وما حرب الخليج الثانية إلا من أجل النفط ، وكذلك حرب أفغانستان ما كان إلا للسيطرة على منابع النفط ، وكذلك الاحتلال الأمريكي للعراق مؤخراً سببها النفط ، وهذا ما صرح به وزير الدفاع الأوسترالي مؤخراً، برندن نيلسون حينما قال إن قوات بلاده إنما "هي بالعراق لأجل النفط" ! الأمر ليس بهذه البساطة فالتصريح الأخير هذا ليس كشفاً لسر خطير؛ لكنها المرة الأولى التي يُقال فيها هذا الكلام علناً، أما قضية النفط وكونها سبباً حقيقياً وراء قرار شن العدوان الأنجلو سكسوني على العراق وإعادته إلى الوراء قروناً، فهي أمر معروف لا يختلف عليه اثنان، هذا إضافة بالطبع "لحماية أمن إسرائيل".
لقد أصبح النفط هو الهدف الأول لدى جميع الدول لتأمين حاجاتها منه، لأن السيارة لا تسير ، والطائرة لا تطير ، والدبابة لا تناور ، والمعامل والآلات كلها لا تدور ولا تتحرك بلا نفط ، فما مصير الدول إذا حرمت من هذه المادة الحيوية .
إنه دم الأرض ، وفي سبيله تهرق دماء البشر ، فليقرأ بنو قومي هذا بفكر، وإمعان نظر ، وسيأتيك من لم تزوده بخبر.