في ذكرى يوم الشهيد
إبراهيم خليل إبراهيم
يعد البطل الفريق أول عبد المنعم رياض واحدا من أشهر العسكريين العرب فى النصف الثانى من القرن العشرين .. شارك فى الحرب العالمية الثانية ضد الألمان والإيطاليين التى جرت بين عامى 1941 و 1942 و فى حرب فلسطين عام 1948 والعدوان الثلاثى عام 1965 والذى قامت به بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر وأيضا حزن لنكسة الخامس من يونيو عام1967 فقد نالت إسرائيل نصرا لاتستحقه ونالت مصر هزيمة لاتستحقها لأن الجندى المصرى لم يشترك فى الحرب .. كما شارك البطل الفريق الأول فى معارك الإستنزاف التى بدأت بمعركة رأس العش بعد نكسة يونيو مباشرة بعشرين يوما فقط واستمرت حتى عام 1970 ومهدت الطريق لمعارك أكتوبر عام 1973 .
والبطل الفريق أول ( محمد عبد المنعم محمد رياض عبد الله ) ولد فى قرية سبرباى إحدى ضواحى مدينة طنطا بمحافظة الغربية فى الثانى والعشرين من شهر أكتوبر عام 1919 و نزح مع أسرته إلى الفيوم كان جده عبد الله طه على الرزيقى _ رحمه الله _ من أعيان الفيوم .. أما والده فهو القائمقام العقيدمحمد رياض عبد الله قائد بلوكات الطلبة بالكلية الحربية والتى تخرجت على يديه الكثيرين من قادة المؤسسة العسكرية. درس عبد المنعم رياض فى كتاب القرية وتدرج فى التعليم وبعد حصوله على الثانوية العامة إلتحق بكلية الطب بناء على رغبة أسرته ولكنه بعد عامين من الدراسة فضل الإلتحاق بالكلية الحربية التى كان متعلقا بها انتهى من دراسته في عام 1938 م برتبة ملازم ثان ونال شهادة الماجستير فى العلوم العسكرية عام 1944 وكان ترتيبه الأول وأتم دراسته كمعلم مدفعية مضادة للطائرات بإمتياز فى إنجلترا عامى 1945 و 1946 وقد اطلق عليه السوفيت ( الجنرال الذهبى ) برغم انه كان برتية عميد وقتئذ .
أجاد عدة لغات منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية وانتسب وهو برتبة فريق إلى كلية التجارة لإيمانه بأن الإستراتيجية هى الإقتصاد.
فى عام 1941 عين بعد تخرجه فى سلاح المدفعية وألحق بإحدى البطاريات المضادة للطائرات فى المنطقة الغربية و اشترك فى الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا وإيطاليا.
وخلال عامي 1947 – 1948 عمل في إدارة العمليات والخطط في القاهرة وكان همزة الوصل والتنسيق بينها - وبين قيادة الميدان في فلسطين ومنح وسام الجدارة الذهبي لقدراته العسكرية التي ظهرت آنذاك.
في عام 1951 تولى قيادة مدرسة المدفعية المضادة للطائرات وكان وقتها برتبة مقدم.
فى عام 1953 عين قائدا للواء الأول المضاد للطائرات في الإسكندرية.
من يوليو 1954 وحتى ابريل 1958 تولى قيادة الدفاع المضاد للطائرات في سلاح المدفعية.
فى التاسع من شهر أبريل عام 1958 سافر في بعثة تعليمية إلى الاتحاد السوفيتي لإتمام دورة تكتيكية تعبوية في الأكاديمية العسكرية العليا وأتمها في عام 1959 بتقدير امتياز وقد لقب هناك بالجنرال الذهبي وبعد عودته فى عام 1960 شغل منصب رئيس أركان سلاح المدفعية.
فى عام 1961 كان نائبا رئيس شعبة العمليات برئاسة أركان حرب القوات المسلحة وأسند إليه منصب مستشار قيادة القوات الجوية لشؤون الدفاع الجوي.
فى عامى 1962 و 1963 اشترك وهو برتبة لواء في دورة خاصة بالصواريخ بمدرسة المدفعية المضادة للطائرات حصل فى نهايتها على تقدير الإمتياز وفى عام 1964 عين رئيسا لأركان القيادة العربية الموحدة. في عام 1966 تمت ترقيته إلى رتبة فريق وأتم في السنة نفسها دراسته بأكاديمية ناصر العسكرية العليا وحصل على زمالة كلية الحرب العليا.
حصل على العديد من الأنواط والأوسمة ومنها ميدالية الخدمة الطويلة والقدوة الحسنة ونوط الجدارة الذهبية ووسام الأرز الوطني بدرجة ضابط كبير من لبنان ووسام الكوكب الأردني طبقة أولى ووسام نجمة الشرق. فى مايو 1967 وبعد سفر الملك حسين للقاهرة للتوقيع على اتفاقية الدفاع المشترك عين الفريق عبد المنعم رياض قائدا لمركز القيادة المتقدم في عمان .. وصل إليها في الأول من يونيو 1967 مع هيئة أركان صغيرة من الضباط العرب لتأسيس مركز القيادة وحينما اندلعت حرب 1967 عين الفريق عبد المنعم رياض قائدا عاما للجبهة الأردنية.
فى الحادى عشر من شهر يونيو 1967 اختير رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة المصرية فبدأ مع وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة الجديد الفريق أول محمد فوزي إعادة بنائها وتنظيمها.
وفي عام 1968 عين أمينا عاما مساعدا لجامعة الدول العربية.
حقق عبد المنعم رياض انتصارات عسكرية في المعارك التي خاضتها القوات المسلحة المصرية خلال حرب الاستنزاف مثل معركة رأس العش التي جرت بين مجموعة من أبطال الصاعقة ضد القوات الإسرائيلية ومنعتها من أحتلال مدينة بورفؤاد المصرية الواقعة على قناة السويس .. وهذه المعركة جرت بعد عشرين يوما فقط من نكسة يونيو 1967
كما شارك فى تدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات فى 21 أكتوبر 1967 وإسقاط بعض الطائرات الحربية الإسرائيلية خلال عامي 1967 و 1968.
كان عبد المنعم رياض يؤمن بحتمية الحرب ضد إسرائيل ويعتقد أن العرب لن يحققوا نصرا عليها إلا في إطار استراتيجية شاملة تأخذ البعد الاقتصادي في الحسبان وليس مجرد استراتيجية عسكرية. وكان يؤمن أيضا بأنه إذا وفرنا للمعركة القدرات القتالية المناسبة وأتحنا لها الوقت الكافي للإعداد والتجهيز وهيأنا لها الظروف المواتية فليس ثمة شك في النصر الذي وعدنا الله إياه .
كما كانت له وجهة نظر في القادة وأنهم يصنعون ولا يولدون فكان يقول :
لا أصدق أن القادة يولدون ..إن الذي يولد قائدا هو فلتة من الفلتات التي لا يقاس عليها كخالد بن الوليد مثلا ولكن العسكريين يصنعون ..يصنعهم العلم والتجربة والفرصة والثقة… إن ما نحتاج إليه هو بناء القادة وصنعهم والقائد الذي يقود هو الذي يملك القدرة على إصدار القرار في الوقت المناسب وليس مجرد القائد الذي يملك سلطة إصدار القرار .
تنبأ البطل الفريق أول عبد المنعم رياض بحرب العراق و أمريكا حيث قال:
إن بترول أمريكا سوف يبدأ في النفاذ وستتطوق إلى بترول العراق خلال 30 عام تقريبا وهاهو التاريخ يؤكد هذا .
ومن أقوال البطل الفريق اول عبد المنعم رياض والتى حفظها التاريخ نذكر قوله : أن تبين أوجه النقص لديك .. تلك هى الأمانة .. وأن تجاهد أقصى ما يكون الجهد بما هو متوفر لديك .. تلك هى المهارة
أشرف البطل الفريق أول عبد المنعم رياض على الخطة المصرية لتدمير خط بارليف خلال حرب الاستنزاف ورأى أن يشرف على تنفيذها بنفسه وتحدد يوم السبت الثامن من شهر مارس عام 1969 م موعداً لبدء تنفيذ الخطة وفي التوقيت المحدد انطلقت نيران المصريين على طول خط الجبهة لتكبد الإسرائيليين أكبر قدر من الخسائر في ساعات قليلة وتدمير جزء من مواقع خط بارليف وإسكات بعض مواقع مدفعيته في أعنف اشتباك شهدته الجبهة قبل معارك 1973.
وفي صبيحة يوم الأحد التاسع من شهر مارس 1969 قرر أن يتوجه بنفسه إلى الجبهة ليرى عن كثب نتائج المعركة ويشارك جنوده في مواجهة الموقف .. كما قرر أن يزور أكثر المواقع تقدماً التي لم تكن تبعد عن مرمى النيران الإسرائيلية سوى 250 مترا ووقع أختياره على الموقع رقم 6 وكان أول موقع يفتح نيرانه بتركيز شديد على دشم العدو في اليوم السابق.
ويشهد هذا الموقع الدقائق الأخيرة في حياة البطل الفريق أول عبد المنعم رياض حيث انهالت نيران العدو فجأة على المنطقة التي كان يقف فيها وسط جنوده واستمرت المعركة التي كان يقودها البطل الفريق أول عبد المنعم بنفسه حوالي ساعة ونصف الساعة إلى أن انفجرت إحدى طلقات المدفعية بالقرب من الحفرة التي كان يقود المعركة منها ونتيجة للشظايا القاتلة وتفريغ الهواء أستشهد متأثرا بجراحه.
وفى جنازة عسكرية مهيبة خرجت جموع الشعب المصرى لتودع بطلها إلى مثواه الأخير
وقالت عنه وكالة اليونايتدبرس :
إن الفريق عبد المنعم رياض ختم حياته على العهد به رجلا مخلصا لجنديته فى الخطوط الأمامية .. إن الفريق عبد المنعم رياض شارك فى عمل بدا شبه مستحيل وهو إعادة بناء القوات المسلحة المصرية
وقالت صحيفة الجرديان البريطانية :
إن وفاة عبد المنعم رياض قد رفعت الروح المعنوية للشعب المصرى حيث عبر حادث أستشهاده بين جنوده عن الروح المعنوية الجديدة التى سادت القوات المسلحة المصرية بعد عام 1967
وقد نعاه الرئيس جمال عبد الناصر ومنحه رتبة الفريق أول ونجمة الشرف العسكرية التي تعتبر أكبر وسام عسكري في مصر وأعتبر يوم التاسع من شهر مارس من كل عام هو يوم الشهيد تخليدا لذكراه وهذا هو بيان رئاسة الجمهورية الذى نعى فيه الرئيس جمال عبد الناصر .. البطل الفريق أول عبد المنعم رياض فى التاسع من شهر مارس عام 1969 :
فقدت الجمهورية العربية المتحدة أمس جندياً من أشجع جنودها وأكثرهم بسالة وهو الفريق عبد المنعم رياض رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة… وكان الفريق عبد المنعم رياض فى جبهة القتال وأبت عليه شجاعته إلا أن يتقدم إلى الخط الأول بينما كانت معارك المدفعية على أشدها وسقطت إحدى قنابل المدفعية المعادية على الموقع الذى كان الفريق عبد المنعم رياض يقف فيه وشاء قضاء الله وقدره أن يصاب،وأن تكون إصابته قاتلة…إننى أنعى للأمة العربية رجلاً كانت له همة الأبطال، تمثلت فيه كل خصال شعبه وقدراته وأصالته… إن الجمهورية العربية المتحدة تقدم عبد المنعم رياض إلى رحاب الشهادة من أجل الوطن راضية مؤمنة واثقة أن طريق النصر هو طريق التضحيات .. ولقد كان من دواعى الشرف أن قدم عبد المنعم رياض حياته للفداء وللواجب فى يوم مجيد استطاعت فيه القوات المسلحة أن تلحق بالعدو خسائر تعتبر من أشد ما تعرض له…لقد وقع الجندى الباسل فى ساحة المعركة ومن حوله جنود من رجال وطنه يقومون بالواجب أعظم وأكرم ما يكون .. من أجل يوم اجتمعت عليه إرادة أمتهم العربية والتقى عليه تصميمها، قسماً على التحرير كاملاً وعهداً بالنصرعزيزاً. مهما يكن الثمن، ومهما غلت التضحيات.
وفى مساء الثانى عشر من شهر مارس عام 1969 قال سليمان العيسى عبر أثير محطة الإذاعة والتليفزيون من سوريا :
بـيـضـاءٌ شـامـخة الأسى بـيـضـاءُ تـغسلُ أَرضها وسماءَها بـيـضـاءُ تنفضُ في العراءِ قبورَنا وأجـسُّ عـارَ الـدهـرِ يجلدُ جبهتي عـامـان ،، أمـضغُ زفرتي مخنوقة وأُفـيـقُ أَمـس .. يُـفيقُ كلُّ مجللٍ نـصـحـو على نبأِ الشهيدِ : جباهنا مـسـح الدمُ البطلُ الهوان ، وغُيبتْ يـا رافـعـاً عـلم التحدي .. بعدما يـا نـاثـراً مِـزقَ الـشظايا حوله يـا صـارخـاً بالخانعينَ على الذُّرا أنـزلـتَ عن صدرِ العروبةِ صخرةٌ صُـلـبـت أمانينا .. وديسَ وجودنا هُـزمـت ملاييني .. سُحِقْتُ بضربةٍ الـقـهـقـهـات على دمي محمومةٌ قـالـوا : ذرونـا أمـة مـشـلـولةً رَكِـبـت أسـاطـيـرَ البطولةِ حفنةٌ وزهـت صـيـارفـةُ القرون ببأسها عـشـرون .. برقعتِ الجريمةُ وجهها عـشرون .. نُلفظُ في الدروبِ فلا لقى عـشـرون .. يـلـهو عالمٌ بجنازتي عـشرون .. يُغمضُ عينه عن جثتي وأدق تـابـوتـي .. بـكـفـي مرةً عشرون .. عشت على الطريق جُزازةً قـالـوا : ذرونـاهـم ، فتلك قبورهم كَـذَبـت مـزامـيـرُ الجريمةِ كلُّها لـم نـنـزل الـميدان .. كانت أمتي مـا حـاربت سُمرُ الرمال ، ولا مشى نـمـنـا على الفيدِ الهجينِ ، ومَزقت ألـقـمـتها صدر الرجالِ ، فزغردت اِقـرأ عـلـى الـمـتسكعين رسالتي اِقـرأ عـلـيـهـم سورة الفتحِ التي اِقـرأ عـلى المتراكضين إلى الدجى اِقـرأ عـلـيـنـا مـن دمـائك آيةٌ اِقـرأ عـلـيـنا باسم ربك ، باسمنا عَـرَفـت مـلاييني بصدرك جسرها جـسـرُ الـحـيـاةِ تمورُ في أعماقنا حـمـلـت شـعـار الفاتحين وهَدَّها يـا فـارسَ الصحراءِ .. يقتلها الظما يـا فـارسَ الصحراءِ .. يُطعِمُ رملها مـا ماتَ تاريخي العظيمُ ، ولا انطفا مـا مـاتَ ، يا صقر السويس ، وإنما غَـطَّـت وجودي في الوجود سحابةٌ وتـهـشـمَ الصرحُ المجيدُ .. مروءةٌ ووقـفـتُ أمـضـغُ كاليتيمِ مرارتي وحـمـلـتُ كـنزي في لهاتي غُصةٌ زرعـوا الـجـريمةَ فوقَ قبري مَرَّةٌ زرعـوا عـلـى الأشـلاءِ إسرائيلهم الـمـيْـتُ ينهضُ ، والقبورُ قصيدةٌ والـفـريـةُ الكبرى التي سلخوا لها الـفـريـةُ الـكـبـزى تصدعَ ليلُها مـا مـاتَ تاريخي العظيمُ .. ستنتهي يـمـحـو دمٌ صـبـغَ الـقتاةَ برشة يـمـحـو دمٌ صـبـغَ القناة هزيمتي الآن افـتـتـحُ الـنـزالَ بـأمـتي دقَّ الـفـدائـيـون بـابَ نـشورنا يـا فارسَ الرملِ الخضيبِ … تمزقت افـتـح جـراحَكَ ينغمس في وهجها بـدأ الـربـيـعُ يـدبُّ فوق دمارنا اَتـمـوتُ ؟ يـنـبُتُ الفُ الفِ مُقاتلٍ تَـلـقـى بـصـدركَ اُمـةٌ مقبورةٌ الآن نـبـتـدىءُ الـنزالَ ، وساحةٌ عَطِشَ التحدي في العروقِ ، ليحصدوا نـكـبـاءُ واعـيـةُ الـخطى عربيةٌ مـن نـارهـا (فـتحٌ ) ومن أسمائها افـتـح جـراحـك ولـيصبوا نارهم الآنَ ابـتـدىءُ الـنـزالَ بـأمـتي تـسـقـي شـهـيـدا كل حبةِ رملةٍ حـتـى يَـرِفََّ عـلى القبورِ ربيعها وتـزولُ أقـدامُ الـغُـزاةِ وتَـمّـحِي | سيناءُتٌـسـقـى بـجـرحكَ روعةٌ وتضاءُ بـسـنـا الـرجـولـةِ دفقةٌ حمراءُ فـإذا الـطـريـقُ شـهـادةٌ وفـداءُ بـالـنَّـار .. يسحقُ رأسي الإغضاءُ عـامـان .. قـصـة ذلـنـا الأنباءُ بـالـمـوت .. تُتلعُ جيدها الصحراءُ زهـو يُـضـيءُ ، ودمـعـنا خُيلاءُ فـي قـاع نـعـشـك نـكسةٌ سوداءُ مـات الـتـحـدي .. فـالعرينُ إماءُ والـمـوتُ تـحـت جراحهِ استخذاءُ حُـفـرُ الـقـتـال ذُوراكـمُ الشَّماءُ وتـزحـزحـت عـن دربـنا غَمَّاءُ وتـشـامـخـت أسـطـورةٌ نكراءُ فـتـراثـنـا ، وفـتـوحـنا أشلاءُ ودمـي يـدٌ مـغـلـولـةٌ خـرساءُ فـي الـريح .. قالوا : وحدنا الأحياءُ عـن كـل سـاحـةِ نـخـوةٍ غُرباءُ وتـمـلـمـلت غُصصٌ ، وعَزَّ بكاءُ وخـيـامـنـا مـا تـعرفُ الأنواءُ أجـسـادنـا حُـسـبت ، ولا أشياءُ والـحـشـرجـات على الرمال هباءُ ويـمـرُّ .. لا خـجـلٌ ولا استحياءُ وبـكـفـه .. وتـلـفـنـي رقطاءُ بَـيـعٌ مـصـيـري كـلـهُ وشراءُ لا نـأمـةٌ خـلـجـت ، ولا إيـماء كَـذَبـت طـبـولُ جَنَازتي الزهراءُ فـي الـقـيـدِ .. في رئتيَّ كان الداءُ لـلـمـوتِ، إلا الـريحُ والضوضاءٌ قـيـدي الـهـجـيـنِ شظيةٌ بكماءُ حـطـيـن . وافتتحَ الكتابَ (حراءُ) بـدمـاك فـلـيـطَّـهَـرِ الـجبناءُ بـيـعـت، فـدفـقـةُ وهجِها ظَلماءُ يـتـخـبـؤون وتـخـجلُ الأضواءُ تـهـدر بـغـيـر دمـارنا الأصداءُ بـاسـم الـعـروبـةِ .. كلُّنا إصغاءُ فـلـيـعـبروا ، جسرُ الخلودِ مُضاءُ لـهـبـاً وتُـطـفِـئـهـا يدٌ شلاءُ تـحـت الـنـعـال رخيصةٌ إغراءُ والــتــبـرُ رواحٌ بـهـا غَـداءُ دمـهُ ، فـحـرُّ جـحـيـمـها أنداءُ وهـجُ الـشـهـادةِ فـيـهِ والشهداءُ سَـرقَـت نـهـاري لـيـلـة ليلاءُ سـوداءُ كـالـحـةُ الـدجـى عمياءُ تـاريـخُـه مِـلءَ الـدُّنـى وعطاءُ إرثـي يُـبـاعُ ، ولـقمتي استجداءُ والـسـارقـون خـنـاجـرٌ وعِداءُ بَـدءُ الـنُّـشـورِ جـريـمةٌ شنعاءُ وتـحـركـت لـتـقـاتـل الأشلاءُ والـمـنـشـدون إلـى النزالِ ظِماءُ جـلـدي لـيـسـتر ما افتروهُ غِطاءُ وتـنـاقـلـت بُـهـتـانَها الأرجاءُ إذ نـسـتـفـيـقُ الـقصةُ الصفراءُ مــا زورتـه حِـقـبـةٌ شـوهـاءُ ويُـطـلُّ وجـهُ حـقـيقتي الوضاءُ وتُـشـعُّ دنـيـا كـالضُّحى عرباءُ وكـألـف بُـشرى بالرسالة ،، جاؤوا بـفـمـي الـسلاسلُ فالصريرُ غِناءُ جـيـلٌ ، ويـنبضُ في الصخورِ اباءُ اَل_ـمٌ يُ_ـج_ـددُ أُم_ـةٌ ون_ـداءُ مـن دفـقِ جـرحك ، تعشبُ البيداءُ مَـطَـرَ الـقـذائـفِ ، أُمـةٌ عزلاءُ وطـنـي الـمـمزقُ … ساحةٌ ولقاءُ عَـطَـشَ الـتـحـدي … إنه نكباءُ تَـسَـعُ الـوجـودَ يـمينُها السمراءُ حـطـيـنُ ، لـم تـتـبدلِ الأسماءُ انـي خُـلـودٌ هـاهـنـا وبـقـاءُ وطـويـلـةٌ الـيـاذتـي عـصماءُ حـتـى يـمـوجَ الـعِـطرُ والأفياءُ حـتـى تـعـودَ ثَـرىً لـنا وسماءُ ونـقـولُ : مـرَّ بـأرضـنا دخلاءُ |
وفي ذكرى الشهيد البطل ( عبد المنعم رياض ) قال الشاعر الكبير نزار قبانى :
لو يُقتَلونَ مثلما قُتلتْ..
لو يعرفونَ أن يموتوا.. مثلما فعلتْ
لو مدمنو الكلامِ في بلادنا
قد بذلوا نصفَ الذي بذلتْ
لو أنهم من خلفِ طاولاتهمْ
قد خرجوا.. كما خرجتَ أنتْ..
وواحترقوا في لهبِ المجدِ، كما احترقتْ
لم يسقطِ المسيحُ مذبوحاً على ترابِ الناصرهْ
ولا استُبيحتْ تغلبٌ
وانكسرَ المناذرهْ…
لو قرأوا – يا سيّدي القائدَ – ما كتبتْ
لكنَّ من عرفتهمْ..
ظلّوا على الحالِ الذي عرفتْ..
يدخّنون، يسكرونَ، يقتلونَ الوقتْ
ويطعمونَ الشعبَ أوراقَ البلاغاتِ كما علِمتْ
وبعضهمْ.. يغوصُ في وحولهِ..
وبعضهمْ..
يغصُّ في بترولهِ..
وبعضهمْ..
قد أغلقَ البابَ على حريمهِ..
ومنتهى نضالهِ..
جاريةٌ في التختْ..
يا أشرفَ القتلى، على أجفاننا أزهرتْ
الخطوةُ الأولى إلى تحريرنا..
أنتَ بها بدأتْ..
يا أيّها الغارقُ في دمائهِ
جميعهم قد كذبوا.. وأنتَ قد صدقتْ
جميعهم قد هُزموا..
ووحدكَ انتصرتْ