ماذا تريد الحركة الإسلامية ؟

ماذا تريد الحركة الإسلامية ؟

د.خالد الأحمد *

إن الحمد لله وحده لاشريك له ، والصلاة والسلام على رسـول اللـه وبعد : فالإخوان المسلمون  هم جزء من الحركة الإسلامية التي نعرفها بأنها : ( العمل الشعبي  الجماعي المنظم للعــودة بالإســلام إلى قيــادة المجتمع وتوجيه الحياة كلها ) ([1]).

وهذا الهدف شـاق ولكنه ممكن  ، فهو شـاق لأن المسلمين انحرفوا عن الالتزام الكامل بالإسلام  ـ كماكان الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم ـ منذ عدة قرون ، بدأ ت زاوية الانحراف صغيرة جداً ثم كبرت قرناً بعد قرن ، حتى أصبح الفرق كبيراً جداً في كثير من الأقطار ، وممكن لأن الله سبحانه وتعالى تكفل بحفظ هذا الدين وتجديده كل مائة عام .

وكي تحقق الحركة الإسلامية هذا الهدف الكبير الشـاق لابد من رســم الخطط ، وتحديد الأهداف ، والأهداف نوعان أساسيان : أهداف اســتراتيجية ثابتة وبعيدة المدى وهي غاية في ذاتها ، وأهداف تكتيكية ( مرحلية ) وهي وسائل موصلة إلى الأهداف الاستراتيجية .

فالهدف الاستراتيجي للحركة الإسلامية طاعـة الله عزوجل وكسـب رضاه للفوز بالجنة دار الخلد ، قال تعالى ( وما خلقت الجن والإنس إلاليعبدون ) والعبادة هي الطاعة ، أما كل مايوصل إلى طاعة الله ورضاه فهو هدف مرحلي ( تكتيكي ) ([2]) .

كما أن الأهداف المرحلية متسلسلة منطقياً يترتب اللاحق منها على السابق ، فلايمكن إقامة أسرة مسلمة قبل تكوين الفرد المسلم ، لأن تكوين الأسرة يترتب على تكوين الأفراد المسلمين ذكوراً وإناثاً . ولايمكن إقامة الدولة المسلمة قبل المجتمع المسلم ، لأن الدولة المسلمة تحكم مجتمعاً مسلماً ؛ كما أن المجتمع المسلم يفرز دولة مسلمة ،ثم يحمي هذ ه الدولة من التآكل والسقوط بعد إقامتها ،وهكذا . فما الأهداف المرحلية للحركة الإسلامية المعاصرة ؟

أهـداف الإخوان المسلمون : 

 1ـ كما هي في تصورا ت الغرب وأنصاره  :

  يتصور الغرب وأنصاره أن الإخوان المسلمون يريدون قهرهم وإحكام السيف في رقابهم ، ومحاربة كل ماجاءت به حضارتهم ؛ والقضاء عليها وإعادة البشرية إلى القرون الماضية ، لذلك يخافون من الإخوان المسلمين كثيراً ، ويرصدون الأموال الكثيرة لدراسة الحركة الإسلامية عامة ، والتعرف عليها كي يرسموا الخطط لمحاربتها والقضاء عليها ([3]) . 

2 ـ كما هي في تصريحات بعض أبنــأئها :

بعض أبنـاء الحركات الإسلامية يعلنون صباح مساء أنهم يريدون إقامة الدولة المسلمة ، وأن هذه الدولة التي سيقيمونها ستطبق الشريعة الإسلامية ،  فتقتل القاتل ، وترجم الزاني المحصن ، وتقطع يـد السارق ، وكثير من الدعاة المسلمين تجد هذا الهدف راسخاً وجاهزاً في تصوره ، يصرح به للجميع . ولايتذكرون أن تطبيق الشريعة الإسلامية يحقق العدل والمساواة بين المواطنين كلهم ، ويرفع الظلم عنهم ، لذلك تقل الجريمة عندئذ .

 ونجد كثيراً من أبناء الحركة الإسلامية يسارعون إلى القول : تريد الحركة الإسلامية إقامة  الحكم الإسلامي .

وفي أيامنا نرى أبناءً قتلوا آباءهم من أجل الحكم ، ورأينا ماجري بين حافظ ورفعت الأسد ، حيث حاول حافظ نقل ( ملكيتة لسوريا) إلى ولده باسل ثم بشار بعد أن مات باسل . وقصة الأمين والمأمون غير خافية على أحد ، ومافعله السلاطين العثمانيون بأخوانهم من أجل الحكم ، ومن البدهي أن كل حاكم تشبث بكرسي الحكم ماعدا الخلفاء الراشدين ومن سار على نهجهم رضوان الله عليهم . ويجب أن يعرف الناس أن الحركة الإسلامية لاتريد الحكم لذاته ، وإنما تريد أن يطبق الإسلام على المسلمين ، وعندما يتقدم غيرهم ليطبق الإسلام فهم جنود له ([4]).

 وحسب معرفتي أكثر أبناء الحركة الإسلامية لايعرفون مايريدون !! سـوى الهدف الاستراتيجي وهو طاعة الله عزوجل ، أو الهدف المرحلي البعيد وهو إقامة الدولة المسلمة ، وفي أحيان كثيرة تجد عندهم أهدافاً مرحلية كثيرة ، فمنهم من يريد تصفية العقيدة مما شابها من البدع ، ومنهم من يريد صقل نفوس المسلمين وتطهير قلوبهم وملئها بمحبة رسول الله r ، ومنهم من يريد إزالة الطواغيت بقوة السلاح ، وهكذا تتعدد الأهداف وتهدر الطاقات. وقد قادهم عدم وضوح الهدف إلى الصدام المسلح مع أنظمة الحكم ، فما هو الهدف المرحلي الواضح والمحدد الذي قامت من أجله الطليعة المقاتلة في سـوريا بالصدام المسلح مع حافظ الأسد وأسـرته الحاكمة ؟ مما عاد بالويلات على المسلمين في سـوريا ، لاشك أن كثيراً من شباب الطليعة ـ يرحمهم الله ـ كان هدفهم الفوز بالجنة ، ولكن هل هذا هو الهدف المرحلي الذي تعمل من أجله الحركة الإسلامية !؟ وهل فوزهم بالجنة على حسـاب قهر المسلمين في سـوريا وسجن عشرات الألوف وتشريد مئات الألوف منهم !!؟  وقل مثل ذلك لمايجري حالياً في الجزائر ، ما الهدف من قتل الأطفال والنسـاء والشيوخ ، بل ماالهدف من قتل رجال الشرطة وبعض العلماء والدعاة !!؟ والجواب عندي واضح تماماً وهو أنه لايوجد هدف واضح محدد متفق عليه في الحركة الإسلامية ، ولو كان موجوداً ماجرى مثل ذلك في سوريا والجزائر وغيرهما .

3 ـ هـدف الحركة الإسلامية كما يريده الإسلام :

  للحركة الإسلامية ـ كما سبق ـ هدف استراتيجي وهو طاعة الله ورسوله . وأهداف مرحلية بعيدة منها تطبيق الإسلام في حياة الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة ، مع العلم أن هذا الهدف المرحلي البعيد ( الدولة المسلمة ) يصبح هدفاً استرتيجياً ـ اليوم ـ لأن تحقيقه شـاق جداً ولابد من أهداف مرحلية تسبقه اعتدنا أن نسميها تربية الفرد المسلم وتكوين الأسرة المسلمة وإقامة المجتمع المسلم . ويبدو لي أن الحركة الإسلامية قطعت شـوطاً بعيداً في تربية الفرد المسلم وتكوين الأسرة المسلمة ، ثم وقفت عاجزة ـ حتى الآن ـ عن إقامة المجتمع المسلم  ، وفي كثير من البلدان يحاول أبناء الحركة الإسلامية القفز فوق هذه المرحلة ليقيموا الدولة المسلمة قبل أن يقيموا المجتمع المسلم ، متأثرين برأي التحريريين الذين يرون ذلك ، ولايصح هذا برأيي وهو غير منطقي ومخالف لمنهج الإمام البنا يرحمه الله . فما هو الهدف المرحلي الحالي الذي يساعدنا على إقامة المجتع المسلم ؟( والمجتمع عبارة عن مؤسسات تربوية وصحية وثقافية وإعلامية وسياسية وروحية ...) .

4 ـ الحركة الإسلامية كحزب سياسي علني معترف به رسمياً :

يرى بعض أبناء الحركة الإسلامية المهتمين بها أن تعلن الحركة الإسلامية عن هدفها للعدو والصديق ، من خلال كتاب يوزع بكميات كبـيرة في قـارات العــالم كلـها ، وأن ترســخ هذا الهـدف الـمرحـلـي ( التكتيكي ) لدى أبنائها ،  بأن تكون حزباً سياسياً معترفاً به من الحكومة ، وأن يصرح لها بممارسة كافة حقوق الحزب من صحافة ووسائل إعلام كالإذاعة والتلفزة ، وأن تقيم أنشطتها التربوية والثقافية والاقتصادية ، كما تقيم مؤسساتها السياسية كالمكاتب والمجالس والمؤتمرات بصورة علنية .

ومن خلال إعلان هذا الهدف تتحقق المكاسب التالية :

1 ـ يضبط أبناء الحركة نشاطهم ضمن هذا الهدف ، فتتوحد الجهود وتصب في هدف مرحلي يمكن قياسه بعد فترة وجيزة ؛ لمعرفة مدى ماتحقق منه ؛ وصحة مسار الحزب نحو ذلك الهدف . ومن طبيعة الحزب أن يثقف أبناءه ويبحث عن أنصار ليضمهم إلى صفه ، ويربيهم تربية إسلامية من خلال المخيمات والمعسكرات وسائر الأنشطة الإسلامية  ، كما يسعى إلى الانتشار في صفوف عامة الشعب ، وهذا مانسميه نحن الإسلاميون ( الدعوة الإسلامية ) .

2 ـ من مزايا العمل العلني أن عدوك يعرف ماذا تفعل ، وبالنسبة لنا ـ المسلمين ـ يجب أن لا يضيرنا أن يعرف عدونا أننا نربي أنفسنا وأبناءنا على الإسلام ، ويجب أن نمارس هذه التربية بشكل علني حسب مايسمح به نظام الأحزاب ([5]) . وعندئذ لايستطيع أن يلحق بك التهم التي اعتاد أعداؤنا إلصاقها بنا ([6]).

3 ـ نجبر الغـرب ـ وهو الذي يطرح شعار التعددية السياسية ـ على مهادنة الحركة الإسلامية ، وذلك عندما يغيب عن تصوره إقامة الحكم الإسلامي وقطع الأيدي ونصب المشانق لأتباعه وتلاميذه في بلادنا .

4 ـ الحزب السياسي العلني مرحلة ضرورية لتدريب الإطارات الإسلامية على الإدارة والتوجيه والإعلام ، ومواكبة العصر في تقنياته . كما يدرب أبناء الحركة على العمل الجماعي وعمل المؤسسات ، ويضعف أثر الفردية ومراكز القوى التي تنشط في العمل السـري أكثر من العلني . والحزب السياسي مرحلة متقدمة من التشكيلات الاجتماعية بعيداً عن القبيلة والطائفة والطبقة ([7]). يقول الأســتاذ راشــد الغنوشـي في كتابه (حركة الاتجاه الإسلامي في تونس ) : إذا تحقق لنا نظام يعترف بالحريات ؛ فينبغي على الحركة الإسلامية أن تمارس حقها كطرف سياسي معترفة بغيرها ، فتخوض المعارك الانتخابية ، وتحصل على موضع قدم في البرلمان ومؤسسات المجتمع ، وتشارك في الحكم ولو جزئياً لتدريب أفرادها على إدارة المؤسسات وعلى قيادة الجماهير وتوعيتها بأهداف الحركة الإسلامية . ص 22.) .

5 ـ الحزب السياسي العلني وسيلة ممتازة للدعوة الإسلامية . له من الإمكانات الموازية للعصر مثل الصحافة والإذاعة والتلفزة ...إلخ . ويتبنى الحزب بشكل علني قضايا الأمة ( مثل فلسطين ) وقضايا الشعب ( مثل محاربة الفقر ) وينشر الدعوة الإسلامية في كافة طبقات الشعب وفئاته . كما يبث التربية السياسية في الشعب فيرسخ مفهوم الإسلام دين ودولة وصالح لكل زمان ومكان وأن إقامة الدولة المسلمة من الواجبات العينية على المسلمين حالياً . لأن فروض الكفاية تبقى فروض عين على الأمة حتى يقوم بها البعض ؛ فتسقط عن الآخرين ، ومن الملاحظ أن إخواننا في الجزائر بدأوا العمل بعدنا ( في بداية السبعينات ) وسبقونا عندما استفادوا من بعض تجاربنا ، وسارعوا إلى تكوين أحزاب إسلامية مثل حركة مجتمع السلم ، وحركة النهضة  ، وحركة الإصلاح الوطني ، وقد سـألت الأخ الشيخ عبد الله جاب الله أمير حركة النهضة ( سابقاً ) ذات يوم ـ دون أية مقدمات ـ قلت له : ماذا تريد حركة النهضة الإسلامية في الجزائر ؟ فقال بدون انتظار : نريد أن نكون حزباً سياسياً معترفاً بنا من قبل الدولة ، ولنا قبول عند الشـعب . 

ونسأل الله العلي القدير أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ، وأن يوفقنا إالى مايرضي ربنا عزوجل فننال رضاه في الآخرة ، يوم لاينفع مال ولابنون ولاحزب ولاعشيرة إلامن آتى الله بقلب سليم . والحمد لله رب العالمين .

              

المــــراجــــع

1 ـ راشد الغنوشي ، حركة الاتجاه الإسلامي في تونس ، دار القلم بالكويت ، ط1 ، 1989 .

2 ـ   سـعيد حـوى ، المدخل إلى جماعة الإخوان المسلمين ، ط2 ، عمان .

3 ـ مركز تطبيق الشريعة الإسلامية ، إسلام آباد ، ترشيد العمل الإسلامي.

4 ـ محمود شـاكر ، التاريخ الإسلامي ، 22 مجلداً ، المكتب الإسلامي ،ط3، 1991م .

5 ـ موسى زيد الكيلاني ، الحركات الإسلامية في الأردن ، دار البشير ، ط1 ، 1990م.

6ـ يوسـف القرضاوي ، أولويات الحركة الإسلامية ، الرسالة ، ط13 ، 1992 م.

الهوامش:

* كاتب سوري في المنفى

([1]) ـ يوسف القرضاوي ، أولويات الحركة الإسلامية ، ص 13 .

([2])وقد وردت هذه المعاني في النظام الأســاســي لجماعة الأخوان المسلمين في ســوريا ( غاية الجماعة عبادة الله تعالى وابتغاء رضوانه ، وهدفها : استئناف الحياة الإسلامية ، ببناء الفرد المسلم والبيت المسلم والمجتمع المسلم والدولة المسلمة ) .

([3] ) يقول موسى زيد الكيلاني في كتابه الحركات الإسلامية في الأردن : ( بلغ عدد الكتب التي تناولت الحركات الأصولية في العالم العربي والتي صدرت باللغة الإنجليزية حتى عام (1979) (732)كتاباً ، منها عن الأردن وفلسطين فقط حوالي (72 )كتاباً . ص 4 )   .

([4]) يقول الشــيخ سعيد حوى ـ يرحمه الله ـ : فالإخوان المســلمون لايطلبون الحكم لأنفسهم ، فإن وجدوا في الأمة من يستعد لحمل هذا العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني ؛ فهم جنـوده وأنصاره وأعوانه ... انظـر الـمدخل إلى دعـــوة الإخوان المسلمين ، ص 240 ، ط2 ، عمان .

([5]) ـ يقول موسى زيد الكيلاني : تم الاتراف رسمياً بالإخوان المسلمين كتنظيم قانوني على خلاف معظم الأحزاب السياسية لآنهم عملوا علانية ،ص 28.

([6]) ـ استطاع جمال عبد الناصر إقناع الكثير من المصريين أن التنظيم السري للإخوان المسلمين الذي قاده سيد قطب ـ يرحمه الله ـ في منتصف الستينات ، أراد أن يفجر السـد العالي والقناطر الخيرية وأن يغتال رئيس الجمهورية و السيدة أم كلثوم . وفي الجهة المقابلة لم يستطع أعداء الحركة الإسلامية إلصاق تهمة الإرهاب ـ على الرغم من المجازر الفظيعة والبشــعة التي تقع في الجــزائــر من قتل الأطفال والنســـاء ـ لم يسـتـطيعوا إلصاق هذه التهم بحركة المجتمع الإسلامي أو حركة النهضة الإسلامية في الجزائر لأنهما حزبان سياسيان مصرح لهما ويعملان بشكل علني حسب ما سمح به الدستور ، ودليل ذلك أن حركة المجتمع الإسلامي حصلت على سبعين مقعداً في مجلس الشعب ، كما حصلت النهضة على أربعة وثلاثين ، أي حصلت الحركة الإسلامية على مايزيد عن ثلث المقاعد في مجلس الشعب على الرغم من التزوير الذي قامت به الحكومة ليحصل حزبها التجمع الديموقرطي على الأغلبية . وقل مثل ذلك بالنسبة لحزب الرفاه في تركيا والحركة الإسلامية في الأردن والباكستان وماليزيا وغيرها .

([7]) انظر ترشيد العمل الإسلامي ، ص 67 ـ 68 ، الذي أصدره مركز تطبيق الشريعة الإسلامية في إسلام آباد .