ثلاثية الثورة السورية

د. عامر البوسلامة

[email protected]

1- قامت الثورة في سورية، بدوافع نبيلة، ولأسباب موضوعية، ولعل في مقدمة هذه الأسباب، ذلك الظلم المريع، بكل شعبه، وسائر تفاصيله، الذي مارسه نظام الجريمة والبغي والعدوان، الذي تسلط على رقاب أبناء هذا الشعب الأبي، زهاء خمسة عقود، أحرق – خلالها – الأخضر واليابس، وسام الشعب سوء العذاب، ولقي منه العباد والبلاد، صنوف الأذى، واستشرى الباطل وانتفش، وتطاول البغي وانتشر ( والظلم ظلمات ).

فكان لا بد من القيام بالواجب، في التصدي لإجرام هذا النظام، بعد صبر وتحمل، لينهض الشعب السوري يبحث عن الإصلاح، ويطالب بالتغيير، بلغة سلمية، مليئة بالحضارة، والتعاطي الراقي مع قضايا من هذا النوع، فلم يحملوا سلاحاً، ولا كسروا زجاجاً، ولا قلعوا شجرة، ولا خربوا شيئاً، ولا أفسدوا مفردة من مفردات حياة الناس، ولم يؤذوا أحداً، فضلاً عن أن يريقوا قطرة دم إنسان، بله حيوان.

خرجوا إلى الشوارع، بعد ما تبين لهم أن السكوت وبلع المرارات، لا تزيد هذا النظام إلاّ إجراماً وفجوراً، وهذا هو الذي حدث فعلاً عبر عقود متطاولة، من سلبطة هذا النظام الفاجر، على البلاد، فلم يشبع من دم السوريين – على كثرة ما شرب منه – ولم يكتف بالمنفردات والزنازين، ونهب الثروة، ومصادرة الحقوق والحريات، وممارسة الطغيان والدكتاتورية، ليكون له في كل عقد موديلات جديدة من إرهاب الدولة ونشر الفساد، واستحداث منظومات لا أخلاقية، في قمع هذا الشعب، والعدوان عليه.

2- كانت ردة فعل النظام لهذا الحراك، الحديد والنار، والقتل والدمار، القتل الفردي والجماعي، والمجازر البشعة، والتخريب والحرق، للبيوت والمتاجر والمزارع، ولم يسلم حتى الحيوان من جرائمه. فصار واجب مكافحة هذا النظام مضاعفاً، إذ اضطر الشعب، لحمل السلاح ليحمي حراكه، حتى يسقط هذا النظام، الذي بات وجوده يهدد سورية وبعض بلاد العرب.

3- كانت المظاهرات تخرج من المساجد، والشعارات الإسلامية المتوازنة تهز الضمائر، وربما رددها بعض غير المسلمين، والناس على بركة الله ماضون ومتوافقون، يدرون أين دربهم، وما طريقهم، من غير تعقيد، ولا كثرة فلسفة، ولو كتب ميثاقهم الفكري، لما تجاوز صفحة، ومطالبهم ربما لا تكون أكثر من كليمات، لكنها بينات واضحات.

ويمكن تلخيصها بثلاث كلمات:

أ – المطالبة بالعدل، ورفع الظلم: ويا له من مطلب جامع مانع، كيف لا ! والعدل شامل لكل خير، وناظم لكل معنى من معاني المعروف، فلو تحقق العدل، لتحولت الحياة، إلى واحة غناء، وجنة فيحاء، وعالم فاضل.

1ومن لوازم تحقق العدل، رفع الظلم، هذه الكلمة الجامعة لكل سوء، والطافحة بمعاني الشر، بل لا يوجد إجرام، إلاّ ووراءه ظلم.

ب – حرية : بمفهومها المعهود في فقه السياسة الشرعية.

ج – حقوق : والإسلام حامي حقوق الإنسان ورافع لوائها بالحق.

جاء في الإعلان العالمي الإسلامي لحقوق الإنسان، في المادة الحادية عشرة: ( - يولد المولود حراً، وليس لأحد أن يستعبده، أو يذله، أو يقهره، أو يستغله، ولا عبودية لغير الله تعالى.

-  الاستعمار بشتى أنواعه، باعتباره من أسوأ أنواع الاستعباد، محرم تحريماً مؤكداً، وللشعوب التي تعانيه، الحق الكامل للتحرر منه، وفي تقرير المصير، وعلى جميع الدول والشعوب، واجب النصرة لها، في كفاحها لتصفية ل أشكال الاستعمار أو الاحتلال، ولجميع الشعوب الحق في الاحتفاظ بشخصيتها المستقلة، والسيطرة على ثرواتها ومواردها الطبيعية).

والشعب السوري اليوم يواجه، قوى ظلامية طائفية حاقدة، اتسمت بالشر، وتحالفت مع الشيطان، لتكون له إماماً. 

وهذه القوى ترتكب أبشع الجرائم بحق أبناء الشعب السوري، فلا نامت أعين الجبناء.

4- والثورة ثورة عامة، ثورة شعب، وليست ثورة حزب ولا فئة ولا جماعة ولا حركة بعينها، وهذا من فضل الله، أن تكون كذلك، ويكون هذا وصفها، لمن له تجربة، أو نظر إلى الأمور بعين باصرة، وفهم عميق، ونظر دقيق، بعيداً عن ( الأدلجات ) الخاصة، والمناهج المعتمدة داخل حركة أو حزب أو تجمع، ففقه الجماعة، غير فقه الفرد، وفقه المجتمع غير فقه المجموعة، وفقه الدولة مختلف عن فقه فئة من الناس، وهكذا، حتى نخرج من الدرب المحدودة، إلى الأرض الواسعة، التي إن استنبتت بشكل صحيح، يكون منها الخير الكثير، في إطار مشروع، كمشروع هذه الثورة المباركة، مع احترامنا لكل الرؤى، والاجتهادات كافة، ولكن الذي ينبغي أن نسير عليه، في ضوء القواسم المشتركة العامة، هو أن نلتف حول هذا المفهوم الدقيق، في هذه المرحلة الدقيقة، حتى يكتب للثورة النجاح، ثم تتاح الفرصة، لكل ألوان الطيف الفكري والسياسي والبرامجي والأيدلوجي، أن تسوق برامجها، وتنشر فكرها، كل ذلك ضمن ثوابت الأمة، وضوابط التعامل مع هكذا حالة، والمهم يجب أن تكون كل القوى، تعمل في حدود القواسم المشتركة، حتى يسقط هذا النظام، فإن لم نفعل هذا، فعلى الدنيا السلام.

5- ولكم كنت مسروراً، عندما أعلنت مجموعة من فصائل الداخل ميثاقاً، تحت عنوان ( ميثاق الشرف الثوري )، الذي قال عنته أحد صناعه من القادة: هذا الميثاق يهدف إلى إسقاط النظام.