صديقتي

عبد الواحد محمد

[email protected]

في رحابها كان لي موعد معها كعادتي كل صيف أتنسم هواءها واغوص في دروبها واستنشق عبق تاريخها وأنا القادم إليها من مدينة شجرة الدر لتجذبني الذكريات تلو الذكريات معلقا بين حلم وواقع الأسكندر الأكبر وحاميها المخلص محمد كريم لتطأ قدمي أرضها وتلامس يدي جسدها الرشيق مفتونا بشخصيتها الساحرة بلا تنجيم وأكاذيب

 ( الأسكندرية ) صديقتي المخلصة الآبية ؟ولم لا وهي قلعة فتية دائما بفضل الروح المبدعة التي غيرت من عقارب الساعة كثيرا وأنت في قلبها النابض بكل معني حياتي ينم عن فلسفتها العميقة في الحفاظ علي هويتها من الذوبان ؟ فكانت صديقتي الاسكندرية جسدا وعقلا وعاطفة من نوع خاص وأتا اسير بخطي رشيقة علي كورنيشها الممتد من الأنفوشي حتي المنتزه أجول ببصري يمينا ويسارا فتنفح بلغة سلام دائم بين أبنائها وترحابا وكرما وأخوة تؤكد حقيقتها المبدعة لكل من قدم إليها وعاش بين أهلها

هنا جاءها الكثيرون من الرحالة والفنانين والباحثين عن الشفاء والثراء الأدبي بلاحدود هكذا يحمل كورنيشها لغة تفيض بالمعاني التي تشجيك وتعمق فيك أصالة روح من كوكب ذهبي ؟

نعم كان لي موعد مع عالمها بلغة أديب جاء إليها ليحمل للعالم رسالتها بكل شفافية وهي ترتدي ثوب عروس بهيج بورودها .. ونظافتها .. ومكتبتها العملاقة التي ربطت الشرق بالغرب في وحدة تاريخ لايعرف فراقا ؟كما فتنتني صديقتي ( الأسكندرية ) بلباس البحر الذي يحمل خيرا وفيرا وأنا اري صياديها يرمون الشبك لكي يوعدون بالرزق الوفير لكل زائر لها بطيب خاطر ينم عن روح أخري فيها عقارب الساعة لاتتوقف فمن متعتي الشخصية رصد عالم الصيادين لذا أجدني ذاهب إلي الورديان لتناول الشاي مع شبخ الصيادين هناك الحاج (ويشي) الذي نيف علي الثمانين ومازال شابا بفضل هوائها العليل وأسماكها الشهية هكذا حدثني عن بعض من ذكرياته مع قصة قدومه من صعيد مصر إلي هنا وهو يحلم بها كأنها النجاة والقدر فكان أول قطار أستقله في حياته وهو لم يتجاوز الخامسة عشرة إلي الاسكتدرية قادما من أسوان ( من التاريخ إلي التاريخ ) ؟ فقد حلم بها وحلمت به لذا تقابلا معا دون موعد لتصبح قرية الصيادين في الورديان عالمه الذي لم يغادره والذي أنجب من الذكور عشرة أبناء مع شريكة العمر الحاجة (سمسمة ) والتي مازالت تتمتع بصحة جيدة وتقول من بختي أنني تزوجت هذا الرجل تقصد الحاج ( ويشي ) والذي ذهبت معه للحج في صدر شبابهما

نعم روعه الحياة تكمن هنا في الورديان وأنت تري إبداعا حقيفيا لايعرف زيفا حتي للشاي مذاق خاص لم أجد له طعم سوي في هذا المكان فأصبح من عاداتي المألوفة الحرص علي زيارته ولقاء الحاج ويشي !مرتين علي أقل تقدير في العام ومن قرية الصيادين أتوجه إلي محطة الرمل لكي يكون لي موعد مع مبدعها الروائي منير عتيبة أحد أهم ملامحها الشابة والذي لا تفارق الأبتسامة وجهه القنديلي بالأحضان كأنه مبعوث دبلوماسي في حواره المهذب جدا لتكون للأسكندرية وجه آخر في صحبته ونحن نتجول بين دروبها العتيقة ..

كوم الدكة حيث ولد سيد درويش وعرفه العالم من هنا بنبوغه الموسيقي المبكر ثم تداعبك نسمات الهواء النقي أينما وجدت لنتجه إلي متحفها الروماني والقريب من حي كوم الدكة نلقي نظرة عليه وكأن التاريخ لم يعرف غير الأسكندرية ثم نتحاور بالشعر ونستحضر شخصيات عاشت هنا مثل بيرم التونسي .. وجاءت سيرته ونحن نقترب من شارع فرنسا العتيق والذي تحول إلي كرنفال تجاري بزنقاته التي تشبه زنقة الستات في حي المنشية

تاريخ يحمل إليك روح المجاهد الكبير محمد كريم نعم هنا كان الأدب والشعر والتاريخ يسكن في قلوبنا وعقولنا لأستحضر بذاكرتي فصولا من المجموعة القصصية ( كسر الحزن ) للروائي والقاص منيرعتيبة ونحن نتجاذب أطراف الحديث حول عالم ممتد ولايعرف نهاية ؟لاتعب تشعر به هنا فطاقتك لاتنفذ وكأن دروب الأسكندرية العتيقة تلعب دور الطبيب في شفاء كل العلل ؟ حتي للطعام الشهي الذي يحرص علي تناوله معي الصديق الروائي منير عتيبة في مطعم محمد احمد بمحطة الرمل وعلي المنضددة المفضلة والتي كانت الملاذ للكاتب الكبير الأستاذ خالد محمد خالد رحمه الله هكذا كان يذكرني الصديق منير عتيبة بروح هذا المكان الذي كان له أكبر الأثر في تشكيل روح المبدع لديه وهو يصر في كل مرة علي دفع الحساب ؟وحقا للمكان عبقرية وللأسكندرية عبقريات تكمن في روح فتية دائما فهنا تخرج اشعار الزميل أحمد فضل شبلول أبن الأسكندرية والكثير من إبداعاته المتميزة وهنا سكن وعاش الروائي الكبير الدكتور السيد نجم أمين سر اتحاد كتاب الانترنت العرب كما ولد فيها الكثير من المبدعين العرب والأوربيين الذين حملوا جنسيتها وفتنوا بها رغم الرحيل ؟متعة تجدد المعني وأنت تمر بشارع النبي دانيال ... الذي يشبه سور الأزبكية في القاهرة ولايعرف نوما كأن الحياة لاتعترف بتوقف عقارب الساعة والصديق منير عتيبة يصر بكرمه علي تناولنا المشروبات الطبيعية الشهية ( الخروب ) الذي لم أجد له طعم آخر في مدينة مصرية أوعربية زرتها في سفرياتي الكثيرة ربما كان الخروب اسكندراني وأنا لا أعلم ففي صنعته سر لم يهتد له غير الأسكندراني حفيد محمد كريم ؟والحديث لاينقطع في مودة عاشق لها كما كان يأتيها في مثل هذا العام صيفا حرافيش الأدب .. نجيب محفوظ .. توفيق الحكيم .. ثروت عكاشة . ثروت أباظة .. أحمد مظهر .. سعد الدين وهبة ومن قبل طه حسين .. العقاد .. مي زيادة .. أحمد لطفي السيد عالم وعالم وللإبداع السكندري حكاية وألف حكاية من خلال مقاهيها المنتشرة علي كورتيشها الذي لا نظير له في عالمنا الكبير ربما كان صوت آذان الفجر كاشفا عن روعة نهار وفتاة ترتدي الملاية اللف .