رفقًا بقلبِ غزة أيها المهاجر..!!!
هنادي نصر الله
لكَ الأجرْ أنكَ ابنها.. لك الفخرْ أنكَ منها..يا ابن بلدي يا أيها الرائع.. أعلم أنكَ شبعتَ وتشبعتَ مثلي ألمًا ومواجع بعد أن أدمنتَ متابعة تفاصيل كل خبرِ فاجع طيلة واحدٍ وخمسين يومًا من العدوان الإسرائيلي الغاشم..!
أعلمْ أنك تألمتْ من هدم المنازل فوق رؤوس ساكنيها، ومَنْ لم يتألم يا أيها الإنسان؟؟ يا من تُفكر في حمل أثقالكَ وهمومكَ وتُسافر؟ هلا فكرتَ في قلبها وقد احترقَ شوقًا عليكَ قبل أن تُسافر..؟؟!!
غزة الحبيبة " حانية" على أبنائها.. وإن قستْ عليهم؛ فليستْ قسوتها بإرادتها؛ قلبها ليس قاسٍ، هل يقسو قلبَ أمكَ أيها المسافر؟؟ كلا هي الضغوطُ التي أوجعته وأوجعتني وأوجعتْ كل إنسانٍ عليها..
" حبيبي" لا تُسافر.. ـ قالتها زوجتك ـ .. أهون علي أن أودعك شهيد، أن أحضنك قبل الرحيل، أن أضمك قبل أن يضمك القبر، من أن أتلقى موتك غرقًا؛ فلا نودعك ولا ندفنك، ولا نزورك حينما نشتاق إلى رائحتك وذكرياتك..!!
أهونُ علي. حبيبي .. ـ تقول أمكَ ـ أن أعانقكَ بدمائك؛ وأزغردُ ودعتُه " شهيدًا" على أن أودعك غريقًا غريبًا عني يا ضناي..
أيها المسافر.. يا وردةً سعتْ لأن تُحافظ على إشراقها؛ بالبعد عن حصار غزة؛ فلجأتْ إلى الهجرةِ عبر البحار..!
أيها المسافر.. أن تذبل بعض الوقتِ في غزة؛ أفضل من أن تلفظ أنفاسك إلى الأبد..فمع الصبرِ والإيمان تتحسنُ أحوالك، وتعودُ إلى الإشراق من جديد..
أتسافرُ عن غزة.. أراها مثلك غاضبةً، لو بيدها أن ترسم بسمتك، لو بيدها أن تُعيد إليك الحياة، لو بيدها أن تفعل كل ما يُرضيك..لو بيدها لفرشتْ أرضها المحاصرة ورودًا لتمشي عليها.. لو بيدها لفرشتْ أرضها حريرًا بدلاً من ذلك الدمار الذي يلفها..
اصبرْ لأجلها. فقد أحبتْك.. واختالتْ بفخرٍ عندما دافعتَ عنها بشرفٍ وبعزةٍ واستبسلتْ وأنتَ تقول لبني صهيون.. لن تمروا فوق أرضي.. لن تمروا إلا على جسدي.. لن تمروا..!!
كيف يهونُ عليك أن تنساها..وتنسى أنها قطعة من روحك؟؟ أيعجبكَ بعد ذلك طريقة موتكَ بعيدًا عن أحضانها.. آلا تذكر معي" بلادي وإن جارتْ علي عزيزةٌ وأهلي وإن بخلوا علي كرام"؟؟
أيها المسافر.. لا يشدُك السفر.. أيها المسافر.. لا تُغريك بلجيكا وإيطاليا والسويد وغيرهم.. لن تساوي مادياتهم نسمة هواءٍ غزاوية.. هلا تمعنتَ معنى حديثي وأنا مثلك أحبُ مغامرةَ السفر..
لكن اللجوء إلى الهجرةِ أمقته.. فغزة جميلة.. وإن أتعبتْ قلبي، وأرغمتني مرارًا على السفر..
لن يكون إلا حلاً مؤقتًا.. وأشبه بمسكن لألمٍ لن ينتهي.. إلا بالعودةِ إلى حضن الوطن..
يا عزيزي.. يا من سافرتْ.. أشعرُ بك وقد شعرتَ بروحك تُغادر جسدك حينما غادرتَ أرض الوطن.. وغادرتْ إلى غير رجعة حينما غرقتَ في عُرض البحر..
كلي أمل.. آلا تُسافر.. إلا وقد قررتَ بالعودة.. فالبعد عن الوطن خيارٌ مؤلمٌ لن تشعرَ بألمه إلا عندما تعيشَ مرارةَ السفر..
ردد معي قول محمود درويش.. حينما قال" يا صخرةً صلى عليها والدي لتصون ثائر.. أنا لن أبيعك باللآلئ أنا لن أسافر.. لن أسافر.. لن أسافر..أبعد ذلك تُلملم أشلائك وتُهاجر؟؟ رفقًا بغزة لو بيدها.. لأعطتك كل شيءٍ إلا أن تُسافر..اقهر أعدائك وابقَ فيها رابط ولا تُهاجر..