أيها المهاجر.. غزة أميرة..!!
هنادي نصر الله
تُشدني غزة، وقد أغراني أنينها على البقاء، بعدما استفزني على الهجرة..
حبيبتي غزة، إذ بها تُجسد معي أروع صورَ العشقِ؛ وتناقضاته، تحنو علي وتقسو، يُحبني بحرها ويُشعرني أنه ساحر من كثرةِ جماله؛ ثم يُشعرني بأنه مقهورٌ غضبانٌ فيثيرُ أشجاني؛ وتفيضُ أحزاني..
من لا يعرفُ حب غزة، ومن لا يشعرُ به يبقى يتيمًا بلا حبيبٍ يروي ظمأ اشتياقه لحنانٍ دافئ؛ دفءُ غزة لا يُفسدها حرَ صيفها الحارق؛ ولا برد شتائها القارص، دفءُ غزة انتماءٌ يهزُ العواطف؛ يُفجرُ في القلب انتفاضة المشاعر؛ بحيثُ يؤنبه إن ما فكرَ يومًا خدش إحساسها بغدرها عبر هجرةٍ طارئة..
مؤلمةٌ غزة بتفاصيلها الحالية، مؤلمةٌ حد الموت؛ ألمها مع ذلك جميل؛ يشدنا نحو الأدبِ المفعم بحبٍ عارم؛ فلولا المعاناة لما كان الشاعر ولما كان المقاوم ولا الأديب بسحرِ كلامه الرائع..
بها. يكونُ الحب.. ومعها كل الدفء.ولولاها لمات الإنسان غرقًا وهو يبحث عن الحنان.. فالحنانُ موجودٌ في كل مظاهرها وإن كان ظاهرها يُوحي بسوءِ الأحوال..
مخطئٌ من يبحثُ عن الحنان بالنظرِ إلى الظاهر؛ فالظاهر لا يُعبر دومًا عن الجوهر، وغزة جوهرة لا يُدرك قيمتها إلا من أحسَ بمعنى وشرف الإنتماء لها؛ إحساسٌ يبقى معنويًا وأقوى من كل الماديات والظواهر الشكلية..
يذكرني حال من هجروها بمثلٍ شعبيٍ قالته جدتي يومًا" لا يعجبك زين ومليح غير تفتش ع قراره إثراه بير مطوي بليف ومسوسات حجاره"..!!
وهكذا مفهوم الهجرة؛ غلفوه للشباب على أنه الحل السحري لمشاكلهم؛ صوروا لهم البحار جنةً بحرية؛ والقارب نجاةً من جحيم الحصار والدمار، غرروا بهم؛ وقذفوهم إلى الموتِ ..!!
آلا يُدركون أن الموتَ الذي هربوا منه في غزة، ملاقيهم أينما ذهبوا؛ فعندما يدنو الأجل ويحين الرحيل، يأتي وتزهق الأرواح ..!
فالأفضل آلا يهرب الإنسان من قدره؛ وأن يسعى ليحسن أحواله في بيته وبلده، لأن المثل الشعبي أيضًا يقول" اللي بيطلع من داره؛ بيقل مقداره"..
فلا تقلل مقدارك أيها الإنسان تحت مبرر" تحسين أحوالك" أنظر إلى الغرقى والمفقودين.. هم لم يفقدوا فقط الحياة الكريمة.. بل أرواحهم، أحبابهم، أشياءهم.. رحلوا تاركين خلفهم أناسًا يحترقون في غيابهم..
فلا تكن سببًا في أوجاعِ أهلك وأحبابك.. لطفًا أيها المهاجر.. راجع مليون مرة قرارك.