دلالات الهلال والصليب
دلالات الهلال والصليب *
امحمد رحماني
الهلال
مقدمة :
ارتبط شكل الهلال بالمجتمع الإسلامي ارتباطا وثيقا ، حتى صار دلالة على دين الإسلام وشعاراً له ، يرفع فوق المنائر والقباب ، وزينة تزين بها الأغطية والأقمشة والثياب ، فكان من الجماليات الرئيسية في تزيين كسوة الكعبة أيام الخلافة العثمانية ، حيث كان غطاء الكعبة يزين بالديباج الأحمر المطرز باثني عشر هلال من الذهب داخل كل هلال أترجة ذهب مشبك ، وذلك لما يحمله الهلال من معاني لذى المسلمين من ارتباطه بشهر رمضان والإعلام بدخول أشهر الحرم وغيرها من الشهور ، فكان الهلال بذلك رمزا للحضارة الإسلامية ، قال الباحث جعفر السقاف : ( وكثرت أشكال الهلال الذي يعتبر رمزا للعمارة الإسلامية ) .
ويكاد يجمع علماء التاريخ على اختلافٍ في تاريخ ظهور هذا الشعار وارتباطه بالعالم الإسلامي وكيفية منشئه ومدى تحديد مدلولاته .
تعريف المصطلح :
هَلَّ :
هَلَّ هَلاًّ الهِلالُ : ظهر .
الشهر : ظهر هلاله .
المطر : اشتد انصبابه .
زيد : رفع صوته .
أَهَلَّ :
أَهَلَّ المحرم بالحج : لبَّى ورفع صوته .
الرجل : نظر إلى الهلال .
الذابح : سمى على الذبيحة .
اسْتَهَلَّ :
اسْتَهَلَّ الصبي : رفع صوته بالبكاء عند الولادة .
الشاعر قصيدته : افتتحها .
اسْتُهِلَّ السيف : استل .
الهلال :
مصدر هالَّ : غرة القمر أو لليلتين أو ثلاث أو سبع ، وعند علماء الهيئة :( ما يُرى من المضيئ من القمر أول ليلة )
جاء في القاموس : [ الهِلالُ : غُرّةُ القمر أو لليلتين أو إلى ثلاث أو إلى سبع ولليلتين من آخر الشهر ، ست وعشرين وسبع وعشرين وفي غير ذلك قمر ، والماء القليل ، والسنان ، والحية أو الذكر منها ، وسلخها ، والجمل المهزول ، وحديدة تضم بين حِنْوَي الرجل ، وذؤابة النعل ، والغبار ، وشيء يعرقب به الحمير ، وما استقوس من النؤي ، وسمة للإبل ، والغلام الجميل ، حي من هوزان ، وطرف الرحى إذا انكسر ، والحجارة المرصوفة ، والبياض يظهر في أصول الأظفار ، والدفعة من المطر ] فصل الهاء .
سبب التسمية :
أ - الظهور :
قيل سمي هلالا لظهوره ، والشيء إذا هلَّ ظهر .
ب - رفع الصوت :
قيل سمي هلال لأن الناس يرفعون أصواتهم حين رؤيته والإخبار عنه ، قاله أبو العباس ، رجل هلاّل : أي عالي الصوت. وفي الحديث :« أمرني جبريل برفع الصوت في الإهلال فإنه من شعار الحج » ( صحيح الجامع : 1384 ) .
ج - الدخول :
قيل سمي هلالا لدخول وقته ، ومنه : هلَّ الرجل البيت : دخل ، قال القرطبي [ ويقال أهللنا الهلال إذا دخلنا فيه ] التفسير 2/342 .
تاريخ الظهور :
- قيل ظهر في زمن رسول الله r كزينة في الرايات التي كان يعقدها لأصحابه ، جاء في الإصابة : [ سعد بن مالك بن الأقيصر بن مالك بن قريع بن ذهل بن الدئل بن مالك الأزدي أبو الكنود ، قال ابن يونس : وفد على النبي r وعقد له راية على قومه سوداء فيها هلال أبيض وشهد فتح مصر وله بها عقب ] ترجمة أبي الكنود .
وجاء في تاريخ ابن عساكر [ عن وحشي بن حرب أنه وفد على رسول الله r في اثنين وسبعين رجلا من الحبشة وأن النبي r قوده عليهم وعقد له راية صفراء ذراعيين في ذراعيين وفيها هلال أبيض وعذبتان سوداوان ] وذكره ابن الأثير في أسد الغابة ولم يذكر الهلال ، قال : [ روى وحشي بن إسحاق بن وحشي بن حرب بن وحشي عن أبيه عن جده وحشي بن حرب ، قال : قدم على رسول الله r اثنان وسبعون رجلا من الحبشة منهم ذو دجن فقال لهم « انتسبوا » فقال ذو مهدم أبياتا ترد في اسمه إن شاء الله ، وصحبوا كلهم النبي r وعدادهم في الحبشة ] .
· - قيل ظهر مع الفتوحات الإسلامية ، وذلك أن المسلمين لما فتحوا بلدان الغرب والإفرنج وجدوا على كنائسهم الصليب ، فأرادوا أن يجعلوا على منائر مساجدهم شيئا فجعلوا الهلال
· قيل ظهر مع إسلام التتار ، قال الرمزي في كتابه "تلفيق الأخبار وتلقيح الآثار في وقائع قزان وبلغار وملوك التتار" [ وقال ابن فضل الله العمري : وحدثني الفاضل شجاع الدين عبد الرحمن الخوارزمي الترجمان أن مدينة سراي بناها بركة خان على شط نهر إتل وهي أرض سبخة بغير سور ودار الملك بها قصر عظيم على عليائه هلال ذهب زنته قنطاران ]. قال المحقق إبراهيم شمس الدين [ فهذا صريح في أن اتخاذ الشكل الهلالي في علياء البيوت ورؤوس المنائير عادة باقية من قدماء التتار لا أنها مأخوذة من القياصرة كما زعم وقد قدمنا أنها باقية من أغوز خان وهو كذلك وقد أخطأ خطأ كبيرا وجنى جناية عظيمة من تقوّل بأخذها من العثامنة وأخذهم من القياصرة جزافا بغير علم ].
مدلولات المصطلح :
لا يكاد يختلف اثنان في أن لكل رمز دلالة ومعنى ، وبما أن الهلال اعتبر رمزا وشعرا للحضارة والعمارة الإسلامية ، فإنه قد اختلف في نوعية الدلالة التي يدل عليها على ثلاثة أقوال :
أ - دلالة على دخول رمضان : بحيث كان لا يرفع الهلال فوق المنائر إلا في شهر رمضان فإذا خرج رمضان أزيل الهلال .
ب - دلالة على أماكن العبادة والشفاء والتمريض والإسعاف :بحيث إذا قدم الغريب عرف دور العبادة فقصدها ودور الطب كالمستشفيات والصيدليات وإذا ما تمت الحروب والغارات والرمي بالمنجنيق اجتنبت الأماكن التي يرفع فيها الهلال الأحمر كدلالة على أنها مواقع غير حربية ، وكذلك الصليب ذا اللون الأحمر عند الغربيين(3).
ج - دلالة على السيف والقتل :وذلك أن حروب المسلمين لم تكن من أجل القتل فلم يبرعوا في الوسيلة فاتخذوا سيوفا قصيرة مستقيمة ، عكس التتار الذين اشربوا حب القتل
فبرعوا في وسيلته فجعلوا سيوفهم طويلة هلالية لشدة فتكها بجسد الإنسان ، فلما غزا التتار البلدان وانتشر ذكرهم وخرابهم جعلوا الهلال شعارا ورمزا لقوتهم وقتلهم وفتكهم وتدميرهم ، دلالة منهم على السيف المهلل الشديد الفتك ، حتى أن نساء التتار كن يصنعن هلالا من الذهب والفضة ويضعنه فوق أطواقهن ليعلمن أنهن نساء الشجعان والأمراء من التتار ولكي لا تصيبهن العين ، فلما أسلم التتار انتقل هذا الشعار بهذا المعنى للمسلمين فجعلوا الهلال على المنائر والقباب ، وركز هذا الأمر المستشرقون في كتاباتهم فكانوا يطلقون على الحروب الصليبية اسم "حروب الصليب والهلال" دلالة على أن الرجل صاحب الصليب ضعيف ومسكين ورحيم ومظلوم ولا يريد القتل ، عكس صاحب الهلال الرجل المحب للقتل والتذمير .
د – دلالة على الجواز وعدم الحرمة : وهو أن الأمة الإسلامية كما سبق رمزها الهلال وحين يعطى هذا الرمز لأي شيء محرم في الشريعة أو يكتسي الحرمة ، دليل على أن الشريعة لا ترى باسا في هذا الشيء المحرم الذي عليه الرمز .
صورة تؤكد حضور الصليب الأحمر خلال الحرب الروسية – اليابانية عام 1904
الصليب الأحمر
تعريف المصطلح :
الصليب الأحمر هو صليب ممتد الأذرع يتخذ لون أحمر ، يوضع في المحطات والمطارات والملاعب والمدارس والمعامل مشيرا بذلك إلى أماكن الإسعاف .
سبب التسمية :
سمي بذلك لاتخاذ الصليب اللون الأحمر من ضمن باقي الألوان ، ولانتشار هذا الرمز في المستشفيات عند الغربيين ، أما المسلمون فيتخذون شكل الهلال ، وبذلك يطلق عند الغربيين ب "الصليب الأحمر الفرنسي" مثلا ، وعند المسلمين ب "الهلال الأحمر المغربي" مثلا .
والسبب الرئيسي في كون اتخاذ رمز الصليب بشكل خاص هو أن جرحى حروب أروبا فيما بينها كانوا يعالجون في الكنائس باعتبارها مواقع غير حربية ، فاتُخذ الصليب إشارة إلى الكنيسة واللون الأحمر إشارة إلى دم الجرحى والقتلى .
تاريخ الظهور :
أ – الظهور المعنوي عام 1859 : ونعني بذلك عمله في ميدان الإسعاف قبل اتخاذ الصليب كشعار ، جاء في الموسوعة : [ بدأ تاريخ الصليب الأحمر بمغامرة وليس هذا من المدهش في شيء ، بما أن مؤسسه نفسه كان يحب المغامرة فعندما بلغ "هنري دونان" الواحدة والعشرين من عمره غادر جينيف مسقط رأسه ليجرب حظه بالجزائر وتونس ومن شمال إفريقيا توجه إلى إيطاليا ، حيث وجد نفسه وسط حالة حرب ، هناك اكتشف فجأة معنى فظاعات الحرب ، كانت معركة "سولفيرينو" قد وقعت عشية 24 يونيو 1859 وكان يتمدد في ميدان القتال 41000 جندي فرنسي ونمساوي بين قتيل وجريح ، حين وصل "دونان" إلى "كاستيليوني" وهي قرية صغيرة مجاورة لمكان المعركة يبلغ تعداد سكانها 3000 نسمة وجد بها 9000 جريح أغلبهم ملقون على الأرض كانوا في كل مكان ، مكدسين كما اتفق ، وبداخل الكنائس كـان الأحياء ممددين فـوق الموتـى
ولعلاج هذا الحشد الغفير لم يكن هناك سوى خمسة أطباء عسكرين وعدد أقل من الممرضين ، أي لا أحد تقريبا ، كان الإهمال شبه تام ، لقد عبر دونان لا حقا عن سخطه في كتاب ألفه بغضب عارم وعنونه ( ذكرى سولفيرنيو ) لكنه عندما كان أمام مخلفات المعركة تصرف بطريقة أخرى فشمر عن ساعديه وعكف طيلة خمسة أيام ، لم ينم خلالها تقريبا على علاج الجرحى برعونة مردها إلى عدم خبرته ، ولكن بكل ما لديه من عزم ، تلك كانت بداية الصليب الأحمر ومبادرته الأولى ، أما الباقي فتم بطريقة منطقية ](4).
ب – الظهور الفعلي للرمز عام 1863 : جاء في الموسوعة [ هكذا اجتمعت بجنيف عصبة صغيرة من خمسة أفراد بتحفيز من "دونان" وأطلقت على نفسها اسم "اللجنة الدولية لإسعاف الجرحى" محددة مهمتها في العمل بجميع بلدان العالم على إنشاء جمعيات خاصة لإسعاف جرحى الحرب وتم الإعلان عن الفكرة سنة 1863 ، تأسست أولى الجمعيات بأوروبا في بداية الأمر ، ثم سرعان ما انتشرت بباقي القارات ولتمييز العاملين بها اختارت رمز الصليب الأحمر ](5).
مدلولات المصطلح :
أ – دلالة على مراكز الإسعاف والتمريض : حيث نجده يشير إلى مراكز الإسعاف أو التمريض ويثبت كل من المسعف والممرضة شعاره المصغر ببذلتهما حيث يربط على الكتف . حتى تتجنب مثل هذه المواقع والأشخاص في الحروب .
ب – دلالة على المساعدة المجانية : ونكران الذات والتضحية من أجل مساعدة الآخرين إذ أغلب الناس العاملين بها متطوعين .
ج – دلالة على المرجعية النصرانية :
1 – 1/405-406
2 – الهامش 1/406
3 – موسوعة المعارف الحديثة 5/83 .
4 – موسوعة المعارف الحديثة 5/80 .
5 – موسوعة المعارف الحديثة 5/81 .
* - راجع كتابنا "اللموز في دلالات الرموز"