الصورة برستيج القناة التلفزيونية!!
هنادي نصر الله
يقولون بأن العين هي التي تأكل وليس الفم، وأنا أقول الصورة هي التي تشرح وليس الكلام!!.
قناعةٌ ترسخت في ذهني عندما بدأتُ عملي التلفزيوني؛ وأصبحت أتمعنُ في كل صورةٍ تلتقطها عدسات المصورين، سواء على شاشة القدس الفضائية التي أعمل بها، أو على شاشات الفضائيات الأخرى على اختلاف أنواعها وتوجهاتها..
أجزم أن المصور الناجح هو الذي يمتلك لمسات إبداعية وفنية؛ يستطيع من خلالها أن يُحول الصورة لقالبٍ فنيٍ؛ يشد انتباه المشاهد؛ ليتابع الخبر أو النشرة أو البرنامج بكل جاذبية وتشوق..
وأجزم أن المصور الذي يخرج إلى عمله وصدره منشرح؛ يسهُل عليه أن يأسر احترام الفريق المصاحب له وأن يكسب ثناءه وثقته؛ فبقوة صوره وتألقها ودقة إخراجها؛ يكون للمراسل الهمة في كتابة نص قوي؛ يقرأه بثقة وأمل وعطاء...
ليس التصوير مجرد عمل روتيني يُؤدى؛ إنه مرتبط بجمال الروح؛ فعلى قدرِ سعة صدر المصور وعلى قدر تحليه بالملكات الإبداعية على قدر ما يكون له السبق في التميز؛ فكثيرون التقطوا الصور؛ لكن قلة منهم الذين حازوا على جوائز عالمية؛ تمكنوا من خلالها خطف قلوب الملايين، ونيل إعجابهم بصورة واحدة؛ لكنها كانت معبرة؛ شخصت ملامح المعاناة والصمود والعذاب والألم والجراح، فاختصرت بتفاصيلها الدقيقة قضية شعب بأسره؛ ليستحق صاحبها التقدير والإحترام...
مخطئُ من يظن أن الكاميرا مجرد آله تتحرك هنا وهناك، أو كبسة زر لتسجل خبرًا هنا أو مؤتمرًا هناك، إنها برسيتج أي وسيلة إعلامية، وهي واجهتها إلى العالم، وعلى قدر اهتمام المؤسسة بتطوير الكادر البشري الذي وظفته ليرافق هذه الكاميرا، على قدر ما ستحظى بثقة واحترام من كادر المؤسسة نفسه أولا ثم من خارجه...
إن الصورة لها وقعها الخاص في النفس البشرية، فالصورة تتميز بواسطة الأحاسيس التي تخلفها والمعلومات التي تحملها والانفعالات التي تثيرها والرسائل التي توصلها والبنيات النفسية التي تقوم بتهييجها.
ولهذا نلاحظ أن هناك صور صادمة لأحاسيسنا ومشاعرنا، تستفزنا، تطبع في ذاكرتنا معاني معينة، وقد لا ننساها طوال حياتنا، والسبب إتقان التقاطها وقوة تعابير تفاصيلها بصورة مدهشة..
فلستُ مبالغة إن قلت بأن الصورة اليوم هي لغة عصرية، وهي ثقافة وفكرًا ولم تعد فقط محاكاة فنية، بل هي اللغة التكنولوجية بكل ما تحمله الكلمة من معاني..
ولهذا انتصرت الصورة التلفزيونية على ملايين الكلمات والعبارات والشعارات الرنانة، لكن وللأسف فإن الكثير من القنوات الفضائية لازالت تُولي اهتمامًا كبيرًا للعبارات على حساب الصورة، وأي مهتم في هذا الجانب يستطيع أن يلحظ ذلك، فبعض مقدمي البرامج والمراسلين يهتمون بترتيب العبارات والشعارات والخطابات، ولا يهتمون إن كان لهذه العبارات وزنًا يليق بها من الصور أم لا؟ فنجد أنفسنا ننشدُ لكلام المذيع أو المراسل دون أن ندقق في الصور المصاحبة لها، وبهذا نفقد كعرب وفلسطينيين قيمة التأثير في المجتمع الدولي الذي يعتمد بشكلٍ أولي ورئيسي على الصورة والصورة فقط !.
إن توفر إضاءة جيدة وألوان جذابة للصورة التلفزيونية أمر مهم لجذب المتابعين والمشاهدين، فالانتقال من التصور العيني إلى التصور الذهني، ثم إلى التمثل اللغوي هو عملية انتقال نوعي تتغير فيه الصور، كما تتغير فيه المسافة ما بين الشيء بوصفه وجوداً كينونياً، وما بين الشيء بوصفه عبارة لغوية، وتلك مسألة يدركها تماماً صنّاع الصور والسيناريوهات.
إن الألاعيب اللغوية والقراءة السردية، دون أي اعتبار لمفاعيل الصورة التلفزيونية، أمر غير مقبول في العمل الفضائي؛ ولهذا أجد نفسي دومًا وأبدًا مدققة في الصورة لأبقى أجاهد وأطالب بحقٍ تلفزيوني غير قابل للتنازل مفاده أن الصورة المعبرة تحتاج إلى صياد ماهر يلتقطها بإحساس وثقافة وروح..