تَيْسٌ مستعار

د.عثمان قدري مكانسي

[email protected]

طلق رفاعة القرظي ـ وهو خال أم المؤمنين صفية رضي الله عنها وكان أسلم حين أسلمت ـ زوجته تميمة بنت وهب ثلاثاً على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكانت تحبّه ويحبّها ، ولكنَّ الحمقَ قد يؤذي صاحبه ومَنْ يحبُّه . فكان الفراق بينهما فراق بينونة . . وهكذا أصبح لقاؤهما حراماً إلا إذا تزوجت المرأة من رجل آخر ، ولم تستطع العيش معه ففارقها كان لها أن تعود إلى زوجها الأول . .

 ما أن انتهت عدتها حتى تقدَّم إليها عبدالرحمن بن الزَّبير القرظيُّ فسرعان ما رضيت به زوجاً .

 فما مضتْ أيام من انتقالها إلى بيته حتى جاءت إلى بيت عائشة رضي الله عنها تشكو إليها ظلم زوجها الجديد ، ووحشيّته ، فقد ضربها حتى ظهرت آثار الضرب على جسدها زرقاء ، تدلُّ على أنّه يصعب العيش معه .

 وجاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى بيت عائشة ومعه أبوها الصديق رضي الله عنه ، قالت السيدة عائشة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : يا رسول الله هذه تميمة بنت وهب كانت تحت رفاعة ، فبانت منه ، فتزوجها عبدالرحمن بن الزَّبير ، فلم تمكث عنده أيام حتى جاءت شاكية ، فقد آذاها ، وقد رأيت أثر الضرب على جسدها ـ يا رسول الله ـ وهي تطلب أن يطلقها فما تستطيع أن تعيش مع رجل لا يرعى حرمة الزواج ، خاصة في أيام عرسها الأولى . .

 وكانت عائشة تميل إلى قول تميمة هذه ، والنساء ينصر بعضُهن بعضاً .

 والرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعقل الناس ، وأكثرهم حكمة ، لا يحكم لأحد حتى يرى حجة الثاني ويسمع منه ، فلعله صاحب حقٍّ والأول ألحنُ منه .

 قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للمرأة : (( ما خطبك أيتها المرأة ؟ )) فأعادت عليه حديثها الذي ذكرته عائشة .

 قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( أفلا نصلح بينكما ؟ )) .

 قالت : يا رسول الله لا أطيق العيش معه ولا أرغب فيه .

 قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( فكيف قبلتهِ زوجاً ، وتودين الآن طلاقك منه ولمّا تمكثي معه أياماً )) .

 قالت : يا رسول الله ، والله ما معه إلا مثل هذه الهدبة ، وأخذت هدبة من جلبابها تمثل به ما أرادت التعبير عنه . ( تريد أن توهم السامع أن رفاعة القرظي ليس قادراً على الزواج)

 وكان خالد بن سعيد بالباب يسمع قولها فقال مستاءً : يا أبا بكر ألا تنهى هذه المرأة عما تجهر به عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ . .

فتبسّم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لجرأة المرأة ، وحياء خالد بن سعيد .

 ثم قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( أين زوجُها ؟ )) .

 فجاء عبدالرحمن بن الزَّبير ومعه ابنان له من غيرها يتبعانه كأنهما فهدان ، فقال : إنها كَذَبَتْ ، والله يا رسول الله ، إني لقادر أن أنفضها فوق الأرض نفضاً ، فأنا من فحول الرجال ! !

 فتبسَّم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قوله الصريح هذا ، يقوله أمام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ولكنه ما صرَّح به إلا للدفاع عن نفسه ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

 (( إنك ضربتَها فأثَّرتَ في جلدها !! )) .

 قال عبد الرحمن : يا رسول الله إنها رضيت بي زوجاً ، فلِمَ منعتني نَفْسَها ؟! أليس هذا نشوزاً ، وغمطاً لحق الرجل ؟ .

 فسألها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن تجيب ، فسكتت .

 فقال عبدالرحمن : إنها تريد الآن بعد أن عقـَدْتُ عليها ولم أمَسَّها أن تعود لرفاعة زوجها الأول ، وما رضيت بي زوجاً إلا لأكون تيساُ مستعاراً ، والله لا أكون .

وما ضربتـُها إلا حين دفعتني وامتنعت عني ، وشتمتني وسبتني سباً قبيحاً .

والتفت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الولدين فقال لعبدالرحمن :

(( أهذان ولداك ؟ )) قال عبدالرحمن : نعم يا رسول الله . . . ثم التفت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المرأة يقول مؤنباً :

(( هذا الذي تزعمين ما تزعمين ، فوالله لهما أشبه به من الغراب بالغراب .

إنّه لا يجوز للمرأة أن تعود إلى مَنْ طلقها طلاقَ بينونة حتى تذوق عسيلة رجل آخر ويذوق عسيلتها )) . فيتمتّع بها وتتمتع به .

قال عبد الرحمن : والله لا أكون هذا الرجل يا رسول الله ! إنها طالق ثلاثاً . واستأذن ثم مضى لشأنه ومعه ولداه .

أما المرأة فقد خسرت زوجها الثاني ولم تستطع العودة إلى زوجها الأول.