في حضرة (الشيخ النجدي)!
محمد عبد الشافي القوصي
(حكاية: في أواخر التسعينيات، أثناء صعود الموجة الوهابية؛
ألقى أحدهم خطبة بمسجدهم بشارع رمسيس، وصاح بحنجرته المبحوحة:
لنْ نتخلى قيد أنملة عن تراثنا الحسن منه والرديء، ثمَّ أخذته الحميَّة، وقال: إنَّ ناقة الملك عبد العزيز شُعبة عندنا من شُعب الإيمان)!
في أحد الكتب القديمة، وردت حكاية ساذجة؛ مفادها: أنه عندما اجتمع زعماء قريش في "دار الندوة" يتشاورون في أمر (صاحب الرسالة) دخل عليهم "إبليس" في صورة شيخ كبير، وقال لهم: إنني أتيتكم من نجد، لأشارككم الرأي ... فأفسحوا له، وقدَّموا له واجب الضيافة، من القهوة والشيشة! وكلما رأى أحدهم رأياً، يرفضه، ويسفِّهه! ثمَّ اقترح –سعادته- أنْ يختاروا من كل قبيلة شاباً فتياً، وينتظروا لحظة خروج (المعصوم) من داره، ويضربوه ضربةَ رجلٍ واحد؛ فيتفرق دمه .. فلا يستطيع بنو هاشم –عندئذٍ- الأخذ بثأره ...!
* * *
هذه الحكاية، ليست دِيناً يتعبَّد الناس بها، فهي لمْ ترِد في القرآن. فمن يرفضها –إذنْ- فلا يكون رافضاً للذِّكر الحكيم. ولمْ ترِد في السنَّة، فمن ينكرها، فلا يكون منكِراً للسنَّة المطهَّرة.
على جانبٍ آخر؛ هذه الحكاية لا يقبلها عقل ولا منطق .. إنما تقبلها عقول السلفيين المريضة!
فليس من المعقول أنْ يدخل "دار الندوة" رجل غريب عن القوم، وهم يتشاورون في أخطر قضية؛ قضية -قتل ابن عبد المطلب، قتل ابن عمومتهم- فالأمر جِد خطير!
فهل يعقل أنه بمجرد أنْ قال لهم: أنا شيخ من نجد؛ يفسحوا له المجلس، ويتركوه يدلي بدلوه، ويرفَّض من الآراء تارة، ويرجِّح تارة أخرى!
أفلاَ يشكّ المؤتمِرون في أنه قد يكون مدسوساً عليهم من بني هاشم؟!
ولا ننسى أن (مكة) آنذاك- مجتمع قروي مغلق على أهله، فمن المستحيل أن يُسمح لأحدٍ بأنْ يقترب من "دار الندوة"؛ فهي محفل خاص بشيوخ وحكماء قريش، دون سواهم!
فلوْ أنَّ "رجلاً غريباً" دخل إحدى القرى في بلادنا؛ سرعان ما يستوقفه الناس، ويسألونه: من أنت؟ وما شأنك؟ ولماذا أتيتَ إلى هنا؟ ومن تريد؟ وماذا تريد؟ وما شابه ذلك من الأسئلة ... فكيف يُسمح لهذا "الزائر" بدخول "مجلس الشيوخ"؟!
كما أنه لمْ يروِ هذه الحكاية واحدٌ ممن كانوا بدار الندوة، وأسلم بعد ذلك؛ كأبي سفيان، أوْ سُهيْل بن عمرو!
أيضاً، لمْ يثبتْ أنَّ "إبليس" يأتي في صورة رجل، ويكلِّم الناس، ويكلِّموه! فالقرآن الكريم يقول: (إنه يراكم هو قبيله من حيثُ لا ترونهم).
إلى غير ذلك من الأدلة النقلية والعقلية التي تكشف عوار هذه الحكاية السلفية السخيفة!
* * *
لعلَّ سائلاً يسأل: ماذا تريد يا هذا ...؟!
نعم؛ أريدُ أنْ أقول: إنَّ الشيخ/ محمد الغزالي (رحمه الله) أشار إلى هذه القصة في أقل من سطر، ضمن حديثه عن ضرورة تنقية التراث مما علق به من أوهام وخرافات وضلالات.
فلمْ يعجب خراف السلفية الضالة، فانتفض أحد سفهاء الوهابية، وألَّف كتاباً من(700 صفحة) بعنوان: "جناية الغزالي على الحديث وأهله" يسب ويلعن الشيخ لرفضه هذه الحكاية!!
هذا الكتاب واحد من (40 كتاباً) ألَّفها قباقيب الوهابية، للنيْل من الشيخ الغزالي!!
لكن بعد مرور بضع سنوات؛ جمعتني مناسبة بأحدهم، وقال لي دون مواربة: "أنا ذاهب لأداء "الركن الخامس" وقد كنتُ واحداً من الذين تقاضوا أموالاً طائلة "من شياطين الوهابية وأكابر مجرميها وأشدّهم على الرحمنِ عِتيًّا بنجد"؛ للحرب على الأزهر وعلمائه، أمثال: محمد عبده، ورشيد رضا، والمراغي، ومصطفى عبد الرازق، ومحمود شلتوت، وعبد الحليم محمود، والشعراوي، والغزالي، والقرضاوي، وبنت الشاطئ، والشيخ طنطاوي، وغيرهم!
فقلتُ له: طعامك حرام، وشرابك حرام، وملبسك حرام، وزادك حرام، وراحلتك حرام، وحياتك كلها حرام في حرام ... فأيَّ دِينٍ هذا الذي تعتنقه -يا عبيط يا ابن العبيطة!
* * *
الخلاصة؛ أريدُ أن أقول لكم: هذه هي حقيقة الدعوى السلفية، وهذه أخلاقياتها، وهذه سيرتها، وهذه ثقافتها، وهذه مؤلفاتها، وهؤلاء هم دعاتها، وأبواقها، وسدنتها، وهذه هي بضاعتهم المغشوشة، وهذه هي عقولهم المختلَّة .... فلا يلومنَّني أحدٌ بعد اليوم؛ إذا أطلقتُ عليهم خيل مقالاتي، ونيران أقلامي، وقذائف مؤلفاتي ... حتى أجعلهم كعصفٍ مأكول!