العمل في الجمعيات والمراكز والمؤسسات وإفشاء أسرار العمل
العمل في الجمعيات والمراكز والمؤسسات
وإفشاء أسرار العمل
طريف السيد عيسى
السويد – أوربرو
يعتبر الدين الإسلامي هو مصدرالأخلاق الأساسي عند المسلمين .
ولابد لكل مسلم يود أن يعمل في الجمعيات والمراكز الإسلامية , أو في أي مجال آخر سواء كان في القطاع العام أو الخاص , أن يتعرف على أخلاقيات العمل في الإسلام , ولايهم أن يكون العمل تطوعا أو مقابل أجر مادي .
هذه المقالة ليست مقالة تشرح أحكام الدين الفقهية الخاصة بأخلاقيات العمل , ولكنها توضح فقط أن الدين الإسلامي يشتمل على الكثير من الأخلاق الخاصة بالعمل بالإضافة إلى الكثير من الاخلاق التي تطبق في العمل وفي غيره.
كي يعرف العاملون في الجمعيات والمراكز الإسلامية أن الإسلام وضع لنا قواعد أخلاقية في العمل الإداري .
ويعتبرحفظ أسرار العمل من أمهات أخلاق العمل الإداري .
قد يهيأ للبعض أن هذه المقالة تخص حدثا بعينه , وأقول يمكن إسقاط مضمون المقالة على هذا الحدث , لكن المرجو منها هو أوسع وأعمق من ذلك الحدث وإلقاء الضوء عليه , فلا بد أن تستفيد الإدارات من ذلك للمستقبل , حتى لاتتكرر الأخطاء نفسها المرة تلو المرة .
لم أقف على تعريف جامع ومانع لخلق المحافظة على أسرار العمل , ولكن من خلال المتابعة والبحث يمكن القول :
(في تعريف أسرار العمل بأنها: كل ما يتعلق بطريقة الإنتاج أو بمعاملات المحل ومدى نشاطه، وعرفها البعض الآخر بأنها المعلومات التي تتعلق بالمنشأة والتي أوجب القانون كتمانها أو جرى العرف بذلك بحيث يترتب على إذاعتها الإضرار بالمنشأة أو زعزعة الثقة فيها وبشرط ألا يكون هذا الكتمان ساترا لجريمة جنائية أو حائلا دون الكشف عن جريمة تمت أو في مرحلة شروع).
(والسر هو: الذي يفضي به إنسان إلى غيره، أو يطلع عليه بحكم معاشرته أو مهنته ويستكتم عليه أو دلّت القرائن على طلب الكتمان، أو كان من شأنه في العادة أن يُكتم، أو تضمن ضرراً، أو عيباً يكره اطلاع الناس عليه، أو إفشاؤه يؤدي إلى الإفساد بين الناس) .
قال تعالى: (يا ايها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) الانفال- 27
(أخرج أبو داود والترمذي عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا حدث الرجل ثم التفت فهي أمانة).
(قال صاحب الإنصاف: قال في أسباب الهداية: يحرم إفشاء السر. وقال في الرعاية: يحرم إفشاء السر المضر.
والله أعلم).
والأصل في إفشاء السر التحريم , ويزداد التحريم إن كان الإفشاء يؤدي لفتنة وفساد العلاقات بين الناس .
كما أن الأصل في السر وجوب كتمانه وتحريم إفشائه سواء كانت هذه الأسرار متعلقة بالشخصية الحقيقية أم الاعتبارية، وسواء كانت هذه الأسرار من الأسرار الخاصة أو من الأسرار العامة، وسواء كانت هذه الأسرار وصلت إلى المؤتمن إليه عن طريق العلاقة العائلية، أم عن طريق المهن، أم عن طريق العلاقة الاجتماعية, أم عن طريق أي علاقة .
إن من أشنع وأفظع الأخطاء إفشاء أسرار العمل وإخبار بها من لايجوز أن يعرف تلك الأخبار , ومن أقدم على ذلك يكون قد خان الأمانة الموكولة إليه فليستغفر الله ـ وليحذر من أن يعود لمثل هذا,. لأنه بتصرفه هذا تمثل بصفات المنافقين والخونة .
( قال الحسن البصري: إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك.(
- 1 –
ومما يعجب منه المرء ويأسف له ,أن تجد بعضا ممن يعملون في الجمعيات والمراكز الإسلامية , وقد أعطتهم الجالية الثقة , فوثقت بهم , وإذا بهولاء لايكتمون سرا ولا يحفظون عهدا , ومما لايخفى على ذي لب وعقل أن هناك كثير من الناس يأتمن القائمين على أمر هذه الجمعيات والمراكز على معلومات خاصة لايجوز لأحد أن يطلع عليها: - سواء على مستوى البيوت وأسراراها وعوراتها .
- أو على مستوى العلاقات الإجتماعية .
- أو على مستوى المعلومات الحساسة والمهة التي تطلع عليها تلك الإدارات.
- أو ربما يقوم شخص ما بتقديم معلومة غائبة عن الإدارة وتكون تلك المعلومة خاصة بشخص معين .
فيقوم من لا أخلاق له ولا ذمة ولا ضمير بإفشاء تلك المعلومات ونشرها بين الناس , أو إيصال المعلومة لصاحبها قائلا له إن فلان هو من أوصل تلك المعلومات عنك للإدارة , أو ينشر مداولات اللجان أو المجالس الخاصة لهذه الجمعيات أو المراكز.
بل الأخطر أن يقوم عديم الأخلاق والخائن للأمانة بنشر رسالة خاصة قام شخص معين بإرسالها لإدارة تلك الجمعية , وهي رسائل لايجوز نشرها خارج نطاق الإدارة تحت أي ظرف , لأن فيها معلومات لايجوز أن يطلع عليها أحد من خارج نطاق الإدارة .
هذا السلوك يؤكد أن من يقوم بنشر تلك المعلومات هو شخص :
- غير مؤتمن .
- ليس أهلا لحمل الأمانة .
- وليس أهلا للثقة .
- وهو غير كفء ليكون في أي إدارة .
- ويلعب دورا رئيسيا في زعزعة الثقة بكامل أعضاء الإدارة .
فإذا كان هذا الشخص ليس أهلا لحفظ هكذا أسرار, فكيف يؤتمن على مصالح المسلمين ؟!
إن الذي يكشف أسرار الإدارات والمجالس , لايستبعد أن يكشف عورات المسلمين لغير المسلمين ؟!
إن هذا السلوك كما قلت يزعزع الثقة بكامل الإدارة , ويجعل دائرة الشك تحوم حولهم جميعا , وعليهم أن يفعلوا المستحيل لكشف عديم الأخلاق والخائن , ليظهر على حقيقته الخداعة التي تختبئ خلف شعارات ولا فتات شتى ,فلا يقوم بهكذا تصرف إلا شخص صاحب فتنة ويريد أن يوسع دائرتها ويبقيها مشتعلة باستمرار .
وأيضا لابد من كشفه لغرض إثبات براءة باقي أعضاء الإدارة , حتى لايبقى الجميع ضمن دائرة الشبهة .
إن الذي يوشي بغيرك , يأتي يوم ويوشي بك .
إن الذي يتكلم عن غيرك , يأتي يوم ويتكلم عنك .
كيف سيطمئن أعضاء الإدارة لبعضهم مستقبلا وكل منهم يعتقد أن كلامه ممكن أن يخرج خارج نطاق الإدارة ؟؟؟
كيف سيطمئن أعضاء الإدارة لطرح مواضيع خاصة , ولا يخشون أن يقوم شخص من الإدارة بإيصال تلك المعلومات لأصحابها ؟؟؟
(عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المجالس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس:سفك دم حرام، أو فرج حرام، أو اقتطاع مال بغير حق) سنن أبي داود , مسند الإمام أحمد , السنن الكبرى للبيهقي , حسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير .
إن من مزايا الشريعة الإسلامية أنها دين يطالب الإنسان فيه مع التزام الاحكام امتثال الأوامر فليست قانوناً أو تشريعاً يجرّم حدوداً معينة ويدع ما سواها بل هو منهج حياة متكامل، لم يدع جانباً من جوانب الحياة الإنسانية إلا كان له فيه موقف, ففي الوقت الذي تحتاج القوانين الى تحديد ماهيّة السر والمحافظة عليه , نجد الشرع يأمر بحفظ السر وينهى عن إفشائه ويرتب المسئولية على إفشاء السر , لذلك اعتبر حفظ السر من الأمانة والإخلال بها من علامات النفاق .
- 2 -
( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اوتمن خان) صحيح البخاري , صحيح مسلم .
ولايخفى على عاقل أن إفشاء السر هو نميمة , حيث يقوم النمام الخسيس بنقل مضمون الجلسات الخاصة لبعض الأشخاص بغية نشر الفتنة بين الناس .
(والنميمة هي نقل الكلام بين طرفين لغرض الإفساد، يقول الغزالي في الإحياء ج3 ص 135: تُطْلَق النَّميمة في الأكْثر على مَن يَنُمُّ قولَ الغير إلى المقول فيه، كما تقول: فلان كان يتكَلَّم فيك بكذا وكذا)
(وقال الإمام الغزالي يصف النمام- الإحياء ج3 ص 135 : أن رجلًا سأل حكيمًا عن السَّماء وما أثْقل منها؟ فقال: البُهتان على البريء، وعن الأرض وما أوسع منها؟ فقال: الحق، وعن الصخر وما أقسى منه؟ فقال: قلب الكافر. وعن النار وأحرَّ منها؟ فقال: الحسد، وعن الزَّمْهرير وما أبرد منه؟ فقال: الحاجة إلى القريب إذا لم تنْجَح. وعن البَحْر وما أغْنى منه؟ فقال: القلب القانع، وعن اليتيم وما أذلّ منه؟ فقال: النمَّام إذا بان أمره، النمام كذاب، غشاش، مغتاب، خائن للسر، غادر للعهد، غالٍ حسود، منافق، مُفسد يُحب الشر للناس، الصدق لا يذم من أحد إلا من النمام، ذو وجهين، متجسِّسٌ، فاسِق.)
إن نشر أسرار العمل يؤكد ضرورة وجود نظام إداري واضح , فقضية نشر الأسرار ثغرة تضاف لكثير من الثغرات التي يعاني منها العمل الإداري لدى بعض الجمعيات والمراكز الإسلامية .
حيث لابد من ضوابط ولا ئحة جزاءات وعقاب لمن يقدم على نشر وكشف أسرار العمل .
ولابد من وضع مقاييس واضحة في عملية إختيار الأشخاص للعمل في الإدارات أو اللجان , فالقضية ليست تلبيس طرابيش , بقدر ما هي أمانة ودين .
إن تقاعس الإدارة في كشف أمثال هذاالخائن سيزعزع ثقة الناس بالإدارة , وهذا يؤثر سلبا على الجالية بشكل عام , ويزيد من حجم المشاكل ضمن الجالية , ويجعل الناس لاتطمئن لبعضها .
فعلى الإدارة أن تكون حازمة وحاسمة في مثل هذه الأمور التي لاتحتمل التمييع والتأجيل والمماطلة .
ولا يجوز السكوت عن هذه التصرفات تحت أي ظروف , فالمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة , وأسرارومصالح المسلمين أمانة .
إن الشخص الذي لايقدر على حفظ الأسرار فلينسحب ويقدم إستقالته والعمل يسير بدونه ولا يتوقف , فوجوده ضرر لمصالح المسلمين , وزرع للشك ضمن أعضاء الإدارة .