احذروا.. أحفاد العثمانيين يغضبون
(نسر الأناضول) يحلق بعيداً
زهير سالم*
لقد مرت أحداث غزة بكل دمويتها ووحشيتها وقسوتها دون غضب عربي رسمي منتج، فاستمرت أثناءها وبعدها أحاديث القادة العرب عن سلام مشين يتحلبونه من أطراف أحاديث المعتدين. وظل الحديث عن خيار السلام ومبادراته كلاما يُلاك، وظل التقاعس عن أداء حق الخيارات البديلة واقعا مستحكما.
وحدهم أحفاد العثمانيين، هم الذين غضبوا عمليا لغزة، ووحدهم هم الذين عبروا عن غضبهم بمواقف سياسية حية شهد العالم بعضها على الهواء مباشرة، وتابع بعضها خطوات عملية على الأرض، مواقف عملية فصمت عرى علاقات ووثقت أخرى. فألغت أو علقت العديد من الاتفاقات ظنها البعض يوما أنها اتفاقات أبدية وربما طمعوا فوقها بالمزيد!!
الصفعة الأخيرة التي وجهها أحفاد العثمانيين أوجعت الخد الصهيوني، حتى صرخ صارخهم: إن لاحتمال الإهانات حدودا.
فبعد العدوان على غزة لم يعد الفضاء التركي مجالا لتدريب الطيران الصهيوني، ولم تعد إسرائيل هي الدولة المزودة للسلع الاستراتيجية للدولة التركية الديمقراطية. وأجهض مشروع إسناد نزع الألغام على الحدود التركية- السورية، لما قيل إنه شركة إسرائيلية، واستُبدل بقمر الاستطلاع الإسرائيلي للفضاء التركي، آخر إيطالي.
إن إدراكنا للأبعاد الاستراتيجية لتحليق طيران صهيوني شمال سورية وقريبا من العراق وإيران يجسد لنا الخسران الذي يشعر به الإسرائيليون وهم يتلقون الصفعة الأخيرة: لا لمناورات نسر الأناضول، يجهر بها في تركية الشعب والقادة ؛ لأن نسر الأناضول في هذا العصر حلق بعيدا
و(نسر الأناضول) هو عنوان مناورات جوية تجري مرة كل عدة أعوام بهدف دعم وتعزيز التعاون العسكري الجوي بين دول حلف الأطلسي، ومن بينها إسرائيل، وغالباً ما تجري بين (12ـ23) أكتوبر تشرين الأول.
وبناء على الموقف التركي الذي طالب بتأجيل المناورات هذا العام، ولهذا العام أكثر من خصوصية استراتيجية، فقد ذكرت المتحدثة باسم الولايات المتحدة أن الولايات المتحدة وحلفاءها طلبوا، بناء على ذلك، تأجيل المناورات على أمل تحديد موعد آخر.
من جهة أخرى فقد أكد أحمد داود أوغلو وزير الخارجية التركي في مقابلة خاصة مع شبكة (CNN) الأحد الماضي أن بلاده منعت مشاركة إسرائيل في المناورات عسكرية لحلف شمال الأطلسي بسبب الهجوم الإسرائيلي على غزة.
ورداً على سؤال حول سبب استبعاد إسرائيل من المناورات قال وزير الخارجية التركي: نأمل أن تتحسن الأوضاع في غزة. وأن تعود الأمور إلى مسارها الدبلوماسي.
نعم إن نسر الأناضول حلق عالياً وبعيدا، وأنه بما يعتمد عليه من إرادة شعبية صلبة لم يعد ذلك الطائر مقصوص الجناح. وأن تركية لن تعود الدولة (المسلمة الحليفة لإسرائيل) كما أوردت CNN الأمريكية. لقد أُطيح اليوم بفعل هذه الصفعة بحلفاء قرصوه من استانبول. وربما كانت تلك هي البداية لأحجار الدومينو .
وفي هذا السياق الاستراتيجي والسياسي فإن البعد الإنساني للموقف التركي لا ينبغي أن يغيب. فهذاالبعد ذاته هو الذي كان في مشروع العثمانيين من أسلافهم، يوم استنقذوا الألوف من اليهود من براثن محاكم التفتيش. وهو هو جوهر مشروع الرسالة الرحمة التي يحملون: (الرحمة للعالمين). هو مشروع يأبى الظلم، وينتصر للمظلوم في كل مكان، والقائمين عليه لا يساومون على القيم الإنسانية في سوق المصالح الرخيصة كما تفعل دول تدعي قيادة ركب المدنية والحداثة وحماية حقوق الإنسان.
الرسالة الأساسية من الموقف التركي الجديد: احذروا إن أحفاد العثمانيين يغضبون، ويمتد غضبهم من القرايا إلى السرايا. أوليست هذه هي الديمقرطية التي عنها يتحدثون.
(*) مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية
للاتصال بمدير المركز
00447792232826